مشروع دولة

البنية المافياوية التي بناها حافظ الأسد/ بسام يوسف

عندما انقلب حافظ الأسد على رفاقه وأودعهم السجن توهموا، ومعهم عدد كبير من قيادات البعث الأخرى، انه لن تمضي فترة طويلة، حتى تجتاح جحافل الجماهير قصر الرئاسة لتسحل حافظ الأسد، وتعيدهم إلى سدة الحكم.
كانوا على ثقة أن شخصا وضيعا وانتهازيا ك”حافظ الأسد ” لن يتمكن من إدارة البلاد، وأنه قريبا سيدفع ثمن حماقته، وهوسه بالسلطة.
الجميع يعرف ماذا حدث بعد ذلك، فقد استطاع الانتهازي الوضيع أن يحكم سوريا ثلاثة عقود كاملة، وأن يؤسس لاستلام ابنه من بعده، وأن يروض بلد كان الجميع مقتنع انه غير قابل للترويض، وأن حكمه يكاد يقارب المستحيل.
السؤال الذي أطرحه على نفسي كثيرا، وعلى الآخرين أحيانا، كيف استطاع حافظ الأسد، وهو فعلا وضيع، وانتهازي، وضيق الأفق، أن يفعل هذا في بلد هو فعلا من البلاد التي يصعب حكمها؟.
لايزال – برأيي- هناك سر ما، فلم تتكشف حتى اللحظة اي وثائق أو دراسات تطال البنية العميقة للسلطة الفعلية في سوريا فترة حكم حافظ الأسد، ولا تزال آليات إدارة الدولة والمجتمع ومن كان يخطط ويقرر لغزا، فليس من المنطقي الركون إلى أن شخصيات مثل حافظ الاسد ورفعت الاسد وعلي دوبا وعبد الحليم خدام ومصطفى طلاس وناجي جميل، وحكمت الشهابي و ..و.. هم رجال دولة استثنائيون، سيما أن أغلب من كانوا في هذه الحلقة الضيقة من السلطة انكشف المستور عنهم بعد وفاة حافظ الأسد وتبين انهم من الضحالة والحماقة ما ينفي عنهم ذلك، وأنه إن كان لهم من صفة يتميزون بها فهي صفة التبعية الكاملة، والطاعة العمياء، ولم يكونوا الا ادوات مخلصة لرئيس عصابتهم، فمن اذا أدار الدولة وكان المقرر والمخطط ..؟.
أحد التفاسير المضحكة فعلا، تتحدث عن مجلس علوي يخطط ويدير البلاد وهو من قرر إزاحة صلاح جديد وتسليم حافظ الأسد، ويجد بعض المثقفين ضالتهم في هذا التفسير فيتبنونه، ويستشهدون بلقاء مع أحد ضباط المخابرات الروس والذي يقول فيه هذا الضابط أنه معروف للجميع وجود مجلس أعلى للعلويين.
لن أخوض في الدوافع التي دفعت هذا الضابط لقول ما قال، ولا في توقيته، لكنني سأحيل اي مهتم، للبحث قليلا في وضع الطائفة العلوية، قبل وصول حافظ الأسد إلى الحكم ، وقراءة وضعها الراهن، وماذا كانت نتائج حكم عائلة الأسد عليها.
اي مجلس هذا … واي عقل استراتيجي – وهو القادر على التخطيط الاستراتيجي، و تغيير قيادات البلد- ، يدفع بالطائفة التي يتزعمها إلى هذا المأزق التاريخي الذي يهدد هويتها وصيغة وجودها خلال فترة حكم رئيس واحد..؟.
أجزم أن أعلى مجالس العلويين في فترة وصول حافظ الأسد إلى الحكم لم تكن لتفكر أو تهتم باكثر من تنظيم توزيع مياه النبع لسقاية الأراضي، وكانت مجالس فاشلة بامتياز فقد كانت معارك سرقة ماء السقاية طاحنة وبلا هوادة.
يقودني هذا للسؤال الذي صدمني عندما أطلق الدكتور صادق جلال العظم مصطلحه الاشكالي ” العلوية السياسية”، والذي لم أجد فيه أكثر من قفزة في فراغ، فليس له – المصطلح- اي مرتكزات حقيقية، وما يدفع لإطلاقه يمكن أن يدفع بنفس القوة لإطلاق عشرات المصطلحات المشابهة، فالمحددات التي ارتكز عليها تكاد تتطابق وتنطبق على كل تصنيفات المجتمع السوري.
باختصار نحن بحاجة لبحث عميق في صلب البنية المافياوية التي بناها حافظ الأسد، والتي أكاد أجزم انها بنيت بعقول أخرى تفكر استراتيجيا، ولم يكن حافظ الأسد، ولا مجموعة البيادق التي حوله يمتلكون هذه المقدرة، وبالتالي لم يكونوا الا واجهتها المعلنة.
انها مجرد أسئلة… ربما نحتاج إلى أن تتكشف حقائق ووثائق كثيرة كي نجيب عليها، أما هذا الاستسهال في إطلاق أجوبة متسرعة ومبنية على مظاهر فقط فلن يوصل إلا إلى طمس الحقيقة وتغييبها.

المصدر
ثورة الساحل ضد بشار أسد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى