مشروع دولة

الدولة بين أخلاق الفرد وأخلاق السياسة/ سمير صادق، ريما بيطار

لم تعرف الحياة البشرية أكثر من الدفاع المستميت عن سيطرة الأخلاق على السياسة، بداية من أفلاطون وحتى لوك وكانت. لم يقتنع المدافعون عن سيطرة الأخلاق على السياسة بفكرة وجود ناظم للقضايا الخاصة وهو الأخلاق، وناظم للقضايا العامة هي السياسة .. الأخلاق تنطلق من الفرد، والسياسة تأتي من الخارج، وتدمج الفرد في “خصوصية” عامة. انهزام مفهوم سيطرة الأخلاق على السياسة جاء في القرن السابع عشر، ومنذ القرن السابع عشر وحتى الآن تحولت السياسة الى الأهم اجتماعيا، والأخلاق والدين الى الأهم شخصيا …

للسياسة عمق اجتماعي، يقابله عمق شخصي للدين والأخلاق. لكل من الأخلاق والسياسة مصادر وماهيات مختلفة، وعن المنهجية يمكن القول بأن السياسة هي فاعل جماعي، وهي التي تصنع أخلاقها الخاصة بها، وما تدني المستوى الأخلاقي الجماعي في شعوبنا الا انعكاس لتدني المستوى السياسي، الأخلاق الفردية ليست ضمانا لسياسة فاعلة وفعالة ومفيدة .

لايمكن تطبيق القواعد الأخلاقية المتداولة بين الأفراد على العلاقات بين الدول والشعوب، فالمعايير الأخلاقية تختلف من شعب لآخر، والزام شعب أو دولة بالمعايير الأخلاقية لشعب أو دولة ليس الا نوعا من الاستعمار والهيمنة الثقافية. كل الدول متفقة على احترام قواعد الأخلاق والالتزام بالسلم ورفض الحرب، الا أن تبرير الحروب لايتم بالأخلاق، وانما بالمصلحة العليا للدولة التي تتجاوز في أهميتها أهمية الأخلاق، فالسياسة تخضع لأحكام المصلحة العليا، وعلى السياسة مراعاة الظروف التي تفرضها المصلحة العليا التي تمثل “الهدف” من صنع السياسة. السياسة تتجاوز الأخلاق وتلجأ أحيانا الى العنف والقوة والحرب، ولا يعرف التاريخ سياسة تعمل خارج نطاق المصلحة الذاتية قديما وحديثا، فقط الضعيف، ان كان خلوقا او غير خلوق، هو الذي يصر على استجداء الحماية من الأخلاق.

باختصارلا تخضع قرارات السياسة الخارجية الى منظومة الأخلاق الفردية، فالأخلاق أصلا هي نتاج للسياسة ونتاج لحقيقة سوسيولوجية خاصة، وفي هذا الإطار وعلى الصعيد الخارجي؛ فإن كل الدول متفقة على السير نظريا على نهج القواعد الأخلاقية وعلى إدانة الحرب، ولكن لا توجد دولة لم تقم بتبرير حروبها أمام الضمير العالمي بالمصلحة العليا، فالسياسة باعتبارها فنا للوصول إلى الأهداف المتوخاة، تستخدم مجموعة من الوسائل الشرعية وغير الشرعية مثل القوة والعنف والحيلة والكذب… والاستعمال الواسع لمثل هذه الطرق لا الأخلاقية لم ترفضه الشعوب والمجتمعات سواء القديمة أو الحديثة. وأكثر من ذلك فحتى الديمقراطيات الغربية التي تعتبر نفسها نموذج القيم والقانون تتقبل هذه الطرق وتلجأ إليها، مبررة ذلك بالمصالح الخاصة بالدولة التي تعمل خارج القواعد الأخلاقية الفردية. التصرف لا الأخلاقي للدول (أخلاق الفرد) هو ثابت من الثوابت، سواء في السلم أو الحرب. غالبا ما يتم الدفاع عن الدول بالطرق المرفوضة من طرف الأخلاق الفردية.

الأخلاق مسألة خصوصية تنطلق من الفرد، أما القيم التي تحدد أخلاق مجموعة فهي جماعية. الأولى مطلقة بالنسبة للفرد لا تقبل أي خرق أو انتهاك، في حين أن الأخلاق الجماعية نسبية ومتغيرة. السياسة هي نظام مفروض من خارج الفرد على مجموع الأفراد له عمق وبعد جماعي منتج لقواعد اجتماعية، وبالتالي فاعلية اجتماعية لا يمكن للأخلاق الفردية نيلها. قرار الحرب هو قرار حكومة منتخبة من الأكثرية (هذا في حال الديموقراطيات)، وفي هذه الحالة تقف أخلاق الفرد أزاء حالة الحرب مؤيدة أو معارضة. هنا لايمكن للحكومة اتخاذ قرار يعتمد على أخلاق الفرد المتباينة وحتى المتناقضة، لذا تتنصل السياسة من الأخلاق الفردية وتعتمد على مراعاة المصلحة العامة والعليا في اتخاذ القرار.
مقارنة مع الديكتاتوريات يمكن القول على أن الديكتاتورية اكثر تأثرا بالأخلاق الفردية من الديموقراطية. في الديكتاتورية هناك مصلحة عليا تتمثل بمصلحة الديكتاتور، وقرار الحرب هنا ليس قرارا “سياسيا” وانما قرار شخصي “أخلاقي”. وليس لقرار الحرب هنا عمق وبعد جماعي وانما بعد وعمق شخصي، صحة أو خطأ؛ قرار الحرب يعتمد على أخلاقيات الديكتاتور الفرد. ولما كانت أخلاقيات الديكتاتور في معظم الحالات بل وفي كل الحالات سيئة؛ لذلك سيكون قرار الحرب سيء
هناك فروق كبيرة بين بين أخلاق “القناعة ” وبين أخلاق” المسؤولية. السياسة “مسؤولية” بالدرجة الأولى، ولا يجوز للسياسي تبرير فشله بمبرر الأخلاق الفردية، ولا نجاحاته بسبب الأخلاق الفردية .

المصدر
موقع سيريانو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى