من أين تأتت كل هذه العدمية السورية!/ رستم محمود
24 آب 2020
بعد ساعات قليلة من نشر هذه المقالة، سيخرج المتفاوضون السوريون من الجولة الثالثة لاجتماعات اللجنة الدستورية السورية خاويي الوفاض. هذه المفاوضات المنعقدة في مدينة جنيف السويسرية برعاية الأمم المتحدة لن تحقق أي اختراق سياسي قط، ولو في أدنى المستويات، كالاتفاق على جدول أعمال للاجتماعات القادمة مثلاً، أو حتى مجرد الاعتراف السياسي المتبادل بين المتفاوضين، أو أي شيء آخر. بعد ذلك بساعات أخرى، سيطلق الطرفان غمامة من الاتهامات المتبادلة؛ سيتهم النظام وفد المعارضة بالعمالة للقوى الإقليمية ودعم الإرهاب، بينما سيقول المعارضون إن النظام السوري لم يترك خياره الشمولي، كسلطة استبدادية غير راغبة بأية شراكة سياسية.
أثناء هذه الساعات، سيكون الآلاف من المواطنين السوريين الواقعين في مناطق سيطرة النظام السوري قد لاقوا حتفهم جراء داء الكورونا، وأضعافهم قد أُصيبوا بها، حيث تفتقد البلاد لأدنى درجات الحماية والرعاية الطبية، وأضعافهم قد وقعوا أسرى موجات الجوع التي تطيح ملايين من أبناء الطبقات الفقيرة المتعاظمة، هؤلاء الذين لم ولن يبالي النظام السوري بأحوالهم وأوجاعهم، بل سيستمر في حروبه الهوجاء على أكثر من جبهة، في مناطق المعارضة في محافظة إدلب، ومحاصرة شرق الفرات، وطبعاً في قمع أي نفس معارض في مناطق سيطرته، دون أي حسٍ بمسؤولياته السياسية والأخلاقية عما وصلت أليه أحوال البلاد ومواطنوها في ظلال حكمه وجراء سياساته. لن يلتفت النظام لوضع صارت فيه بلاده “بلادنا” أكثر أماكن العالم بؤساً، سياساً واقتصادياً وتعليمياً وصحياً وأهلياً، حتى بالنسبة لأكثر القواعد الاجتماعية ولاء للنظام السوري نفسه. فوق ذلك، فإن النظام السوري مستعد للاستمرار بما هو عليه، بمزيد من الجلافة الوجدانية والأخلاقية والسياسية، وبنفس السياسات، وكأن كل شيء يسير على تمامه!
قوى المعارضة السورية بدورها، لن تبالي بمجموع أفعالها على الأرض، مثل تغطيتها السياسية والرمزية التامة لأفظع الجماعات المتطرفة، التي تسيّر أحكاماً وسياسات قروسطية على أكثر من أربعة ملايين سوري، في محافظة إدلب وشمال حلب. وتكملها كممثل محلي لسياسات الكراهية والإبادة التركية في الداخل السوري.
تركيا التي تمارس رعاية رسمية لعشرات العصابات المسلحة، التي تعيس نهباً وقمعاً عاماً في مناطق سيطرتها، من حرب إبادة جماعية ضد أبناء الجماعة الأهلية الكردية/السورية، وصلت خلال الفترة الأخيرة حد قطع مياه الشرب عن قرابة نصف مليون سوري في مدينة الحسكة، ولأكثر من ثلاثة أسابيع، دون أية حساسية أو مسؤولية تجاه أوجاع الضحايا المدنيين هناك، أياً كانت هوياتهم الأهلية وولاءاتهم السياسية. كذلك فأن قوى المعارضة السورية صارت تعمل كمظلة سياسية لتوجهات تركيا الاستراتيجية في تحويل عشرات الآلاف من الشبان السوريين إلى مجرد مرتزقة في حروب لا مصلحة ولا طائل منها، على بعد آلاف الكيلومترات من بلادهم، في صحاري ليبيا، وربما في غيرها من البلدان والمناطق في أوقات لاحقة!.
لكن قوى المعارضة السورية، أو أغلبها الأعم بقول أصح، وكما النظام السوري تماماً، صارت مستعدة لأن تغض النظر وتتجاوز أية حساسية أخلاقية أو نزعة إنسانية، كانت تدعيها فيما سبق، تمايزها عن النظام السوري. أن تفعل وتستمرأ وتقبل بكل شيء، وبالمزيد من أي شيء، طالما يمنحها ذلك شيئاً وهمياً من السلطة والقوة، ولو على حساب أضعف الطبقات السياسية السورية، وأكثرها قُرباً وولاء لهذه المعارضة نفسها.
بالرغم من قسوة قول ذلك، إلا أن معظم القوى السياسية السورية، المنحدرين والمنتمين لمختلف ضفاف الصراعات السياسية والإيديولوجية والعسكرية، يُظهرون مزيداً من التطابق فيما بينهم، عبر الجمع بين ممارسة كل السلوكيات والسياسات التي قد تدمر أنماط الحياة والعيش المشترك في مناطق سيطرتها، مع الكثير من القسوة الوجدانية والصلابة الأخلاقية والعدمية القيمية، التي تقبل وتُبيح وتُشرعن كل شيء، طالما يدخل ذلك في خدمة تمتين أواصر سلطتها على المحكومين….
تابع/ي القراءة على رابط المصدر أدناه: