فصائل المعارضة ودولة الخلافة/ توفيق الحلاق
خُطب المشايخ وأحاديثهم عن الخلافة الراشدية والأموية والعباسية، وصولًا إلى سلاطين بني عثمان، تشبه الأساطير، وهي كفيلة أن تزرع في أدمغة الأطفال والكبار، على حد سواء، أسماء لرجالات تبدو لهم مُقدّسة، مثل عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، ثم معاوية، وعمر بن عبد العزيز، ثم الخليفة المنصور، وهارون الرشيد، ثم السلطان العثماني سليمان القانوني وعشرات، بل مئات، مثلهم في القوة والحكمة، والمآثر الحميدة. وعززت تلك القداسةَ عشراتُ الكتب التي وجدت طريقها إلى بيوت الناس، ثم كتب التاريخ في المدارس، لتأت الإذاعة ومن ثم التلفاز ليُكرسانها بالصوت والصورة؛ وهكذا صار حلم المسلمين -على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم- أن تعود دولة الخلافة التي تُمثّل العدل والكفاية والمساواة والمنعة أمام الأعداء.
حدث ذلك النكوص إلى الماضي، في غياب النموذج المعاصر لدولة القانون والعدل، ذلك النموذج الذي وُجد في سورية، في فترتَي حكم رئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي، بين عامي 1943 و1949، ثم بين عامي 1955 و1958، لكنه لم يُعمّر طويلًا كي يُؤسس لمجتمع ديمقراطي، يعيش حياة حرة تعتمد المؤسسات الشرعية المُنتخَبة، وينتفي فيه فساد السلطة وقمعها، ويكون قادرًا على التأثير في محيطه العربي بحيث يشكل قدوة لشعوبه، وهو لم يتكرّر بعد أن فرضت السلطة العسكرية هيمنتها على الحكم، في دولة الوحدة بين سورية ومصر، وفي بقية الجمهوريات العربية، واحتمت بنظام أمني مارس الظلم والقمع والفساد؛ ما استنهض من جديد النزعة إلى التماهي مع الماضي التليد المتمثل في الخلافة، وحين اندلعت ثورات الربيع العربي، بفضل الشباب المُتنوّر؛ قفز على أكتافهم دعاة الخلافة، وحوّلوا الهتاف من أجل الحرية إلى هتافات دينية، فحواها العودة إلى حكم الخلافة “الرشيد”.
وفيما كان الشباب المتنور يحاول التنسيق والتخطيط للمضي في الثورة إلى أهدافها في تحقيق دولة الديمقراطية والمعاصرة، أطلقت الأنظمة العسكرية عتاة المتطرفين الإسلاميين من سجونها، وتركتهم يحصلون على السلاح الذي واجهوا به الشباب الثائر، قبل أن يواجهوا الأنظمة؛ بحجة أن الطريق إلى قتال النظام يبدأ بالقضاء على دعاة الدولة المدنية، من الكفار المرتدّين عن الإسلام الصالح “لكل زمان ومكان”.
حدث ذلك في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، وأُسقطت أعلام الثورات الوطنية، وحلت محلها الأعلام الدينية التي كانت تُرفع أيام الخلفاء، واستغلت دول الجوار، ودول كبرى تتناقض مصالحها مع مصالح الشعوب الثائرة من أجل التغيير، ذلك التوجهَ السلفي، لتمنحه أسباب القوة على حساب أهل الثورة السلميين الذين بات عليهم مواجهة النظام القمعي من جهة، والدفاع عن وجودهم ضد المتطرفين السلفيين الذين داعبوا بشعاراتهم وأعلامهم عواطف العامة وأحلامهم في استعادة مجد الخلافة وتطبيق حدود الشرع “الحنيف”، من جهة ثانية. وحسب مراكز بحثية متخصصة، فإنهم لو لم يُحتضنوا من البيئة الثقافية الدينية الموروثة، لما استطاعوا المضي في حروبهم ضد الأنظمة، وضد شباب الثورة من مدنيين وعسكريين. كما أن النظام استغل الموروث الثقافي الديني عند طوائف مسلمة أخرى، لمقارعة فصائل المعارضة الإسلامية وحاضنيهم، ولقد تحوّلت الثورات -بفضل ذلك التجييش العقائدي السلفي- من زلزال كاد يعصف بالأنظمة الأمنية القمعية الفاسدة، إلى زلزال عصف بالشعوب الثائرة؛ فدمّر استقرارها وهدد مستقبلها.
نظرة إلى عدد التنظيمات والفصائل المقاتلة مع النظام السوري وضده، ومع بعضها أيضًا، تحت مسميات دينية إسلامية، تؤيد ما ذهب إليه المحللون السياسيون، من أن عامل الثقافة الأصولية في البيئة المسلمة، بكل أطيافها، كان الحاضن لها، وهو الذي زوّدها بالمقاتلين الأشداء على طريق الشهادة، في سبيل “أن تكون كلمة الله هي العليا”.
وهذه بعض أسماء الفصائل السورية المعارضة: “فيلق الرحمن، جيش الإسلام، شهداء لواء الإسلام، جيش التوحيد، جيش أنصار الإسلام، ألوية الفرقان، الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام”. وفي المقابل صعد نجم ما عُرف بـ “تنظيم الدولة الإسلامية في بلاد الشام والعراق” (داعش)، ويضم: “جيش داعش، جيش خالد بن الوليد، لواء شهداء اليرموك، حركة المثنى الإسلامية، جيش الجهاد، لواء الأقصى، جماعة أُحد”.
وعلى الجانب الآخر، ميليشيات تحت مسميات دينية إسلامية، تُحارب مع النظام ضد تلك الفصائل المعارضة، ومنها: “حزب الله” اللبناني، وهو من أكثر الفصائل قربًا من النظامين السوري والإيراني معًا، ويُعدّ الأفضل تسليحًا وتدريبًا، والقوة الأكثر رمزية، بعد الحرس الثوري الإيراني. “ألوية أبو الفضل العباس”: وهي حركة شيعية مسلحة في العراق، برزت خلال مشاركتها في الحرب الدائرة في سورية إلى جانب نظام بشار الأسد، بدعوى حماية المراقد المقدسة. “كتائب سيد الشهداء وذو الفقار”: بدأت في العراق، وانتقلت إلى سورية بالتوجيه نفسه.
فرقة “فاطميون” وفرقة “زينبيون”، قالت المعارضة الإيرانية إن طهران شكلت الفرقة الأولى من السجناء الأفغان الذين أُفرج عنهم شريطة القتال في سورية، وشكلت الثانية من باكستانيين شيعة قاطنين في إيران. فيلق “ولي الأمر”: وهو مُكلّف أساسًا بحماية المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي وقادة النظام الإيراني، لكنه أرسل عددًا من أفراده إلى سورية، وتحديدًا إلى حلب.
وفي المحصلة؛ تجاوز عدد الفرق والتشكيلات الإيرانية في سورية 12 على الأقل، تحت إشراف “الحرس الثوري”.
——–
عن موقع “جيرون”