الوطن

ما تحت خط الفقر وفوق خط القانون … الذئب والذبابة …! / سمير صادق

الافقار ثم مشكلة الغاز والمازوت , واشكالية البرد والجوع ليسوا حالة طارئة, انما حالة دائمة مزمنة , لايعرف السوري سوى حالة العذاب المستمرة , والتي سميت دائما حالة استثنائية ,فالفرج سيأتي غدا أو بعد غد , هكذا يعلن عادة تصريح عقائدي بعثي ناري من قبل موظف اسمه وزير أو اعلى من وزير , فخامة الوزير يلغي بشطبة قلم كل منغصات الحياة , لقد اكتشفت فخامته على أن الشعب السوري العظيم لايذل , ولكنه واقعيا يذل صبحا وظهرا ومساء , يأكل الذل ويشرب الذل وينام ويصحو في الذل , خاصة بعد انتصاره الميمون على ألكون في حرب كونية على أكثر من مئة دولة على أقل تقدير , فمن ينتصر في الحرب الكونية ويهزم أمريكا والناتو لاينهزم أمام رغيف الخبز ! .
بغض النظر عن الخطب العصماء , يمكن القول بأن الجوع المتزايد واقع حسابي, فعندما لاتتوفر للانسان امكانية تمويل طعامه وشرابه يصبح حتما جائع , سواء انتصر الشعب العظيم على الناتو أو لم ينتصر , الا أن أمر بعض السوريين آخر ودخلهم آخر, هناك فرق كبير بين راتب الموظف وبين دخله , راتبه لقاء عمله , الذي لايتجاوز نصف ساعة يوميا ( مقولة رئيس وزراء سابق ) , أما عمله الرئيسي أو مهنته الرئيسية , التي تحدد دخله , فهي ممارسة السرقة والفساد , الذي يوفر التخمة والتدفئة للبعض , حسب أحكام المنطق الريعي يمكن القول بأن اثراء وتخمة شخص عن طريق السرقة وغنائم الحرب مثل التعفيش , هو ترجمة لافقار وجوع ألف شخص, لابل عشرات الألوف من الأشخاص .
من يدرس موضوع الدخل الرسمي في سوريا, ويقارن ذلك مع الضروري جدا من المصاريف, يصل الى النتيجة التي تؤكد استحالة الحياة اقتصاديا في سوريا , ناهيكم عن استحالة الحياة سياسيا وأمنيا واجتماعيا في مجتمع تحول الى ذباب وذئاب , ملايين البشر جياع , وكان لهم أن يشبعوا لولا سرقة المساعدات التي ترسل اليهم من الغرب , ولولا سرقة المال العام عن طريق الفساد , الذي لاشبيه له خارج الدول العربية .
لايمكن الشك بوجود الجوع والبرد القارس وعواقبهم , عندما نرى الجائع البردان في جوارنا وفي بيتنا وبيننا ,انها كارثة تأكل الانسان السوري حيا , تحرقه حيا في قفص كبير , تدفنه حيا , لذلك تحولت البلاد الى مدفن كبير, الى مقبرة بحجم الوطن , الفقر كفر ,والأرقام تؤكد ذلك!!!!, ميزانية الدولة أقل من 9 مليارات دولار , بينما ميزانية 150 شخص 275 مليار دولار , انهم دولة بدون واجبات سوى واجب السرقة , دخل الانسان السوري أقل من دخل اي انسان في العالم .
ينقسم الشعب السوري الى قسم تحت خط الفقر , وقسم تحت خط الفقر الشديد وقسم تحت خط الفقر المدقع ,والقلة القليلة التي تجلس فوق خط الفقر هي الفئة التي تتواجد فوق خط القانون ,الأسود وأقربائهم وأنسبائهم وزبوناتهم ومأجوريهم وشبيحتهم ومرتزقتهم ..الخ ,هؤلاء لايزالون يمارسون النهب والسرقة ,من يريد في جمهورية الخوف ان يكون فوق خط الفقر عليه أن يكون فوق خط القانون !.
لواقع الحياة بديهياته , عندما لايكفي الدخل الشهري لتغطية مصاريف اليوم الأول من الشهر , لذلك من البديهي ان يجوع الانسان , والجائع سيتحول بديهيا الى لص , أي بالنهاية جائع ولص ومجرم اضافة الى ذلك , لايمثل تحول الانسان السوري الى لص أو مجرم تطورا نهضويا حضاريا يؤمن للبلاد المستقبل الجيد الرغيد ؟, فراغ المعدة اقل كارثية من الفراغ الأخلاقي , الجائع سيسرق وسيتجوف اخلاقيا ,وهذا ليس ذنبه .
حصر “النعيم السوري ”بنعيم ” المعدة هو أمر انحطاطي حيواني , فمن يختزل وظائف الحياة بوظائف المعدة والشرج وحتى الفرج انما هو ذاك الذي يكتفي بالمجتمع كقطيع للعلف والتناسل, الجوع الذي ينتهي بالموت يأخذ مشكلته معه , والمشكلة الكبرى ليست بالأموات , انما في تحول كامل المجتمع الى حيوانات لاتحلم بأكثر وأرقى من متطلبات الشرج والفرج , لقد تمكنت الأسدية بنجاح من ازالة “ورم” الأنسنة عن المخلوق السوري الذي تحول الى ذئب أو ذبابة في أحسن الأحوال.
ترافق اختفاء الموت الطبيعي نسبيا مع ظاهرة التجاهل الاجتماعي له , الانسان السوري لايموت انما يقتل بالجوع او بالرصاص او بالمرض , التجاهل الجماعي يترجم خاصة فقدان “التمرد ” الاجتماعي , وينفي أصلا وجود مجتمع , الشعب مكون من أفراد يهتمون بمصائرهم الفردية فقط, اما المجتمع فهو تضامني تكافلي مرتكس ككل ,تصورا فقرا وجوعا ومرضا من هذا النوع في دول المجتمعات الأوروبية! عندها سيكون مصير الحكام على المزابل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى