قانون سكسونيا / أنور يونان
1 –
في مطلع “سنوات الانفتاح” التي أعلنها بشار الأسد، وفي الحفل الذي أقامته غرفة تجارة دمشق على شرفه، صرح الأمير رودريغز، أمير ولاية سكسونيا الألمانية، أن زيارته لسوريا، على رأس وفد اقتصادي وإداري ألماني/سويسري، تهدف لـ” دراسة حاجة سوريا من المشروعات الاستراتيجية المهمة لنقلها للشركات الالمانية بهدف دراستها وتقديم الاقتراحات المناسبة، واذا كان الوضع ملائماً فهناك احتمال كبير لدخول الشركات الالمانية في سوق الاستثمار السوري”.
أحد الخبثاء من الحضور همس لجاره غامزا: هو لم يعرف، بعد، أن قانون سكسونيا الذي وضعه أحد جدوده في القرون الوسطى، هو سيد هذا المكان في هذا الزمان.
2 –
“قانون سكسونيا” يعاقب المجرم بقطع رقبته إن كان من طبقة “الرعاع”.
(الرعاع، في شريعة جد الأمير رودريغز، هم عموم أفراد الشعب الذين لا ينتمون إلى طبقة النبلاء)
أما إن كان المجرم من طبقة النبلاء فعقابه هو ” قطع رقبة ظلّه” !..
(يؤتى بالنبيل “المجرم”، حين يستطيل الظل بعيد شروق الشمس أو قبيل مغربها، فيقف شامخا منتصب القامة، مبتسما.. ساخرا من الجلاد الذي يهوي بالفأس على رقبة ظله، ومن جمهور “الرعاع” الذي يصفق فرحا بتنفيذ “العدالة”!.)
3 –
في يومنا هذا تحولت “طبقة النبلاء” إلى دول صناعية متطورة، واتسعت “طبقة الرعاع” فصارت بلادا وشعوبا متخلفة مغلوبة على أمرها. وتفتقت أذهان الحقوقيين من “النبلاء” المعاصرين عن مجالات جديدة واسعة لـ”تحديث” وتطبيق قانون سكسونيا.
في العراق يغض “النبلاء” النظر، عشرين عاما، عن جرائم صدام حسين وقتله وتشريده لمليوني عراقية وعراقي. وحين يخرج عن طوعهم، يفرض قانون سكسونيا الحصار والتجويع على الشعب العراقي بأكمله!
وفي فلسطين تخرج المأساة/الملهاة عن كل إطار للوصف.. هناك “يخيّرك” قانون سكسونيا بين أمرين؛ أن تهدم منزلك بنفسك أو يهدمه لك “النبلاء” حماة هذا القانون!
أما في سوريا؛ فحدث ولا حرج !.. يعاقب الشعب بالقتل والسجن والتشريد عن الجرائم التي قام بها النظام طيلة خمسين عاما، ويهوي سيف مجلس الأمن على “ظل” رقبة الجالس سعيدا على عرش من الجماجم.
4 –
من، برأيكم، كاتب السطور الأولى في قانون سكسونيا؟
هل هو، حقا، جد هذا الأمير الباحث في البلاد البعيدة عن اليد العاملة الرخيصة، ليعيد مجد أجداده في صناعة الخزف التي نقلوها عن الصين في القرون الوسطى؟
أم هو رب موسى الذي “عاقب” أهل مصر أجمعين بجريرة فرعون، فأنزل بهم عقابا من خلال سيناريو لا يخطر ببال أشد الشياطين خبثا وعتوا؛ سبع سنوات عجاف أتت على الأخضر واليابس من شواطئ البحر الأحمر إلى الصحراء الافريقية، ومن دلتا النيل إلى منابعه في أقاصي النوبة، فيما أبقى على فرعون ليستمتع على المشهد ؟
أم هو “رب ابراهيم” الذي ميز بين اسحق وأمه “الحرة” سارة، من جهة، وبين اسماعيل وأمه “الأمة” هاجر، من جهة أخرى. فمنح الأول وأبناءه “أرض الميعاد”، وشرد الثاني وأمه في صحراء سيناء ؟.
أم هو “رب آدم” الذي، بسبب حبه الشديد لرؤية دم الضحية ولرائحة اللحم المشوي، فضل الخروف المسمّن، الذي قدمه له الراعي هابيل، عن سلة الخضار والفواكه التي تقدم بها الفلاح قابيل؟
أم هي عقولنا التي تسطحت تحت حذاء القمع الذي مارسه الاستبداد الديني والسياسي منذ قرون!؟…
5 –
.. وكما في ولاية سكسونيا القرن الخامس عشر، كذلك في بلاد العرب القرن الواحد والعشرون.
هناك “نبلاء”، وهناك “رعاع” !
وهناك قانون سكسونيا الذي “تطور” ليصبح على قياس كل “نبيل” في تلك البلاد ، حسب قربه أو بعده من المافيات الحاكمة، في دولة لا تختلف شرائعها كثيرا عن شرائع مزرعة نبيل سكسوني في القرون الوسطى.
واسألوا في ذلك الأمير رودريغز الذي خرج يومها من دمشق .. ولم يعد!
—————–
بتصرف؛ عن مقال نشره الكاتب قبل 12 عاما في موقع “الحوار المتمدن”.