من سيرة الانشقاق وخيبة الأمل / عروة خليفة
تمرّ في هذه الأيام الذكرى العاشرة لأولى حالات انشقاق الضباط عن الجيش السوري في سياق الثورة السورية، والتي كانت حدثاً مركزياً في تلك الأيام. لم تكن تلك الحالات الأولى من نوعها في عهد آل الأسد، إذ برزت قصص مماثلة – وإن بوتيرة أقل بكثير – خلال حكم حافظ الأسد، بالتحديد بعد صدامه المسلح مع الطليعة المقاتلة وانسحابه من المواجهة مع إسرائيل خلال غزو لبنان بداية الثمانينات.
كانت وحدات من الجيش السوري قد أتمّت مهمتها بتدمير أحياء كاملة من مدينة حماة السورية، قبل أن تنسحب وحدات أخرى من المواجهة مع إسرائيل إثر خسائر كارثية في لبنان صيف العام نفسه. في الحادي عشر من حزيران (يونيو) عام 1982، وقّعت القوات السورية في لبنان هدنة مع القوات الإسرائيلية الغازية، ما جعل القوات المشتركة للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية تواجه لوحدها القوات الإسرائيلية التي أصبحت على مشارف بيروت.
على الرغم من توقيع الهدنة من قبل الجيش السوري، رفض عدد من العناصر والضباط أوامر الانسحاب، كما شاركت كتيبتان سوريتان بشكل كامل في الدفاع عن بيروت خلال الغزو. كان رفض الانسحاب يعني عملياً العصيان، أو ما يمكن اعتباره انشقاقاً عن الجيش السوري الذي يحكمه حافظ الأسد بقبضة من حديد. لم تكن نتائج هذا الفعل تعني سوى الحكم بالإعدام. هكذا كان على سامي (اسم مستعار) أن يقضي حياته بعد انتهاء حرب 1982 بعيداً عن سوريا وأهله نتيجة رفضه الانسحاب ومتابعته القتال مع الفلسطينيين. وبتهمة الاستيلاء على سلاح خاص بالجيش (عربة مدرعة) والهروب من الخدمة والخيانة، حُكِم على سامي غيابياً بالإعدام خلال فترة كانت فيها أحكام الإعدام تُوزَّع بالجملة في المحاكم العسكرية والميدانية والاستثنائية التي أقامها حافظ الأسد للمعترضين على استبداد نظامه.
وعلى الرغم من الصدامات الداخلية والمشاكل المحيطة في تلك الحقبة، لم يحدث أن أصبحت عملية الانشقاق في الجيش السوري أمراً شائعاً، خاصةً بعد انتصار حافظ الأسد الساحق على كل معارضيه قبيل ما كان يسمى «تجديد البيعة» عام 1985. أصبحت قصص الانشقاق تُخفى تماماً، يتحدث عنها أهالي المنشقين بالغمز والإشارات أمام أولادهم الصغار، وتُغلق أبواب الغرف عند وصول خبر ما عن وضع ابنهم المنشق خارج البلاد.
بعد أقل من ثلاثين عاماً على انشقاق سامي، يعود هيثم (اسم مستعار) إلى بيته في إجازة من الخدمة الإلزامية في الجيش، ناقلاً ما زُرع بين العناصر والضباط عن المؤامرة المحيطة بسوريا كرواية رسمية للأحداث التي تفجّرت مع انطلاق مظاهرات الثورة السورية في ربيع 2011.
على الفور تظهر حقيقة ما يجري لهيثم، يشارك بنفسه في مظاهرة يتم إطلاق الرصاص عليها في محيط مدينة دمشق، ويقرر ببساطة أنّه سيختار الطريق ذاته الذي اختاره عمّه سامي: الانشقاق.
في صيف العام نفسه، بعد أسابيع من انشقاق هيثم، بدأت قوات النظام بعملية اقتحام مخيم الرمل الجنوبي في مدينة اللاذقية، بهدف القضاء على الحراك المدني والتظاهرات التي كانت تنطلق بشكل مستمر من ذلك الحي الفقير المطل على شاطئ البحر المتوسط. خلال الاقتحام، كان على العقيد في القوات البحرية مالك الكردي التجهيز لكل الاحتمالات، فدخول قوات النظام إلى الرمل الجنوبي واعتقال أي من قيادات الحراك قد يكشف هويته. فقد كان الكردي يقدم المعلومات للنشطاء في الحي منذ انطلاق التظاهرات، ويمرر التحركات الأمنية والعسكرية المرتبطة بالحي من أجل تجنب الصدام مع قوات تطلق النار مباشرةً على المدنيين العزل في التظاهرات…..
اقرأ/ي التفاصيل في مصدر المقال على الرابط أدناه: