حافظ الأسد سألهم: من أين لك هذا؟../ لؤي حسين
لا أتحدث عن السلطة السابقة التي كان يقودها الرئيس حافظ الأسد إلا بما أراه ذو علاقة بنيوية مع السلطة الحالية وممارساتها.
في عام ١٩٧٧ أعلن الرئيس السابق حافظ الأسد عن تشكيل لجنة للتحقيق في جرائم الرشوة والكسب غير المشروع والاختلاس واستغلال المناصب، وكان اسمها بين العموم لجنة “من أين لك هذا”، أي لا تحتاج اللجنة على إثبات الاختلاس مثلاً بل تطلب من كل مسؤول أن يجيبها من أين أتى بثروته.
أنا لا أذكر أنها استجوبت أي مسؤول رفيع المستوى أو أقل رفعة أو أقلين رفعة أو أقل من ذلك قليلاً.
كانت اللجنة موجودة في الوقت الذي يرى السوريون ملكيات ضخمة تقام في البلاد للمسؤولين الكبار مثل عبد الحليم خدام ورفعت الأسد ومصطفى طلاس ومحمد مخلوف وغيرهم الكثير من دون أن نعرف “من أين لهم هذا”، فجميع هؤلاء حين اشتغلوا في مؤسسات الدولة ما كانوا يملكون شيئاً، وبعد عشر سنوات أصبح مجموع ما يملكونه أكبر من الخزينة العامة، وبعد عشرين سنة أخرى صار مجموع ما يملكونه هم وأولادهم يبلغ أضعاف مضاعفة عن موجودات الخزينة العامة.
كانت الخزينة العامة وما زالت بمثابة “بيت مال المسلمين” يمكن للخليفة أن يغرف منها ما يشاء وينفقها كيفما يشاء. وطبعا لم أسمع من المعارضة التي تدعي أنها تريد لنا مستقبلاً مختلفاً أنها قالت في أي مرة أنها ستحوّل بيت المسلمين هذا إلى خزينة عامة لا يكون في مقدور رئيس الجمهورية أن يتصرف فيها إلا بحدود مبلغ يحدده له مجلس النواب.
عندما غاد رفعت الأسد البلاد بعد خلاف مع أخيه حافظ، يعلم جميع السوريين أنه ظهر في أوروبا يمتلك ثروة خرافية. وربما يعرف البعض أن هذه الثروة كانت ثمن تركه مناصبه العسكرية والسياسية والذهاب خارج البلاد. وأن هذا المال الذي تقاضاه ثمناً لابتعاده عن السلطة وتركها لابن أخيه البكر باسل أخذه الرئيس السابق حافظ الأسد من الخزينة العامة، أي من أموال السوريين التي جمعوها بأموال ضرائبهم وبثروات بلادهم.
صحيح أن الرئيس السابق حافظ الأسد لم يأخذ المال له بشكل شخصي، ولكنه أنفق مالاً ليس ماله الشخصي لشراء وراثة السلطة لابنه باسل.
ما أريد قوله هنا أن أرومة الفساد في القصر الرئاسي وليست عند موظف التموين أو شرطي المرور أو في مثل هذه الأماكن. هي تحديداً الصلاحيات المطلقة التي يستولي عليها بشار الأسد بصفته رئيساً للجمهورية. فمن بين هذه الصلاحيات صلاحية الغَرْف من المال العام وإنفاقه على ما يشاء، مثل إنفاقه على الميليشيات العسكرية وغيرها من حاجاته كزعيم ميليشيا.
لا بد لأي موالي حريص على تصويب الخلل القائم في البلاد، وحريص على مواجهة الفساد، أن يكون في مقدمة مطالبه تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية بغض النظر عن مَن يكون هذا الرئيس.
ولا بد لأي معارض قبل كلامه عن رحيل الأسد أن يقول أنه يريد رئيساً للجمهورية أو رئيساً لمجلس الوزراء (البعض يريد نظاماً برلمانياً بديلاً للنظام الرئاسي) صلاحياته محددة بقوانين صريحة، وأنه سلوكه المالي معرّض للمراقبة والمساءلة.
لا تبنى الدول باسم رؤسائها أو طائفتهم بل بقوانين واضحة تحدد الصلاحيات بدقة متناهية وتصنع آلية واضحة لمراقبة تجاوز الصلاحيات من قبل السلطات.