حوارات وآراء

هل أنتجت الثورة المثقف الفاعل؟ / رحاب منى شاكر

يجيب المخرج المسرحي والكاتب الدرامي غسان جباعي عن السؤال :
س: تتحدث في كتابك الثقافة والاستبداد عن ثلاثة أنواع من المثقفين، حسب موقفهم من الاستبداد والمجتمع. لدينا المثقف النخبوي المثالي، والمثقف الانتهازي، والمثقف الحقيقي القادر أن يكون فاعلاً في التغيير ومساهماً في خلق الهوية الثقافية للمجتمع وتطويرها. كيف ترى المشهد الثقافي السوري العام المناهض للنظام؟ هل تعتقد أن الثورة أنتجت ذلك النوع من المثقف/ة الحقيقي/ة القادر/ة على إعلاء صوت الضمير الحي والقيم الإنسانية، السامية على المصالح الآنية والصراعات البينية والعنصرية والذكورية؟ وإذا كان جوابك سلبياً، أين يكمن التقصير برأيك؟
ج :
انتشرت في العقد الأخير كثير من مراكز البحوث والمجلات المحكمة ودور النشر والصحف الرصينة والمجتمعات المدنية، وبدأ السؤال النقدي يفرض وجوده على عقولنا، ويطالبنا بإعادة النظر ومراجعة مواقفنا ومفاهيمنا السابقة. وقد لعب المهجَّرون دوراً لافتاً في ذلك. وهذا كله جيد، لكن الفجوة بين الثقافة وأهلنا، ما زالت كبيرة للأسف. لقد تركت قرون طويلة من الاستبداد والاستعمار والتخلف والأمية ندوباً عميقة في نفوسنا وعقولنا، وهو ما تجذَّر أكثر في ظل حكم العسكر والنظام الشمولي الذي استعمر بلدنا – عملياً – منذ الإنقلاب العسكري الأول، فكرّس أجيالاً من الخائفين والخانعين والمراوغين والثقافة الزائفة.
نحن بحاجة ماسة اليوم لثورة ثقافية ديمقراطية شاملة، تواكب ثورتنا السياسية، وتمشي أمامها، وليس خلفها أو إلى جوارها. بحاجة لمثقفين حقيقيين منتجين للفكر والمعرفة، ليس في مجال الإبداع الفني والأدبي وصناعة الكتب فحسب، بل في مجالات الحياة كلها، وبخاصة الفكرية والنقدية والبحثية. فالنخبة السورية – للأسف – ما زالت تشبه النظام القديم وتحمل جيناتِه، وقد تمكن نظام البعث إلى حد كبير من خلط الأنواع الثلاثة التي ذكرتُها في كتابي، ولم يُبقِ إلا على نوع واحد هو المثقف الانتهازي، أو في أفضل الحالات المثقف الدبلوماسي الذي يعرف كيف ومن أين تؤكل الكتف! ولم يَسلم من هذا الاختلاط غير عدد قليل يحاول جاهداً إعادة الروح للثقافة السورية العميقة وهويتها الوطنية. وعلينا بدورنا ألا نخلط الثقافة بالسياسة، أو الأيديولوجيا بالإبداع، على الرغم من الوشائج التي تربط بينها
كذلك نحن بحاجة ماسّة لبناء مؤسسات تُنظّم وتُوجّه العمل الثقافي، وتُدرّبنا على بناء المؤسسات المنشودة. ويجب أن يبدأ ذلك في أي مكان يتواجد فيه السوريون، وبخاصة في المهجر. عدم قيام هذه المؤسسات سوف يلعب دوراً سلبياً جداً في إثبات الذات، وبَعثرة الجهود، ويحرم السوريين من الإعلان عن أنفسهم وتنظيم عملهم، والدفاع عن إنجازاتهم وإشهارها، كما يحرمهم من الفعالية والتخطيط والتطور.
نحن بانتظار ثقافة حقيقية أصيلة، ومثقفين عضويين يولدون من رحم المأساة السورية، وعندما نقول ثقافة حقيقية، فهذا يعني أنها تأسيسية، ومنفتحة على ثقافات العالم، غير حزبية أو فئوية أو طائفية أو قومية أو دينية أو ذاتية، إنما ثقافة وطنية ديمقراطية شاملة، تتناول هموم حياتنا كلها، وتدافع عن القيم العليا للسوريين أولاً، والبشرية جمعاء.
——-
من حوار طويل مع عسان الجباعي نشر في موقع الجكهورية على الرابط أدناه

المصدر
موقع الجمهورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى