حوارات وآراء

درعا… والعودة إلى المربع الأول / ليلى موسى

ما شهدته درعا السورية من أحداث ومستجدات، بالتزامن مع التطورات التي شهدتها تونس مهد انطلاقة شرارة ربيع الشعوب، وما قام به الرئيس التونسي قيس سعد من إجراءات بعزل الإخوان وتصحيح لمسار الثورة التي انتفض من أجلها الشعب التونسي نحو دولة المواطنة. هنا استبشرت شعوب المنطقة خيراً أن تعمّ رياح التغيير على كافة شعوب ودول المنطقة لما تحمله تونس من رمزية لانطلاقة الحراك الثوري السلمي.
رمزية درعا لم تكن أقل شأناً من تونس كون درعا كانت مهد الحراك الثوري في سوريا، والتي حافظت على سلميتها ونأت بنفسها ولم تنخرط مع الفصائل الراديكالية المتطرفة واستطاعت إلى حد ما إدارة مناطقها بسواعد وإرادة أبناءها وتحقيق نوعاً من الإدارة الذاتية.
التطورات والأحداث التي شهدتها درعا كانت بداية ومؤشراً للكثير من المراقبين والمتابعين لتطورات الأزمة السورية أن تبدأ في حلحلة الأزمة من مهد الحراك الثوري السلمي، وبشكل خاص بعد الخطاب الذي أدلى به الرئيس السوري بشار الأسد عقب إدلاء الحكومة الجديدة للقسم الدستوري. وذلك بضرورة أخذ التطورات الحاصلة بعين الاعتبار، ولا بد من التحول إلى اللامركزية لتخفيف العبء على المركز وإعطاء الأطراف فسحة للقيام بمسؤولياتها، محققة نوعاً من التكافؤ بين المركز والأطراف عبر التوجه نحو المزيد من اللامركزية.
ربما جاء هذا الخطاب مشكلاً صدمةً لدى الغالبية ممن يدركون طبيعة وعقلية ومنهجية التفكير لدى النظام والمعروفة بالإقصائية والتعنت والصلابة، والإصرار على مواقفه وسياساته الثابتة بعض الشيء. لكن بالرغم من ذلك، رأى الكثيرون من المراقبين والمتابعين والسياسيين بأنها خطوة إيجابية، ولو أن الخطاب جاء متأخراً ويمكن اعتباره أرضية جيدة لبناء الكثير عليه.
وبالتزامن مع ما شهدته كلٍ من تونس ودرعا من تطورات ومستجدات على نحو منحيين مختلفين، الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتسليمها لحركة الطالبان، تلك الحركة التي أرهبت البشرية بجرائمها وتطرفها لعقود من الزمن، وأعادت الشعب الأفغاني مجدداً إلى المربع الأول قبل عشرون عاماً عندما كانت تحت سيطرة الطالبان.
مهما أبدت الحركة من مرونة في خطابها سواء بالسماح للمرأة بممارسة حقوقها والاستعداد للانفتاح التجاري والاقتصادي مع دول العالم، لكن هكذا حركات لم ولن تكن سبباً لجلب الاستقرار والأمن للمنطقة حتى يمكن التعويل عليها، ما دامت تتغذى على الفكر السلفي واستمرار وتواجد هذه الحركة على سدة الحكم إنما هو لتدوير الأزمة الأفغانية وأن قامت بتغيير بعضاً من الوسائل والتكتيكات لتطبيق استراتيجياتها المبنية على اللون الواحد وهي ما تخالف طبيعة المجتمعات القائمة على التنوع والغنى.
والشعب الأفغاني من الصعب أن يخضع للحركة ويقبل العيش وفق ايديولوجية تعيدهم بالزمن إلى الوراء، وبشكل خاص النساء الأفغانيات وما نشاهده من حركات احتجاجية نسوية مناهضة لسيطرة الحركة في ظل تخاذل دولي خير دليل على ذلك.
بكل بد هكذا حركات التي فقدت كل وسائلها الناعمة، وسلجها التاريخي الأسود والمليء بالجرائم والانتهاكات من الصعب وإن لم نقل من المستحيل أن تستعيد ثقة الشعوب بها مجدداً، وهي بالأساس تتخذ من العنف استراتيجية لتطبيق سياساتها.
لذا ليس من المستغرب ان نشاهد ارتفاع وتيرة العنف في أفغانستان من قبل الحركة حيال معارضيها، والعودة بأفغانستان إلى ما كانت عليه أيام سيطرة طالبان في تسعينيات القرن المنصرم وبوسائل أكثر تطوراً لما تمتلكه من معدات ووسائل عسكرية متطورة من تركات الأمريكان.
وما شاهدناه من اتفاقيات بين أبناء درعا والنظام السوري بضمانة ورعاية روسية لم يكن أحسن حال عما حصل في أفغانستان، وبالعودة إلى المربع الأول أي درعا ما قبل 2011م، في محاولة وسياسة ممنهجة بقطع الطريق أمام أي تغيير وتطور يحدث تقدماً ملموساً لحلحلة الأزمة، وتحقق مشاركة حقيقية لقيادة سوريا المستقبل بمشاركة كافة شرائح المجتمع السوري. ولو أننا أمام مشهدين مختلفين الأول حركة إسلاموية سلفية متطرفة وبتوافق أمريكي وتخاذل دولي، والثاني نظام مركزي قوموي مستبد بدعم ومساندة روسي.
هذين النوعين من الأنظمة كانتا سبباً في تفجيرات أزمات بنوية داخل المجتمع السوري والأفغاني، واستمرار هذين النظامين يعني استمرارية التناقضات وتجذير الأزمات وتعميقها، ولن يكون هناك حلحلة للأزمات التي تعصف بالبلدين ما لم تجرِ تغييرات جدية في بنية ومنهجية هذين النظامين اللذين أثبتا فشلهما على مرّ عقود من الزمن على إدارة البلدان وكانا سبباً في دمار وتخلف المجتمعات التي حكمتهما.
لذا الأزمة ستسمر في سوريا وأفغانستان بأشكال وأساليب مختلفة ولكن النتيجة واحدة، مجتمعات هشة مليئة بالتناقضات قابلة للتفجير في أي لحظة.
وكما يمكننا استخلاص دورس وعبر من التجربتين بأن رياح التغيير والتقدم لا تأتي من الخارج ومن الخطأ الجسيم التعويل عليه، إنما من الداخل بإرادة وعزيمة أبناء الوطن الذين يمتلكون مشروعاً وطنياً حقيقاً مبنياً على قراءة موضوعية صحيحة لما يعيشه المجتمع على كافة الصعد السياسية والعسكرية والمجتمعية. والتاريخ مليء بنماذج من الشعوب والمجتمعات التي استطاعت عبر التاريخ تحقيق تقدماً ملحوظاً في هذا المضمار وتحولت إلى نماذج يحتذى بها.
ويمكننا أيضا الاستشهاد بالتجربة المعاشة والتي ولدت من رحم ربيع الشعوب وهي تجربة الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا، هذه التجربة الفريدة التي تميزت بها مناطق الشمال والشرق السوري على خلاف المناطق السورية الأخرى، والتي استطاعت خلال فترة وجيرة تحقيق تقدماً وتطورات ملحوظة محققة الأمن والاستقرار النسبي والحفاظ على السلم والأمن المجتمعي والعيش المشترك بين مختلف مكونات المجتمع السوري، ولعب أبناءها الدور الريادي على مستوى العالم بدحر أعتى تنظيم إرهابي.
لذا، ما تم من بنود تسوية بحق أهالي درعا بالرغم من مطالباتهم بحقوق محقة وطبيعية وليست ببعيد عن الخطاب الأخير للرئيس السوري بشار الأسد بإدارة مناطقهم، إلا أنها جوبهت بالرفض والعنف والقصف، وكان للروسي الوسيط والضامن دور في إخضاع وإجبار الأهالي على قبول بنود الاتفاق التي وضعتها الحكومة السورية وبمباركة روسية. وربما سنشاهد في الفترة المقبلة هدوء بعض الشيء ولكن هي بمثابة تخدير وسينتهي مفعوله كونه لم يجلب الحل ولم يلبِ تطلعات الشعب واحتياجاته وبالتالي هي استمرارية للتناقضات الموجودة وتفاقمها.

المصدر
مركز الدراسات والأبحاث

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى