الوطن

مياه الشرب والصرف الصحي “أولويات غير قابلة للتأجيل” في سوريا / قاسم البصري

(هذا المقال هو أول ثلاث مواد بحثية عن مياه السوريين، تُنشر تباعاً خلال الشهور الثلاثة المقبلة.)

تتوالى الأخبار عن تسمم عشرات أو مئات السوريين بمياه الشرب في مختلف أرجاء البلاد، وبصرف النظر عن مصادر المياه فيها. كما عادت أمراض جرثومية وجلدية للانتشار على نحو واسع ومطرد نتيجة تلوث المياه بفعل تداخلها مع شبكات الصرف الصحي، والانهيار الكامل أو الجزئي لمنظومات الإمداد بالمياه النظيفة ومعالجة مياه الصرف الصحي والتخلص من المياه العادمة بشكل آمن. كما أسفرت العمليات العسكرية التي شهدتها البلاد طيلة الأعوام العشرة الماضية عن ضرر بالغ لحق بمعظم البنى التحتية في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري، وزادت عمليات النزوح نحو المدن الناجية من آلة الحرب من الضغط على بنى تحتية متهالكة، في حين اكتظت مساحات من الشمال السوري بمخيمات عشوائية غير مُخدّمة بأي نوع من خدمات المياه والإصحاح. غير أن جذور التلوث، والقصور في إدارة وتشغيل وتمويل مشاريع المياه والصرف الصحي، تعود في جانب كبير منها إلى مرحلة ما قبل الثورة، وهو ما تسعى السطور التالية إلى مراجعته، مع ربطه بواقع المياه والصرف الصحي في عموم سوريا خلال الوقت الراهن.
لا بد من الإشارة إلى أن تلوث المياه بات سمة عامة حول العالم، وأن غالبية البلدان الفقيرة وتلك التي تعيش حروباً وكوارث تفتقر إلى شبكات الصرف الصحي، لكن ذلك لا يلغي حقيقة أن الوضع الراهن في سوريا بالغ القتامة.

نسب التغطية بمياه الشرب والصرف الصحي
تحسنت نسبة التغطية بخدمات مياه الشرب في سوريا عام 2011، لتصل إلى حوالي 95 بالمئة في عموم البلاد، مع اختلافات طفيفة بين المحافظات، واختلاف كبير بتواتر تزويد المنازل بالمياه، بوسطي عام بلغ 6 ساعات ضخ يومياً. ولكن نسبة التغطية لا تعني أن تكون هذه المياه صالحة للشرب تماماً بموجب المواصفات القياسية السورية المعدلة لعام 2007، التي تحدد نوعية مياه الشرب ومواصفاتها والاختبارات الواجب إجراؤها، فهي لم تكن محمية بالكامل من التلوث الناتج عن مخلفات الصرف الصحي1 أو المواد الكيميائية المستخدمة في الزراعة أو الناتجة عن الصناعة.
ولم تقتصر آثار التلوث على المياه المعدة للشرب، وإنما أيضاً على زيادة مستوى الأملاح الذائبة في مصادر المياه، ما يعني تضرر أشكال الحياة البرية النباتية والحيوانية وتخريب الموائل والنظم البيئية. كما عانت سوريا من فاقد في مياه الشرب وصل معدله الوسطي في العام 2011 إلى 35 بالمئة في عموم البلاد، بينما سجلت دمشق أعلى النسب بفاقد يصل إلى 50 بالمئة. ولم تعرف البلاد قانوناً شاملآ للمياه حتى عام 2005، عندما تم اعتماد القانون رقم 31، الذي ينظم إدارة الطلب على المياه على المستوى الوطني.
وأما نسب التغطية بخدمات شبكات الصرف الصحي2 في نفس العام (2011)، فتباينت من محافظة إلى أخرى، إذ بلغت في محافظة دمشق 77 بالمئة، و79 بالمئة في حلب، و80 بالمئة في حماة. وعلى المستوى الوطني، بلغت نسبة المستفيدين من شبكات الصرف الصحي في مراكز المحافظات حوالي 94 بالمئة، بينما تنخفض النسبة في الأرياف إلى حوالي 62 بالمئة. وقد بلغ عدد محطات معالجة الصرف الصحي المنفذة والمستثمرة حتى ذلك العام 26 محطة،3 بينما كانت كان لدى سوريا خطة لبناء 345 محطة لمياه الصرف الصحي، بتكلفة إجمالية تبلغ حوالي 165 مليون دولار، ولكنها توقفت بعد اندلاع الثورة.
انخفضت هذه النسب بشكل كبير بعد العام 2011، نتيجة الضرر الهائل الذي لحق بالبنى التحتية ومنابع المياه، فضلاً عن تغيّر خارطة التوزع السكاني، وارتفاع الكثافة السكانية في مناطق غير مخدّمة أساساً بشبكات مياه وصرف صحي كافية. ويذكر بيان صادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في سوريا عام 2016 أن حوالي 15 مليون سوري في مختلف أنحاء البلاد يحتاجون المساعدة للحصول على المياه، كما تنفق الأسر 25 بالمئة من دخلها لتلبية احتياجاتها اليومية من المياه. وترافق ذلك مع اعتماد واسع على المياه المنقولة بالصهاريج، لا سيما في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، والقادمة من مصادر لا تخضع بالضرورة للمراقبة من قبل المؤسسات المعنية، ولا تمر بعمليات التعقيم والفلترة المطلوبة لتحسين نوعيتها.

صرامة تشريعية وفوضى تشغيلية
تشير دراسة أعدتها الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا) عام 2008 لصالح وزارة التعمير والإسكان (وزارة الأشغال العامة والإسكان منذ العام 2016) إلى أن سوريا لا تفتقر إلى تشريعات تعطي أولوية قصوى لحماية المياه والبيئة، بل ما يعيب هذه التشريعات هو صرامتها الشديدة وعدم مراعاتها لاختلاف المشاكل البيئية بين منطقة وأخرى ربطاً بواقع التلوث، وأن الممارسة الفعلية لمضامينها ضعيفة جداً، وتكاد تنعدم أحياناً في ظل عدم امتلاك سوريا للأجهزة أو الكفاءة أو القدرة على التحقق من تطبيقها بسبب ارتفاع التكاليف والافتقار إلى موارد بشرية مؤهلة للتعامل معها.
وتعرّج الدراسة على الانقسام والتداخل في مسؤولية مراقبة وضبط نوعية المياه بين عدة مؤسسات تتبع لوزارات وكيانات مختلفة (وزارة الإدارة المحلية، وزارة الري، وزارة الإسكان والتعمير، وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي، مجلس حماية البيئة التابع لرئاسة مجلس الوزراء). غياب التنسيق بين هذه المؤسسات ظل يشكل خطراً على تحقيق إدارة ملائمة وفعالة لتلوث المياه، لا سيما أن نتائج الجانب الرقابي من عملها ستحتاج إلى تدخل من وزارة العدل لإيقاف أي مخالفة تؤدي إلى تلوث المياه والبيئة. لاحقاً، تغيرت اختصاصات وتسميات هذه الوزارات، ما يوضح عدم وجود تعريف دقيق لاختصاصها، وضعف الفصل بين مهامها المتداخلة والمحتاجة إلى قدر عال من التنسيق.
وكانت مؤسسات مياه الشرب وشركات الصرف الصحي تابعة لوزارة الإسكان والتعمير، ثم أُلحقت بوزارة الموارد المائية المُحدثة بموجب المرسوم التشريعي رقم 44 لعام 2012، والتي حلت محل وزارة الري سابقاً. أما في ما يخص الصرف الصحي، فقد كان يدار سابقاً من قبل البلديات التابعة لوزارة الإدارة المحلية، ثم انتقلت إدارته إلى مؤسسات المياه في وزارة الإسكان والتعمير، حيث تأسست شركة صرف صحي في كل محافظة تكون مستقلة مالياً وتتبع إدارياً لمؤسسة المياه في نفس المحافظة، لتلحق في العام 2012 بوزارة الموارد المائية، غير أن هذه الشركة لم تعمل في جميع المحافظات، بل ظلت مقتصرة حتى العام 2008 على خمسة فروع: في دمشق وريفها، وحلب، وحمص، وحماة، واللاذقية.

كما تتفاوت إمكانيات فروع شركة الصرف الصحي من حيث الكادر والمعدات والكفاءة تبعاً لتاريخ إنشائها، فبعضها كان ما يزال قيد الإنشاء في العام 2011، وفي هذه الحالة تؤدي مؤسسة المياه ومعها البلديات خدمات الصرف الصحي. والبعض الآخر من فروع شركة الصرف الصحي تمتلك كادراً وأدوات، وهي تدير محطات معالجة الصرف الصحي وخطوط الصرف الرئيسية في المحافظة، في حين تدير البلديات كل شبكات الصرف الصحي أو أجزاءً منها. الحالة الثالثة تمثّل شركات الصرف الصحي قديمة التأسيس، وهي تتولى موضوع إدارة قطاع الصرف الصحي كاملاً بالمحافظة.

وما تزال شركة الصرف الصحي إلى اليوم قليلة الفعالية الرقابية، فنجد، مثلاً، أن الغرامة المفروضة على أصحاب المنشآت الصناعية والسياحية في حال مخالفتهم للمواصفات القياسية السورية لمكونات مياه الصرف المصروفة إلى الشبكة العامة لا تزال 10 آلاف ليرة سورية فقط (أقل من أربعة دولارات بموجب أسعار الصرف الحالية)، مع منح مهلة 45 يوماً لتنفيذ وحدات المعالجة المطلوبة، و في حال عدم الاستجابة تتضاعف الغرامة المالية مع منح مهلة جديدة مدتها 30 يوماً، وأخيراً تطلب الشركة إلى الجهات المعنية إغلاق المنشأة المُخالفة في حال عدم تنفيذ المطلوب منها. على هذا الأساس، يمكن لمعمل مواد كيميائية، مثلاً، أن يتسبب بتلوث كبير على مدار 3 شهور قبل أن تُتخذ بحقه أي إجراءات جدية.

بعد العام 2011، صارت أولويات حكومة النظام منصبة على العمليات العسكرية، وأهملت القطاعات الخدمية تقريباً، وعلى رأسها المياه والصرف الصحي. كما اقتصرت جميع أشكال دعم هذين القطاعين من قبل المنظمات الأممية والدولية على الاستجابة الطارئة والأولية، وبالتالي لم يشمل دعمها سوى تمويل بعض الإصلاحات للشبكات القديمة، وتزويد سكان بعض المخيمات بالخزانات، وحفر بعض الحُفَر الفنية في مناطق محرومة تماماً من خدمات الصرف الصحي. غياب التمويل ونقص المعرفة والمهارة لدى موظفي التشغيل والصيانة في شركات الصرف الصحي جعل تدخلها مقتصراً على التعامل مع شكاوى الزبائن، وذلك في ظل غياب الصيانة المنهجية والوقائية، سواء قبل الثورة أو بعدها.
لا بد هنا من ملاحظة أن شركات الصرف الصحي تتبع إدارياً لمؤسسات المياه التي تشرف عليها وزارة الموارد المائية على عملها فيما يخص مياه الشرب والصرف الصحي، بينما مشاريع الصرف الصحي الكبيرة، كمحطات المعالجة، تُدرس وتُموّل وتُنفذ من قبل الإدارة المركزية المتمثلة بوزارة الأشغال العامة والإسكان أو بإشرافها.

إذن هناك عدة مؤسسات داخلة في مشاريع المياه ومياه الصرف الصحي، إن كان على مستوى الدراسات أو التنفيذ أو الإدارة، مع وجود نقص في التنسيق والتكامل، ما يؤدي إلى العديد من المشكلات والهدر والنقص في كفاءة شبكات مياه الصرف الصحي، والنقص في الأداء الأمثل والتشغيل للمشاريع القائمة لمعالجة مياه الصرف الصحي، والتأخر في تنفيذ مشاريع مياه الصرف الصحي، ما يؤثر سلباً على الجدوى الاقتصادية لهذه المشاريع بعد التشغيل. وينقص جميع المشاريع تقييم الأثر البيئي الناجم عنها، وكذلك تنقصها الدراسات والتصميمات بسبب نقص الخبرة الفنية في هذا المجال، ونقص العاملين المؤهلين في حقل شبكات مياه الصرف الصحي، فضلاً عن نقص وحدات ما قبل المعالجة في المنشآت الصحية والزراعية والصناعية، وهو ما ينعكس سلباً على أداء محطات معالجة الصرف الصحي.

مصادر تلوث المياه وتداخلها مع الصرف الصحي – حوض بردى والأعوج (دمشق وريفها)

تتسم مناطق حوض بردى والأعوج بتمركز عالٍ للسكان والنشاطات الصناعية ومحدودية الهطول المطري وارتفاع كميات المياه المستخدمة في الري، ويمكن تلخيص مصادر التلوث في المياه السطحية بالآتي:
← وجود الصرف الصناعي، حيث نوعية مياه الصرف تزيد عن الحدود المسموحة، لا سيما في منطقة الدباغات التي تسبب تلوث المياه بالكروم، والمنطقة الصناعية مختلفة أشكال التلويث. تتركز في هذه المنطقة 40 بالمئة من الصناعات السورية، بحوالي 16 ألف مصنع وفق أرقام العام 2008. وأدى تصريف المخلفات الصناعية من أطعمة وجلود وأنسجة وأسمنت إلى رمي الكربونات والكلوريدات والمعادن الثقيلة والأحماض والفينول ودهانات المعادن في نهر بردى.
يضاف إلى ذلك أن آلية تلوث المياه الجوفية، التي تعتمد عليها دمشق وريفها بشكل كامل تقريباً، ليست واضحة تماماً، ويمكن تلخيص مصادرها بالآتي:

← تسرب مياه نهر بردى الملوثة بالصرف المنزلي والتجاري والصناعي.
← تسرب مياه الري المأخوذة من المياه السطحية الملوثة بالصرف المنزلي والتجاري والصناعي، وتسرب مياه الري المأخوذة من محطة عدرا لمعالجة الصرف الصحي، ما أدى إلى زيادة تركيز النترات في المياه الجوفية.
← التسرب الناتج عن استخدام الأسمدة الزراعية.

أما مرافق الصرف الصحي القائمة، فتوجد في محيط العاصمة، قريباً من كتلة بشرية بلغت قبل انطلاق الثورة السورية 3 مليون نسمة، مع نمو سكاني هو الأعلى على مستوى البلاد. وكان يتم ضخ 33 بالمئة من الصرف الصحي المتولد عن محافظة دمشق إلى محطة المعالجة في عدرا عن طريق محطة ضخ اليرموك، بعد أن يضاف إليها الصرف الصحي المتولد عن محافظة ريف دمشق، ثم يتم صرف مخرجات المحطة ضمن أقنية إلى محافظة ريف دمشق. وبالرغم من أن نوعية مياه الصرف الصحي المُعالجة غير صالحة للري، إلا أن المزارعين يستخدمونها فعلياً لري الأشجار. وكان يجدر بهذه المياه أن تخضع إلى معالجة ثالثية قبل إعادة ضخها، وهو ما لا يحدث، كون تصميم وتنفيذ شبكة الصرف الصحي كان على عاتق الحكومة من جهة، وكل مجلس مدينة على حدة من الجهة الأخرى، وذلك نظراً إلى عدم وجود دراسة إقليمية موحدة، مما تسبب بالفوضى.

تبعاً لبيانات نوعية الموارد المائية لدى المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي بدمشق قبل انطلاق الثورة، تم الكشف عن تراكيز عالية من نترات النتروجين في المياه، تزيد عن 50 ميليغرام/ليتر، وذلك في 250 نقطة رصد من أصل 306 نقطة شملتها الاختبارات، علماً أن منظمة الصحة العالمية قد أعطت قيمة نترات النتروجين في مياه الشرب 50 ميليغرام/ليتر، وذلك لحماية الرضع من الأمراض المنقولة في المياه. ويزداد التلوث بالنترات في الجزء الشرقي من مدينة دمشق، ابتداءً من حوش بلاس إلى الكباس وزبدين والشيفونية نتيجة التلوث الصناعي، ويضاف إلى ذلك في الشيفونية التلوث الزراعي من الري بالمياه العادمة، فضلاً عن تناقص الجريان النهري، وبالتالي تناقص عملية التمديد.5
5. دراسة كيميائية ونظائرية لانتقال الملوثات عبر النطاق غير المشبع في واحة دمشق، صادرة عن هيئة الطاقة الذرية السورية، 2011.

حوض اليرموك
تتألف الأنهار في المنطقة الجنوبية الغربية من محافظة درعا من روافد نهر اليرموك وبعض السدود، حيث تتلاقى جميع هذه الأنهار في نهر اليرموك المنساب نحو الحدود السورية-الأردنية. وتُظهر نتائج نوعية المياه في سد الوحدة وروافد نهر اليرموك عدم وجود تلوث جدي، وتقتصر مشاكل نوعية المياه السطحية والجوفية ضمن مناطق محدودة، ومصدر التلوث الرئيسي هو الصرف المنزلي والتجاري والصناعي في مدينة درعا، إلا أن الوضع هناك كان أفضل من باقي المناطق السورية، حيث لم تسجل نسبة نترات النتروجين في آخر دراسة تعود للعام 2008 ما يزيد على 40 ميليغرام/ليتر سوى في ثلاث نقاط من ضمن جميع النقاط التي خضعت للاختبار.
لكن ذلك لا يلغي وجود تسرب متكرر لمياه الصرف الصحي نحو السدود التي تغذي المنطقة بمياه ري المزروعات، ولمرات عديدة قبل وبعد الثورة، منها المثال الأبرز لتلوث العام 1998، حين تسبّب تسرب مياه الصرف الصحي إلى سدّي درعا وإبطع بموت جميع الأسماك بداخلهما. وخلال العام الماضي، وصل تلوث مياه الشرب بمياه الصرف الصحي إلى حد تحذير مؤسسة مياه درعا لأهالي مخيم درعا للاجئين الفلسطينيين والمنطقة المحيطة به من استخدام المياه التي تصل إلى منازلهم.

حوض العاصي
ثمة تلوث كبير في نهر العاصي بسبب وجود عدد كبير من الفعاليات الصناعية التي تصرف مخلفاتها مباشرةً في النهر، فضلاً عن تلوث المياه بالصرف المنزلي والتجاري الذي يصب بدوره في النهر. أهم مصادر التلوث هي الآتية:

← الوحدة (تابعة لوزارة الدفاع)، وتشمل مستويات متباينة من الشحوم والزيوت إضافة إلى النحاس والكاديميوم وبقايا الطلاء الغلفاني.
← الشركة العامة للأسمدة، وتشمل الملوثات الناجمة عن تصنيع الأسمدة.
← الشركة العامة لصناعة الأسمنت في معامل الرستن وكفر بهم.
← تصريف مطحنة الحبوب في حماة، بالإضافة إلى صرف مخلفات صوامع الحبوب.
← الشركة العامة للصناعات والمنتجات الحديدية والفولاذية في حماة، وأهم الملوثات المحمولة مع مياه التصريف هي الزنك والحديد والكروم والرصاص والألمنيوم.
← فروع شركة تصنيع السكر في تل سلحب وجسر الشغور.6
6. نمذجة تلوث مياه نهر العاصي -سوريا- باستخدام برنامج نظام المعلومات الجغرافية GIS، ضحى يوسف، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العملية، 2009.

بالإضافة إلى ذلك، تنتشر منذ عامين زهرة النيل على طول قنوات الري في سهل الغاب بريف حماة الغربي، ابتداء من قلعة المضيق وصولاً إلى قرية القرقور بريف جسر الشغور. هذه الزهرة تمنع وصول مياه الري القادمة من نهر العاصي إلى الأراضي، وتستهلك النبتة الواحدة في عملية النتح 3-5 ليتر ماء يومياً، وتشكل بيئة ملائمة لتكاثر وانتشار ذبابة الرمل الحاملة لداء الليشمانيات.

حوض الساحل
توجد مشكلتا تلوث في حوض الساحل: الأولى هي التلوث الجرثومي لمياه البحر، والثانية هي تلوث مصادر مياه الشرب. المصدر الرئيسي للمشكلة الأولى هو إلقاء مياه الصرف الصحي غير المعالج مباشرةً في البحر. أما مصادر تلوث مياه الشرب، بشقيها السطحي والجوفي فتنتج عن:

← المخلفات السائلة لمعاصر الزيتون صغيرة الحجم والمتبعثرة في عموم محافظة طرطوس (يوجد قرابة 250 معصرة).
← مرافق معالجة الصرف المنزلي، ومياه الصرف المنزلي غير المعالجة.
← تلوث مياه نهر الأبرش بالصرف الصحي كيميائياً وجرثومياً، حيث إن النهر ملوث كيميائياً بشكل نسبي وجرثومياً بشكل كبير7.
7. مصادر تلوث نهر الأبرش، ناظم عيسى ورهف القطيني، مجلة جامعة طرطوس للبحوث والدراسات العلمية، 2019.

تظهر تحاليل نوعية المياه (التحليل الجرثومي) في آذار وآب 2006 وجود تلوث جرثومي في جميع المناطق الساحلية، مع تراكيز عالية من العصيات الكولونية في جميع نقاط المعاينة. وخلال الأيام القليلة الماضية، شهدت محافظة طرطوس احتجاجات محدودة وقطع للطرقات بالإطارات المشتعلة، وذلك على خلفية تلوث أكثر من 100 بئر مخصصة للشرب والزراعة في قرى يحمور والزرقات والمنية واليازدية وخربة المعزة.

أحواض الفرات والخابور والبليخ
في حوض نهر الفرات وروافده، وبما أن كمية الماء في نهر الفرات كبيرة جداً، فإن سعته البيئية للأحمال الملوثة المسموحة والقدرة على التنقية الذاتية عالية جداً، ومن الممكن تحسين شروط نوعية المياه الموجودة من خلال ضبط الأحمال الملوثة في المناطق المأهولة في الحوض في حال وجود مؤسسات ذات كفاءة. ما تغير خلال السنوات الماضية هو تلوث مياه نهر الفرات بمخلفات حراقات النفط البدائية، وثم بالنفط الخام خلال العامين الفائتين نتيجة توظيفه لتمرير أنابيب وعبارات النفط غير المُؤهلة، فضلاً عن تلوثه بمختلف أشكال البضائع التي صارت تسقط في مياهه.
وتتعلق مشكلة التلوث في مياه منطقة الخابور بالصرف الصحي والصرف غير المعالج، حيث تقع عدة مدن، كالمالكية والقامشلي، على طول نهر الجغجاغ، وهو أحد روافد نهر الخابور، وتصب هذه المدن الصرف الصحي الخام في النهر، كما يتم، في عموم مناطق شرق سوريا، إلقاء النفايات الصلبة ومخلفات المواشي بالقرب من مصبات الصرف الصحي الذاهبة إلى مصادر المياه السطحية، والتي تشكل مصدر مياه الشرب في شرق سوريا بنسبة 90 بالمئة.
ويضاف إلى مصادر التلوث الرئيسية في هذه المناطق، وهي مياه الصرف المنزلي والتجاري والزراعي غير المعالجة، وجود تلوث صناعي في المدن الرئيسية: كدير الزور والحسكة والرقة، حيث تحوي المصانع العامة كميات كبيرة من الأحمال الملوثة، كمعمل الورق في دير الزور ومعمل السكر في الرقة.
فيما يتعلق بالصرف الصحي، تتسم شبكات المحافظات الثلاث برداءتها، وتنخفض نسب الخدمة بالشبكة بشكل كبير في دير الزور، ولذلك فإن العديد من التجمعات مُخدّمة بمرافق النظام الفردي حتى الآن، ولا توجد أي محطة معالجة للصرف الصحي، رغم وجود دراسة مسبقة أعدت من قبل الشركة العامة للدراسات والاستشارات الهندسية، ولكن من دون خطط للإنشاء، كما يزيد عمر بعض الأنابيب عن 50 عاماً.

الشمال السوري
تعتمد مدينة حلب على المياه السطحية بنسبة 90 بالمئة، وتصلها مياه الشرب من نهر الفرات عبر محطة الخفسة، لتستهلك المحافظة ربع مجمل الاستهلاك السوري من المياه. ولا تتشابه مصادر تلوث مياه حلب مع ما هو موجود في شرق سوريا، رغم استخدام المصدر نفسه، إذ إن عمليات معالجة المياه أكثر تطوراً، ومكان التزويد يسبق دخول الملوثات إلى الفرات، ما يجعل مياه المحافظة ذات جودة أعلى.
ولكن حلب تتسم بمياه صرف صحي عالية التلوث، رغم وجود محطة معالجة في الشيخ سعيد، ذلك أنها تضم تسع مناطق ذات طبيعة صناعية ملوثة لمياه الصرف الصحي،8 يضاف إليها التلوث الناتج عن الصرف المنزلي والتجاري. 8
8. دراسة ملوثات مصاب الصرف الصناعي في مدينة حلب، أليفة نعسان، بحث لنيل الماجستير، قسم البيئة بكلية الهندسة المدنية بجامعة حلب، 2015.

وعلى الرغم من أن مياه نهر قويق لا تستخدم للشرب، إلا أنه بعد إنجاز مشروع إعادة تأهيله عام 2008، عبر جر المياه من نهر الفرات وتغذيته بالمياه المعالجة من محطة الشيخ سعيد، المتوقفة عن العمل حالياً بسبب نهب معداتها، صار يروي نحو 197 ألف هكتار من سهول ريف حلب الجنوبي. ومع توقف عملية ضخ المياه إلى النهر عام 2011 عاد النهر مصباً لمياه الصرف الصحي والصرف الصناعي، ما تسبب بتوقف ري هذه المساحات، وتشكيل مياه الصرف الصحي في مصبه بمنطقة السيحة، قرب تل الطوقان جنوبي حلب، بحيرةً كبيرة من المياه العادمة. 9
9. ، أعيد ضخ المياه إلى نهر قويق مرة واحدة مطلع عام 2013، لتطفو 200 جثة على مدى شهرين لأشخاص أعدمتهم قوات النظام وألقت بهم في النهر.

في ريف حلب الغربي، هناك قرى محرومة تماماً من شرب المياه رغم توافرها، مثل قرية ميزناز التي تلوثت مياهها بفعل الجور الفنية المنتشرة فيها، حيث يعاني سكان القرية والمخيم المؤقت الذي تحتويه من انتشار واسع للشمانيا والتهابات الأمعاء وبعض الأمراض الجلدية. ولا يختلف حال الصرف الصحي في معظم المخيمات الموجودة في الشمال السوري، وعلى الأخص العشوائية منها، عما هو عليه في ميزناز، إذ لا تخضع شبكات الصرف الصحي في إدلب وريفي حلب الغربي والجنوبي للشروط المطلوبة، وتغيب الحلول بسبب غياب الدعم عن المجالس المحلية المسؤولة، كما تقع معظم مصباتها على مسافة لا تتجاوز 2 كيلو متر عن التجمعات السكنية والمخيمات في أحسن الأحوال، وأحياناً تكون متاخمة للبيوت.
كذلك، تنعدم محطات معالجة الصرف الصحي في المنطقة، ما يعني أن المخلفات تصب في الوديان القريبة أو تشكل بؤراً ومستنقعات، وتتحول إلى أنهار وبحيرات من المياه العادمة المكشوفة، وتنتشر نتيجة ذلك أشكال متنوعة من الحشرات الطائرة والزاحفة. وهناك بعض الأراضي الزراعية التي تُروى من هذه المياه نتيجة الافتقار إلى المياه النظيفة، مما يضر بالتربة ويؤدي لتسرب المياه العادمة إلى المياه الجوفية، كما يؤدي زيادة منسوبها في الشتاء إلى قطع الطرقات وغمر مساحات كبيرة من أراضي القرى والبلدات التي تمر منها.
كما يوجد اليوم «نهر للصرف الصحي» في الشمال السوري، يبدأ من جنوب بلدة سرمدا في إدلب حتى يصل إلى مصبه الأول قرب كفر نوران التابعة للأتارب بريف حلب الغربي، وهناك تتجمع مياهه مع مخلفات الصرف الصحي في خط باتبو-كفرنوران، فيتوجه الصرف شرقاً ليلتقي بمجرور مدينة حلب قرب الحاضر بريف حلب الجنوبي، وصولاً إلى مصبه الأخير في منطقة السيحة.

وخلصت دراسة أعدتها وحدة تنسيق الدعم لتقييم واقع الصرف الصحي في إدلب في أيلول 2018 إلى أن 9 بالمئة من شبكات الصرف الصحي عمرها الفني أكبر من 10 سنوات، و42 بالمئة يتراوح عمرها الفني بين 8 و15 سنة، و24 بالمئة يتراوح عمرها الفني بين 16 و25 سنة، و33 بالمئة عمرها الفني أكبر من 25 سنة، وهذه الشبكات تحتاج إلى صيانة وإعادة تقييم شاملة.
* * * * *
بعد استعراض واقع مياه الشرب والصرف الصحي في مختلف المناطق السورية، وفي ظل عدم وجود دراسات شاملة منشورة حديثاً، تجدر الإشارة إلى توقّع فريق الدراسة من جايكا، الذي سبقت الإشارة إليه، أنه من دون تطوير نظام الصرف الصحي في سوريا، فإن نوعية المياه العامة ستتدهور، حيث ستسوء في عام 2025 نوعية مياه أنهار الفرات واليرموك والخابور بمقدار 4.1 مرة عن مستواها في العام 2008، بينما سيتضاعف السوء في المياه السطحية والجوفية لحوض بردى والأعوج تبعاً للنمو السكاني السريع والتقدم الاقتصادي والنشاطات الصناعية في المستقبل. لكن هذه التوقعات لم تأخذ بالاعتبار ما عاشته البلاد طوال العقد الماضي من انهيار بيئي وكوارث على صعيد البنى التحتية وغياب الرقابة. وعليه فإن حماية مصادر مياه الشرب السطحية والجوفية في سوريا، وتأمين مياه صالحة للشرب، وبناء وتطوير شبكات تصريف الصرف الصحي ومعالجته، وزيادة التوعية بضرورة الحرص الشعبي على السلامة المائية والصحية والبيئية، هي أولويات غير قابلة للتأجيل، وتستدعي تحركاً فورياً.

المصدر
موقع الجهورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى