الأمن الغذائي وانتصار الجوع…/ سمير صادق
من أطال الله عمره وتيسر له أن يراقب الوضع السوري بعد عام ١٩٧٠ وحتى الآن يصطدم بالعديد من المفارقات والتناقضات والتباينات والذكريات التي لاتزال حية, فخلال العقود الأربعة الأخيرة سيطرت مقولة انتصارات القائد الخالد ومن بعده القائد الى الأبد على الأجواء البصرية والسمعية , فصور الأسود ملأت دنيا الوطن , اينما ذهبت ترى أسدا يتربص بك , ولغة الكلام احتكرت مهمة تمجيد القائد وامتداح مسيرته العتيدة ..التي قيل عنها على أنها مسيرة الاصلاح والتطوير , وصناعة سوريا الجديدة , حقيقة كانت مسيرة الافساد والافقار والتعتير , مسيرة الاضطهاد والتدمير …مسيرة الجوع والتجويع !
الانسان السوري بشكل عام مهدد وخائف في وطن تحول الى جمهرية الخوف , فهو مهدد أمنيا , حيث لم يكن للمخابرات وأجهزة الأمن الأخرى من مهمة الا مهمة تهديد المواطن وادخال الرعب في نفسه , مهدد ثقافيا عن طريق منع التفكير وعن طريق اغتيال حرية الكلام , مهدد عنصريا عن طريق تزايد عمليات الفرز العنصري وممارسة هيمنة فئة على أخرى , مهدد أخلاقيا عن طريق الانقلاب القيمي , فالسارق هو الذي “استفاد” , والسارق هو الذي أمن مستقبله ومستقبل أولاده ..انه الشاطر , الأمين والمستقيم هو الغبي , مهدد سياسيا , ولطالما كان النقد العمود الفقري لممارسة السياسة , فما هو مصير من ينتقد الأسد ؟, مهدد ماديا … هل يمكن لانسان سوري انجاز أي شيئ قانوني ؟, على هذا الانسان أن يدفع في كل مناسبة , وعليه أن ينصاع لأحكام قضاء لايعرف الحق , فالحق هو على جانب الزبانية والعائلة والحاشية , تأملوا كيف يتم التسلبط , وكيف يتسلبط أفراد قبيلة الأسد على أملاك وأموال الغير , الانسان السوري مهدور الكرامة , وهل يمكن لصبية جميلة أن تتمشى في شوارع اللاذقية بحرية , وماذا لو اشتهاها فواز الأسد أو غيره من ألاسود ؟ فعامل التهديد يشمل كل جوانب حياة الانسان السوري , خاصة الجانب الاستهلاكي الغذائي أي الأمن الغذائي الذي هو موضوع هذه الأسطر .
من عايش سوريا بعد أن تحولت الى سوريا الأسد بعد عام ١٩٧٠ يعرف كرب أسرة على أن الصعوبات في تأمين حاجات الحياة الاستهلاكية لم تنقطع يوما ما , تارة لايوجد مازوت , وتارة أخرى لايوجد سكر وأحيانا لاتوجد سجائر ..ويعرف أيضا مكارم الشبيحة التي تخصصت بعد عام ١٩٧٦ بعمل التهريب , يعرف أيضا على ان مساعدات الأمم المتحدة لم تنقطع يوما ما لفترة طويلة ..كان هناك مايسمى “الاعاشة” حيث حصل الفقراء على نوع من الاعاشة كالطحين او البرغل أو غير ذلك , وقد تطور الأمر في سياق مسيرة الأسد من سيئ الى أسوء الى أن تم تحويل البلاد الى شيئ يصعب توصيفه , فالبلاد أصبحت سجنا كبيرا , والبلاد تدمرت , وتم تقتيل مئات الألوف , ونزوح ولجوء الملايين من السوريين , كما أن عدد من يحتاج الى مساعدة غذائية بلغ عدد سكان البلاد, الأمم المتحدة تحاول مساعدتهم في تأمين قوتهم اليومي , والسلطة تقوم بعكس ذلك , التجويع أصبح سلاحا لتحقيق الانتصارات العسكرية , لذا تمنع السلطة وصول الغذاء الذي خصصته الأمم المتحدة أصلا لهم , مما يرغم الجائع على أكل أوراق الأشجار ولحم الكلاب والحمير وبالنهاية يضطر للاستسلام .
الأمم المتحدة تقدم كميات كافية لاطعام كل سكان البلاد , الا أن معظم مساعدات الأمم المتحدة لاتصل الى المحتاج , وانما تجري سرقت معظمها وبيعها وحجبها , والعديد من المشرفين عل توزيع هذه المساعات أصبحوا من أصحاب الملاين , انظروا الى البقاليات وما فيها حيث تجدون بضاعة الأمم المتحدة معرضة للبيع ..زيت ..أرز ..برغل .. سمن ..الخ, وطريقة وصول هذه البضاعة الى البقاليات معروفة , السارق لكميات كبيرة هو الذي يزود البقاليات ببضاعة المعونات , الجائع لايبيع كرتونته , وهكذا أفشلت السلطة السورية ومعها الشبيحة والأزلام أهداف المعونة من منطلق عدم الشعور بالمسؤولية وتعاظم الأنانية والفساد , فقدوا الأنسنة وبالتالي تحولوا الى حيوانات مفترسة .
قالت الأمم المتحدة قبل سنوات على أن ٦٠٪ من السوريين يعانون من الفقر , ٣٣٪ يعانون من الفقر المدقع, واليوم يعاني الجميع من الفقر المدقع , كل ذلك بقيادة السلطة الحكيمة التي حرقت الجزء الأكبر من الغابات , والآن جاء الشتاء وما بقي من الغابة سيتم قطعه وايقاده للتدفئة , اذ لاتوجد محروقات أخرى بشكل مستمر وبأسعار يمكن للمخلوق السوري دفعها , ومن اين للفقير السوري دفع سعر قنينة من المازوت ؟ كل ذلك في سبيل الوطن ومن أجل الوطن ….كاسك ياوطن !!