المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار: لماذا، كيف وماذا جرى؟/د. يونس كنهوش
مشاهد ضرورية الاستعادة
منذ تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في الدوحة، دعت عدة شخصيات وطنية منها الدكتور حبيب حداد والأستاذ حسين العودات والفقيد ميشيل كيلو والفقيد المحامي عبد المجيد منجونة والفقيد المحامي عبد المجيد حمو والدكتور هيثم مناع إلخ. إلى عقد مؤتمر وطني سوري. وجاء في مقالات ومقابلات نشرت للشخصيات المذكورة، أن ما جرى في الدوحة لم يصلح الخلل الموجود في المجلس الوطني السوري الذي اضطرت السيدة هيلاري كلينتون لإعلان نهاية صلاحيته بجملتها المشهورة: Expired. باعتبار الائتلاف ارتكز على قوتين سياسيتين هما مجموعة الأستاذ رياض سيف والأستاذ رياض الترك في إعلان دمشق وحركة الإخوان المسلمين وتحالفاتها. واستبعد معظم القوى السياسية السورية. كذلك كما كتب الفقيد حسين العودات في السفير في ديسمبر 2012: “من المؤسف أن المجتمعين، وفيهم مثقفين وسياسيين مخضرمين، قبلوا بجملة “لا حوار ولا تفاوض”، ألا يعلم هؤلاء أن التفاوض وسيلة ضرورية لحسن إدارة النزاعات من العائلة والحانوت إلى الدولي؟ ألا يعلمون بأن التفاوض لا يشكل حالة اعتراف بين المتفاوضين؟”. لا حاجة لاستعراض كل ما جرى بعد ذلك، فبالرغم من انضمام “اتحاد الديمقراطيين” وعدد من العسكريين والسياسيين للائتلاف، بدأت التصدعات تظهر بوضوح، وكان أهم أسبابها منطق الوصاية الذي اعتمدته الدول الإقليمية على اختلافها مع الائتلاف، كذلك مع الفصائل المسلحة. ووصل الأمر بالدكتور وليد البني للتصريح في شهادة له: “لم نطالب يوما بجسم سياسي سوري مستقل القرار، كان مطلبنا السماح لمن يطمح أن يكون ممثلا للقرار السوري المستقل بالتواجد كتيار ولو أقلية في الائتلاف، حتى هذا المطلب كان مرفوضا. قل لي لمن تتبع، أقل لك ما هو حجمك”.
في محاولة للخروج من نفق لا نهاية له، التقى الدكتور وليد البني والدكتور هيثم مناع(1)، بدعوة من الخارجية السويسرية في مدينة مونترو في نوفمبر 2013، واتفقا على دعوة أكبر عدد من السوريين إلى مؤتمر وطني عام تدعى إليه مختلف الهيئات والأحزاب والشخصيات الوطنية. وبدأت التحضيرات لهذا المؤتمر بوفد سوري قابل وزير الخارجية المصرية نبيل فهمي في 16 أيار 2014. شارك فيه الشيخ معاذ الخطيب الدكتور خالد المحاميد، الدكتور وليد البني، الفنان جمال سليمان، المحامي عبد المجيد منجونة، الدكتور عارف دليلة…) ووافق وزير الخارجية في هذا الاجتماع على انعقاد هذا المؤتمر في القاهرة، وحسب شهادة أحد الحضور، “تمنى الدكتور فهمي علينا دعوة الديمقراطيين في الائتلاف”. وبالفعل انضم معظم أعضاء التيار الديمقراطي في الائتلاف للمشروع باستثناء الفقيد ميشيل كيلو الذي وضع أكثر من شخص من الائتلاف، فيتو على مشاركته في المؤتمر.
كان الشيخ معاذ الخطيب أول المنسحبين من المشروع بطلب مباشر له بمغادرة القاهرة إلى الدوحة، بعد المؤتمر الصحفي الذي جلس فيه مع هيثم مناع ووليد البني لشرح هذه الفكرة. فبعد الغداء المشترك مع الجميع، ذهب للقيلولة والعودة للاجتماع المقرر بعد الظهر ولم يعد. أما ممثلة حزب العمل الشيوعي فوضعت على الشبكة الاجتماعية: “لا أدري ماذا أفعل مع هؤلاء” ناعتة الحاضرين بأوصاف غير لائقة. ولعل هذين الحدثين قد وضحا منذ البدء صعوبة مهمة جمع السوريين في مرحلة تعيش فيها المعارضات على اختلافها حالة تشوش وضبابية.
بعد الاجتماع التحضيري لمؤتمر القاهرة (ما يسمى بالقاهرة 1) جرت الموافقة على تعديل اسم المؤتمر إلى: “مؤتمر المعارضة السورية من أجل الحل السياسي”. ووقع الخلاف في لجنة المؤتمر بين اتجاهين الأول يعتبر المؤتمر غاية في ذاته لتثبيت ميثاق وطني جامع وخارطة طريق للحل السياسي، ينبثق عنه لجنة إدارية لمتابعة مخرجاته، والثاني يسعى لتشكيل جسم سياسي وطني ديمقراطي للدفاع عن هذه المخرجات. وقد تنازل الاتجاه الثاني عن مطلبه بعد تمسك هيئة التنسيق الوطنية وكتلة الائتلاف بوجهة نظرهم.
ووفق شهادة أحد أعضاء “لجنة المتابعة” الذي استقال منها قبل عامين: “المشكلة الحقيقية بدأت عندما أحس الأخوة المصريين بأن المؤتمر الذي عقد في القاهرة ورقة هامة لهم وبدأوا يتدخلون في عمل وشؤون لجنة المتابعة. فقد شكلنا وفدا لزيارة موسكو والاتحاد الأوربي وفيينا، وتواصلنا مع 12 دولة من الدول المشاركة في مؤتمر فيينا، فإذا بي اتلقى اتصالا مصريا يعاتبني على هذه التحركات دون إعلامهم. وكانت الطامة الكبرى في رفض المملكة العربية السعودية دعوة مؤتمر القاهرة أو حتى ذكر أي شيء عنه في الدعوات ولو كانت شخصية. فانقسمت لجنة المتابعة إلى قسمين، الأول شارك باسم هيئته الحزبية، والثاني رفض المشاركة. وأكثر من ذلك، قام هيثم مناع بتوجيه رسائل إلى أعضاء مجلس الأمن قبيل صدور القرار 2254 يخبرهم فيه بأن مؤتمر الرياض لم يكن جامعا لكل أطراف المعارضة ومن الضروري إضافة الأطراف الوطنية التي تناضل منذ سنوات من أجل الحل السياسي، وأرفق برسالته مخرجات مؤتمر القاهرة بالإنجليزية. اتصل سفير مصر التي كانت يومها عضوا غير دائم في مجلس الأمن بالخارجية المصرية، وأعلمهم بالأمر، فاتصل السفير نزيه النجاري بمناع وقال له: “إنت عايز تخرب علاقتنا بالأشقاء السعوديين؟ أجابه: أنا اتصلت بأغلبية أعضاء لجنة المتابعة وفوضوني بذلك، ثم ما علاقة هذا بعلاقاتكم. نحن السوريين نرفض أية وصاية علينا”. ومنذ عشية صدور القرار 2254 حتى اليوم، رفض مناع القيام بأية زيارة لمصر. وجرى تثبيت اسم “مؤتمر القاهرة” في القرار الدولي 2254.“.
بعد انفراط عقد التوافق بين أعضاء لجنة المتابعة، عاد الدكتور حبيب حداد والدكتور جان نسطة وأنا نفسي للدعوة من جديد إلى مؤتمر وطني سوري. وتفاجأ الجميع بإطلاق “المبادرة الوطنية السورية” وصدور بيان وقع عليه في ثلاثة أشهر 12 ألف سوري.
كنت منذ البدء في أول كتلة صلبة لإطلاق المبادرة وحضرت من سيدني إلى جنيف للمشاركة في المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه عنها. وبعد الهجوم الإعلامي الواسع عليها ونعتها بمبادرة مناع-المحاميد، توجهت بالسؤال إلى الدكتور هيثم مناع مستفسرا: “يقول العقيد فرحات وعدد من أعضاء المؤتمر بأن المبادرة سبقت تاريخ الإعلان عنها بستة أشهر وأنهم طلبوا منك الالتحاق بها، في حين يقول الأستاذ محمد صبرا بأن هذه المبادرة جرى التحضير لها في موسكو بإشراف نيكولاي سيخوف بحضورك أنت والدكتور خالد المحاميد، أريد أن أسمع منك ما حدث بالفعل؟”.
أجاب الدكتور مناع: “في شهر 3 كانون الثاني/يناير 2019 وصلتني رسالة تقول: السلام عليكم كيفكم أستاذ هيثم؟ بعدها اتصل بي النقيب وائل الخطيب، وكان بروفايله صورة للعميد مناف طلاس وحدثني عن مجموعة واتس باسم “سوريا فوق الجميع”. وقال لي بأن هذه المجموعة تبحث عن طريق سوري للخلاص خاصة وأنه لم يعد لهم أي قرار وكلمة في مستقبل بلادهم. وأنهم اقترحوا عدد من الأسماء الوطنية للانضمام للمجموعة وقال لي بأنه سيضيفني. بالفعل تابعت المجموعة عدة أيام، ثم انسحبت بهدوء، فاتصل بي في 7 يناير يسألني عن السبب، فكتبت له: أهلا عزيزي، أنا آسف لكن بصراحة خليطة عجيبة وانفجارية يجمعها القليل، نبقى على تواصل وأعتذر عن المتابعة. فكتب لي الخطيب: أستاذ هيثم بنينا أمل على وجودكم معنا.. نعلم أن أفكاركم مميزة يا أستاذ هيثم هذا الخليط هو نتاج إجباري لسبع سنوات من الفوضى السياسية”. وافق النقيب وائل على أن أبقى خارج مجموعة الواتس، وأن نتعاون من أجل سوريا والسوريين. بعد ثلاثة أيام أرسل لي رسالة فيها أسماء أطلق عليها اسم “الكتلة الصلبة” التي تم ترشيحها من 15 شخصا وكتب: “طبعا حضرتك على رأس القائمة وتركنا لكم مجال لوضع أي اسم تقترحونه وبإمكانك أن تبعد أي اسم غير متوافق عليه”. جرى التوافق على إعلان مبادئ طلبتُ فيه استبدال كلمة بديل للهياكل الفاسدة، بجملة: “كصوت وتعبير ممثل لقطاعات واسعة من المعارضة الوطنية المستقلة القرار والإرادة”، فأجابني: أوكي أستاذ. وأظن أن الباقي أصبح معروفا.”.
منذ إطلاق “المبادرة الوطنية السورية”، وقفت الهياكل السياسية الموجودة موقفا سلبيا منها. خاصة أنها أعلنت في بيانها الأول الوفاة السريرية لهذه الأشكال وضرورة ولادة جسم سياسي سوري واسع حديث مستقل القرار والإرادة. أما على الصعيد الإعلامي، فكان العدو المعلن الأول لها أتباع وإعلام التحالف القطري-التركي. ويبدو أن هناك قناعة عميقة عند المخابرات التركية MIT والمخابرات القطرية، بأن هذا المشروع تم إنتاجه وصناعته في الأروقة الروسية-الإماراتية. قال أحد المشاركين في المؤتمر في شهادته لنا: “مشكلتنا الأزلية مع القطريين أنهم يعتقدون بإلهين: الأول: الله جل جلاله، والثاني: يعبر عنه المثل الحوراني القائل: أشهد أن المال ربا ثانيا، اعطه للدب بيفتل شواربه. ومنذ نجحوا في تنظيم كأس العالم في الدوحة في مواجهة ترشيح الولايات المتحدة، لديهم قناعة بأن كل شيء يباع ويشترى، أو كما يقول المثل الفرنسي: tout s’achète. وبالتالي عندما لا تقبل بتمويلهم، فلديك بالضرورة ممول آخر. “.
هكذا جرى تقديم المؤتمر باعتباره مؤتمر مناع-المحاميد، وجرى تقديم خالد المحاميد على قناة الجزيرة باعتباره “دحلان سوريا”، وتقديم مناع تارة باعتباره رجل الإيرانيين وتارة أخرى باعتباره رجل روسيا. ومن الضروري الاعتراف بأن هذه الحملة الإعلامية قد أثرت على الكثيرين من أعضاء الكتلة الصلبة والموقعين على المبادرة، فسحب قرابة سبعين شخصا تواقيعهم. صحيح أن النسبة قليلة جدا بالمقارنة مع آلاف الموقعين، إلا أنها تركت عقابيلها على أجواء التواصل والثقة بين أعضاء اللجنة التحضيرية. كذلك على تنظيم الدعوات لحضور المؤتمر.
قام هيثم مناع بصياغة الأوراق الأساسية للمؤتمر، وأثناء النقاشات، طالب مروان الخوري بحذف أية جملة تتعلق بالقضية الفلسطينية. وبعد نقاشات عقيمة، قدم اثنان من تيار قمح في اللجنة التحضيرية استقالتهما (الدكتور حسان فرج والأستاذ ماجد حبو)، ردا على اتهامات بسيطرة التيار على اللجنة التحضيرية. بعد ذلك بأشهر، قدّم الدكتور خالد المحاميد استقالته، مع تعهد الثلاثة بدعم المؤتمر والمشاركة فيه.
عادت جائحة الكورونا بالفائدة على اللجنة التحضيرية التي أجلت تاريخ انعقاد المؤتمر بسبب الجائحة وتابعت اجتماعاتها وأطلقت ندوات عامة لشرح الفكرة وضرورتها في حال الضياع السياسي السوري. وقد عقد أعضاء اللجنة التحضيرية وفق محاضر الجلسات الذي تابعتها بنفسي، 82 اتصالا مع الشخصيات والقوى السياسية السورية. وجرت مناقشات معمقة حول المرشحين شملت قرابة 300 مواطن ومواطنة من كل المحافظات ومناطق التواجد السوري وفاق عدد التشكيلات السياسية والمدنية التي جرى التواصل معها الثمانين تشكيلا. ولعل في مقالة الأستاذ صالح النبواني “كيف تفشل مؤتمرا قبل انعقاده” (نشرت في رأي اليوم)، ما يعطي صورة عن الأجواء التي سبقت المؤتمر حيث يقول:
“بعد ثلاثة أسابيع، سيعقد “المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار”. بعد تحضيرات استمرت لأكثر من عامين. وبالاطلاع على ما وصلني من وثائق للمؤتمر، لاحظت أن لجنته التحضيرية قد انكوت و”توجعت” من تجارب السنوات العشر الماضية. فهي ترفض أي كوتا أو محاصصة لأي حزب أو تنظيم سياسي. وبنفس الوقت لا تمنع من يطلب الحضور من المشاركة ولو جاء عدد هام من كوادر تنظيم سياسي. وتترك للمؤتمرين اختيار ممثليهم بالانتخاب، فمن لديه من الكفاءة والكرامة والسمعة ما يسمح له بالنجاح، سينال حقه، ولو كان هذا حال عدد من الأشخاص من حزب معين. لأنه مرشح كمواطن أو كمواطنة سورية في الاعتبار الأول. طبعا يصعب على من هو في مركزه الحزبي منذ سنوات دون انتخاب أن يضمن نجاحه، ولكن أليس هذا هو الاختبار الحقيقي لسيرة المشاركين النضالية خلال عشر سنوات؟ هذا المبدأ الذي أقره الداعون للمؤتمر الوطني هو ساعة الحقيقة لتقييم أداء الأشخاص. وكم نحن بأمس الحاجة له. لن يأتي فلان بطلب من سفارة محددة، ولن ينجح أحد إرضاء لدولة محددة.. إنه مؤتمر سوري بحت تمويله من المشاركين فيه، لا دولارات ولا خواجات.. السوريون المشاركون يختارون من يريدون في هذا التجمع الاستثنائي لتشكيل جسم سياسي وطني جامع، مستقل الإرادة والقرار. أي أن المؤتمر نقطة البداية وفاتحة صفحة جديدة في نضال الوطنيين الديمقراطيين السوريين“.
لم يكن السيد النبواني عضوا في اللجنة التحضيرية، ولم يتح له متابعة الشهرين الأخيرين قبل المؤتمر مباشرة.
بمكن القول إن شعورا بالإنجاز والنجاح قد تملك العديد من أعضاء اللجنة التحضيرية. فقد صمدت أمام زلازل وهجمات كبيرة، وحافظت على تماسكها النظري-السياسي رغم العدد الكبير من الانتماءات السياسية والمدنية والمستقلة المشاركة في المؤتمر. وعاد عدد من الأعضاء المنسحبين عن استقالتهم والتحقوا باللجنة التحضيرية. وهنا وقعت اللجنة التحضيرية بحالة اضطراب جرى التعبير عنها في ثلاثة مظاهر أساسية:
خرجت دعوات من بعض الأعضاء بعدم حل اللجنة التحضيرية في منتصف ليلة 19 آب/أغسطس 2021 باعتبار مهمتها تنتهي مع افتتاح أعمال المؤتمر. واعتبار أعضائها أعضاء طبيعيين في الأمانة العامة وحصر الانتخابات بتسعة أشخاص يكملون عدد أعضائها الواحد والثلاثين. وقف هيثم مناع ومحمد الحاج علي بقوة ضد هذا الاقتراح باعتباره يطعن في الصميم فكرة أن المؤتمر سيد نفسه، وأن مهمة هذه التحضيرية هو التحضير الناجح لمؤتمر وطني سوري مستقل القرار والسيادة. ولحسن الحظ، فشل هذا الاقتراح.
خرجت دعوات أخرى بضم أشخاص للجنة التحضيرية بصفتهم الحزبية. ورغم الاعتراض على هذه الفكرة من عدد كبير من الأعضاء، تم القبول بها حرصا على وحدة أعضاء اللجنة التحضيرية. وللأسف، جرى استثمار هذا الحرص من التجمع الوطني الديمقراطي الذي يرأسه الدكتور صلاح وانلي لخوض الانتخابات في قائمة أقرها التجمع في اجتماع مسجّل له، وتسربت القائمة المذكورة قبل أسبوعين من انعقاد المؤتمر. وعندما جرت مسائلة صلاح وانلي عن ذلك أجاب: “هذا تكتيك سياسي مشروع يمارس في أوربة بشكل عادي”. وعهد لأشخاص من خارج اللجنة الإعلامية بدعوة الإعلاميين للمؤتمر، فجرت دعوة عدد من الصحفيين المقربين من التجمع وعدم دعوة محطات تلفزيونية ووكالات الأنباء الهامة للمؤتمر.
سياسة الرضوخ للأمر الواقع التي تعرض لها المنسق العام للجنة التحضيرية اللواء محمد الحاج علي. فقبل المؤتمر بشهرين، جرى الإعلان عن “المجلس العسكري الانتقالي”. وكان واضحا التعارض بين هذا المشروع و”المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار”. كان الحاج علي يجتمع كل يوم سبت طيلة عامين بقرابة 43 ضابطا من المدعوين للمؤتمر. وكان ملاحظا أن فكرة المجلس قوية لدى عدد من هؤلاء. نظم الحاج علي مع مناع ندوة أكاديمية افتراضية حول الموضوع تابعها حتى كتابة هذه الأسطر 120 ألف شخص. وكان الرد عليها، بهجوم مباشر وغير مباشر على اللواء الحاج علي، لصفته ومكانته العسكرية. الأمر الذي زعزع مواقف الضباط المنشقين وأضعف صوتهم. وتجلى وجود صوتين واضحين قبيل المؤتمر: الأول، يقول بأن المؤتمر هو التعبير السياسي للمعارضة والثورة، وبوصفه كذلك، فهو بحاجة لجناح عسكري (2). والثاني، يؤكد ما جاء في المبادرة من أن الحل العسكري مجرد وهم. ورغم أن اللواء الحاج علي قد رشح أكبر عدد من الأشخاص للمؤتمر (53 شخصا كما يتبين من قائمة الأعضاء) فقد أحس بأن هناك من يعمل ضده بينهم، خاصة وأن ضابطين منشقين قد طالبا صراحة، بأن لا يلقي الحاج علي كلمة اللجنة التحضيرية في المؤتمر لأنه شخصية عسكرية. يؤكد هيثم مناع هذا الموضوع مضيفا: “لقد أكد لي أبو نبيل بأنه لن يترشح في انتخابات المؤتمر قبل اجتماع اللجنة التحضيرية الأخير بإسبوعين، ولم أخبره بقراري المشابه بل دعوته للعدول عن هذا القرار”. قام اللواء الحاج علي بدعوة عدد من السياسيين على مسؤوليته عندما قبلت الفكرة. وصوت مع الاقتراح المطالب بأن أي شخص دعي للمؤتمر من عضو واحد من الهيئة التحضيرية، هذا العضو هو المسؤول عن سلوكه وممارساته أثناء المؤتمر، كونه لم يتم لإقرار مشاركته في المؤتمر من كافة الأعضاء.
في هذا الجو المتوتر عقد المؤتمر الوطني السوري لاستعادة السيادة والقرار. كانت اللجنة المنظمة تعمل ليلا نهارا لتفادي نواقص عقد مؤتمر في مدينة جنيف برأسمال قدره ثلاثين ألف فرنك سويسري. وحسب مساعدة عمدة المدينة، “لم يعقد مؤتمر في كانتون جنيف منذ القرن التاسع عشر بتكاليف زهيدة كهذه“. كان الفريق القائم على ذلك من المجتمع المدني السوري، أربعة منه أعضاء في المؤتمر، وأربعة أصدقاء للمؤتمر. وقاموا بعملهم التطوعي على أكمل وجه. ولعل هذا الفريق، الذي لم توجه له كلمة شكر واحدة من على منصات المؤتمر، هو الوحيد في هذه التظاهرة الذي أدى مهمته بنجاح.
كان الإرهاق باديا على هيثم مناع، وفي الرابعة صباحا يوم السبت، اضطر لطلب الإسعاف والذهاب للمشفى. حاول العودة بعد الإسعافات الأولية، فاستمع لكلمة اللجنة التحضيرية، التي أشرف عليها بنفسه، ثم خرج من الصالة ولم يعد إليها.
كان واضحا منذ اليوم الأول، أن هناك مجموعة من حديثي المدعوين، قد أتوا “لتصحيح مسار المؤتمر لتكون منسجة مع الثورة السورية”، حسب تعبير أمين عام حزب اليسار الديمقراطي، الذي تحدث للإعلام عن دعوته كحزب سياسي. أما “تلفزيون سوريا” فقد اختار الأشخاص الذين يتحدثون عن المؤتمر، ومعظم من اختاره كان من تجمع الدكتور وانلي، مع ضرورات مموليه، بالهجوم على الدكتور خالد المحاميد، الذي حضر جزءا من المؤتمر تضامنا مع الفكرة، وكان أحد المانحين السوريين الثلاثة لتكاليف المؤتمر (أبجر مالول، صلاح وانلي، خالد المحاميد).
طالبت مجموعة اليسار الديمقراطي بإعادة صياغة البرنامج السياسي، ووافق الحاج علي ووانلي على ذلك، في حين رفض المقترح أغلبية المؤتمرين، باعتبارهم من حزب واحد ورأيهم لا يمثل إلا ثلاثة بالمئة من المؤتمرين(3). وفي الليل، نظم هؤلاء اجتماعا على الشبكة الاجتماعية وقالوا بأنهم سيذهبون في اليوم الثاني لوضع علم الثورة مرفرفا فوق المؤتمر ويقرون وريقة بديلة.. سألهم أحد المشاركين في السهرة: “وإذا لم يقبل الآخرون؟، أجاب كركعلي: إذا قبلوا نكون انتصرنا، وإذا رفضوا معنا قرار انسحاب نقرأه على الإعلام”(التسجيل الكامل للسهرة محفوظ في أرشيفنا).
في اليوم الثاني للمؤتمر، وبعد التوزيع الواسع لقائمة تجمع الدكتور وانلي، ظهرت قائمة جديدة باسم: قائمة السيادة والمواطنة والديمقراطية”. تضم شخصيات هامة من 12 انتماء سياسي ومدني، خاضت الانتخابات في وجه قائمة التجمع.
كان لانسحاب تسعة أشخاص من المؤتمر، واعتذار قرابة 20 شخصا عن المشاركة في الانتخابات “لوجود أشخاص لا علاقة لهم بأوراق المؤتمر وأطروحاته بين المرشحين”، ما جعل الصورة أكثر ضبابية، ووقع التخوف عند اللواء الحاج علي والدكتور وانلي من خسارة قائمتهم. فاقترحوا أن يعطى التصويت الإلكتروني 16 مرشحا والتصويت الفيزيائي 15. الأمر المخالف لمبدأ صوت واحد لعضو واحد. فشل الاقتراح، وجرت الانتخابات بفريق محايد مع رقيب مقترح من اللواء الحاج علي على التصويت الإلكتروني هو خبير المعلوماتية حسن شحود. لم يكن هناك خروقات تذكر، وجرى إقرار نتائج الانتخابات من كل المؤتمرين. حيث حققت “قائمة السيادة والمواطنة والديمقراطية” أغلبية واضحة.
طلب التجمع الوطني الديمقراطي من كافة أعضائه الانسحاب من المؤتمر في اجتماع داخلي (التسجيل الكامل للاجتماع محفوظ في أرشيفنا). ومن أسباب ذلك ما ذكره بعضهم عن مشاركة “مساعد أول في المخابرات وعلى رأس عمله”، وكان الاسم الذي ذُكر اسم شخصية وطنية معروفة من جبل العرب، لا علاقة له بالجيش أو الأمن ويعيش في مدينة إربد الأردنية، وهو عضو في الفريق المدني العامل مع المبعوث الدولي. ولوقف الارتباك في التجمع وإطلاق التهم جزافا، جرى التوافق على أي انسحاب أو مشاركة تكون بموافقة التجمع نفسه.
كادت محاولة هيثم مناع في التقريب بين وجهات نظر الحاج علي ووانلي والفريق المنتخب تنجح في سهرة “مصالحة ومصارحة” نظمها الدكتور عامر القوتلي والدكتور وليد تامر. إلا أن ما توصلوا له، من ضرورة الحفاظ على الطابع الديمقراطي للجسم الجديد، وعدم السقوط في لعبة المحاصصة أو التوافق على الطريقة اللبنانية أو العقلية الحزبية الضيقة، والعمل المشترك لإنجاح عمل الفريق المنتخب واستقالة كل من لديه قرابة مباشرة من عائلة واحدة في الأمانة العامة، تم تدميره بعد أربع ساعات، عبر نشر بيان انسحاب جماعي جرى توزيعه على الشبكة الاجتماعية، ضم 63 اسما، تسعة منهم لا وجود لهم في قوائم عضوية المؤتمر، و18 عشر شخصا تفاجأوا بزج أسمائهم. وضع البيان وانلي والحاج علي تحت سياسة الأمر الواقع، وللأسف لم يتجرأ أي منهما على استنكار هذا السلوك. تواصل كل من يرفض البيان مع الأمانة العامة المنتخبة لمتابعة نضاله في المؤتمر، واستنكرت الأغلبية الصامتة في المؤتمر (أكثر من 300 شخص من المشاركين) هذا السلوك مطالبة القيادة المنتخبة بالقيام بالمهمات المناطة بها.
في الجهة المقابلة، تابعت الأمانة العامة أعمالها، وانتخبت السيدة منيرفا الباروكي منسقة للأمانة العامة، والدكتور محمد خير الوزير نائبا لها والأستاذ آصف دعبول أمينا للسر. كذلك انتخبت مكتبا تنفيذيا من 13 شخصا. انتخب الأستاذ أبجر مالول رئيسا للمكتب التنفيذي والدكتور يونس كنهوش نائبا للرئيس والأستاذة هدى المصري أمينة للسر، وتم توزيع المهمات والمكاتب وفق الاختصاص والكفاءة وطلب من الهيئة العامة الانضمام لهذه المكاتب واللجان، حيث بعد اكتمال تشكيلها ينتخب كل منها رئيسا له. وقد قرر المكتب التنفيذي إطلاق موقع خاص بالمؤتمر وتنظيم ندوات تعريفية بالمؤتمر، للرد على حملة التشويه والإساءة التي تعرض لها، ودورات تمكين سياسية وحقوقية لأعضاء الهيئة العامة، لارتفاع نسبة الشباب والنساء في الفريق المنتخب. كذلك اعتبرت الأمانة العامة من حق أي عضو في الهيئة العامة تعرض للثلم أو التشهير إقامة دعاوى قضائية بحق من قام بذلك.
وحده المستقبل القريب والنضال الدؤوب، من يعطي الإجابة عن دور هذا الجسم السياسي الجديد، في الحياة السياسية السورية، وكما قال الأديب الراحل سعد الله ونوس: سنبقى محكومين بالأمل.