حوارات وآراء

الشخصنة، الانتفاخ وتورم الأنا ../ نبيهة حنا

مردود ممارسة الشخصنة سيئ وضار في كل ألاحوال, ومعظم الضرر يقع على من يمارسها , من حيث لايدري بأنها لاتدعم وجهة نظره بقدر ما تدينها , وبقدر ما تتضخم الأنا في الشخصنة تتقزم الموضوعية , ويولد حوار الطرشان بين الشخص والموضوع , بين التجرد في الموضوعية , والدمج في الشخصية , بين شمولية النظرة الموضوعية ومحدودية النظرة الشخصية , وأسوء ما يمكن للشخصنة أن تتطور اليه هو تعظيم الذات وتقديس موقف الذات وعدم القبول بنقد الذات , أو محاججة الذات , أو الشك بمقدرات الذات أو تفرد خبرات الذات , عندها تتحول الشخصنة الى اضطراب نفسي , يمكن القول بأنه مرض نفسي يستوجب ويتطلب العلاج .
عندما يتطور الاضطراب النفسي ليتحول الى مرض, تولد ظاهرة العدوانية وما تترافق به العدوانية من عنف لفظي مشبع بالاستعلاء والازدراء والتحقير والتحدي والتفاخر التصاعدي , الذي يقود الى انتاج الشخصية الفهلوية بسماتها المتمثلة بادعاء المقدرة على كل شيئ , ومعرفة كل شيئ بشكل مطلق , ثم المقدرة على ضبط الواقع والتحكم به , اضافة الى استخدام مبدأ الازاحة والاسقاط , ازاحة المسؤولية!, واسقاط الفشل على الغير المعروف أو المبهم الغير معروف والمفترض كالمؤامرة !, الشخصية الفهلوية التي تنتجها الشخصنة , تنفر من العمل الجماعي وتحبذ العمل الفردي(الأنا المتورمة), التي تنتج شخصية أخرى هي شخصية الزعيم التي تتطور الى شخصية الديكتاتور السطحي الهزيل والذي يصنع نفسه بناء على وصفة ومديحه من قبل شعراء البلاط , انه كما ينفخوه , وليس كما هو حقيقة.
ماهي علاقة الشخصنة بالثقافة ؟؟الثقافة هي وعي معرفي ومجموعة من أنماط السلوك المختلفة , ثم تمظهرا من تمظهرات نشاط العقل , المثقف المتين والمتمكن لايشخصن , لأنه قادر على توظيف الوعي ضمن دائرة معارف المجتمع , المثقف متمكن من تجسيد الوعي المعرفي وتطويره لخدمة قضايا المجتمع ., المثقف المالك للعلم والقابض زمام المعرفة لايشخصن أيضا , الانسان والمجتمع هم من ينتج الثقافة , وهم من يؤثر لدرجة كبيرة على وعي الناس , ومساعدة الناس في التعرف على اضطرابات القضايا الجوهرية كالعدالة والحرية والديموقراطية واحترام حقوق الانسان …. , المثقف هو المنتج للثقافة الوطنية ….ثقافة البناء والعمل وثقافة العدالة الاجتماعية ثم ثقافة الحرية والفكر و العدالة الاجتماعية ,
يعاني المشخصن من تآكل المقدرة على التواصل مع الغير , انه يتواصل فقط مع نفسه , وبذلك يفقد المقدرة على الاستفادة من نصائح وتأثيرات الغير , يعيش معزولا ومنعزلا وبذلك يبتعد بالتدريج عن المألوف والمستساغ , ويتحول الى حالة نشاذ شاذة بفكره وممارساته , يقود ذلك الى تصاعد درجة عدائيته وحنقه على الآخرين والى ارتفاع مستوى شخصنته وانخفاض مستوى موضوعيته وحتى اجتماعيته ,عندها يقع في براثن الدارة المعيبة التي قد تدمره بالكامل .
السؤال , هل يمكن التخلص نهائيا من الشخصنة ؟ الجواب ملتبس ! , انه نعم ولا, سبب الالتباس والصعوبة هو كون الاشكالية ملتبسة , انه من الصعب فصل الأنا عن الحدث الا في حالات نادرة , الأنا معنية بالأمر وتتحرك , ضمن التاريخ الحياتي النفسي والثقافي للشخص , مما يرغم للاجابة على السؤال بلا , الجواب بنعم ممكن اذا تمكن الانسان من الانطلاق من قاعدة أن كل العالم والحياة وكل مافي الأرض وما عليها يخضع الى أحكام وجهات النظر المؤسسة على النسبية , التي توازي بين وجه نظر الآخر ووجهة النظر الشخصية من حيث القيمة وليس من حيث التطابق, توازي القيمة يلغي امكانية التعالي وضرورة تخديمه من قبل الازدراء والتفاخر , ويخضع الرأي أو وجهة النظر الى أحكام الطرح وليس اى أحكم الفرض .
ابشع أشكال الشخصنة نجدها عند بحث قضية اجتماعية , وعندما يبدأ المشخصن في استخدام نفسه كبديل عن المجتمع , وبذلك يحول المجتمع الى شخص له تجربته وظروفه الخاصة التي تختلف عن ظروف المجتمع وطريقة تقييم الحالة الاجتماعية , نقول له ان معدل عمر الانسان في هذه البلاد تدنى الى 55 سنة , فيرد هذا خطأ !! فوالدي عاش 82 سنة , أليس والدي انسان أيضا !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى