موت مكتبة نوبل / ممدوح بيطار
ولماذا المكتبات والكتب وطباعتها ثم شرائها ؟ , فلدى شعوب هذه المنطقة كتابا واحدا من حوالي ٦٠٠ صف مطبة حة , وهذا الكتاب الأعجوبة يتضمن نظاما كاملا للحياة ولكل العلوم , حتى علوم الذرة , كما اكد ذلك الدكتور العلامة زغلول النجار , ثم أنه يمكن القول بأن الكتب والمؤلفات بشكل ما زندقة , فان كان مضمون هذه الكتب متوافقا مع الصفحات الستمئة , فلا ضرورة لهذه الكتب التي تمثل انتاجا بشريا لايرقى الى الانتاج الالهي في القرآن , واذا تضمنت هذه الكتب ما يناقض القرآن , فهي عندئذ ممنوعة لكونها مخالفة لكلام الله , اذن دعونا بكتاب واحد ودعونا نقوم بتحفيظه للأطفال ,
انسجاما مع هذا التطور أغلقت مكتبة نوبل في دمشق ابوابها , اذ بوجود القرآن لالزوم لها , طبعا اغلاق آخر مكتبة ابوابها لم يكن دون بديل , والبديل كان الأرصفة المزكرشة بالمئات من الكتب التي يظهر غلافها الخارجي صورا لعنترة او ابو زيد الهلالي أو غيرهم من مشاهير العلم والثقافة العربية الاسلامية ,
اضافة الى ولادة الأرصفة ,ترافق انحسار المكتبات مع تزايد ممارسة التثقيف الشفهي , الذي يمارسه المشايخ في المساجد عبر مكبرات الصوت وعبر المآذن , مصدر الثقافة الشفهية كان كتاب الستمئة صفحة اضافة الى السنة , وما يروج له شفهيا مثل حقائق دينية مطلقة , هنا نسمع ما تقوله الحقيقة المطلقة , التي قضت على زندقة الكتب , تقدم الثقافة الشفهية بثوب المقدس , الذي يغلف كل كلمة ينطق الشيخ بها ,
ينسجم جوهر الثقافة الشفهية مع مفهوم التوحيد الديني , فالثقافة الشفهية تكرس التوحيد الديني , لأن هذه الثقافة تقتصر على نقل رأي واحد واتجاه واحد وحتى مضمون واحد يمثل المرجعية الشفهية , ليس بامكان السامع مناقشة خطيب الجمعة , فما يخطب الشيخ به هو حق وحقيقة لايمكن نقاشها .
بشكل عام يمكن القول اضافة الى ماقيل بأن التداول المعرفي في هذه المنطقة عبر الاتصال الكتابي والثقافة المطبعية تأخر حتى نهاية القرن السادس عشر , وكان في بدايته هدفا للمنع والقمع , حتى طباعة القرآن كانت ممنوعة تحت طائلة العقاب الوحشي , فالسلطان سليم اراد انزال عقوبة الاعدام بمن يمارس الطباعة , لقد كانت الثقافة آنذاك , كما قال مارتن لوثر عن الكنيسة “دار فم ولم تكن دار قلم … مصدر الثقافة كان المواعظ والخطب , التي زودت المؤمنين بكل ما يحتاجونه من ثقافة ومعرفة , فمن يملك القرآن والعلماء وخطبهم ليس بحاجة الى هيجل أو روسو أو جاتن لوك أو أسبينوزا او غيرهم .
انتشار الفضائيات خاصة الفضائيات الدينية بالشكل الكثيف الذي نراه اليوم ليس سوى دلالة على احتكار الشفهي لممارسة مهمة التثقيف , الثقافة الشفهية متفوقة على ثقافة المكتوب بما يخص سهولة نشرها , من نتائج ذلك تآكل استقلالية الانسان الذي يتحول الى ذيل للشيخ , نشر الثقافة الشفهية للجموع يقود الى نشأة الفكر الجمعي, اي الى ولادة القطيع , القطيع المتنصط … الكتاب يفكر او يسمح بالتفكير .. الثقافة الشفهية كخطب الجمعة تأمر , تأمر وتقدم ما يقوله الخطيب بقالب مقدس يقسر ويمنع الاعتراض , وبالتالي يغتصب السامع , الذي لاحول له , الاغتصاب فكري قبل أن يكون جنسي.
لامبالغة في القول بأن مشكلة الثقافة وثقافة الحوار وحوار التفاهم مصابة بخلل المقدس والمطلق والشفهي , كل ذلك يولد العجز والاستسلامية للمقدس الديني , وكل ذلك يؤهل الانسان , الذي تحول الى فرد من أفراد القطيع , لتقبل الديكتاتورية , وبالتالي ممارسة الانتحار السياسي ,موت مكتبة نوبل , آخر مكتبة في دمشق هو مؤشر لموت المخلوق السوري ثقافيا