انهيار تجارة ”التعفيش“ في دمشق / ريّا فارس
قرأت طرفة كتبها أحدهم، يشبّه فيها حال السوريين بحال أهل الكهف، يستيقظون كل يوم ليكتشفوا أن نقودهم قد فقدت قيمتها، لكن ما أصابنا أقرب إلى اللعنة منه إلى الشبه بأهل الكهف، إذ مهما غضضت الطرف عن البضائع ”المعفّشة“ المنتشرة في الأسواق كيفما اتفق، وقلت لنفسك إن امتناعك عن شرائها يكفي لتكون بريئاً من سرقتها، تجد نفسك مرغماً على دفع الفاتورة المستحقة على اللصوص، الذين بتَّ تتعثر بهم في طريقك، وقد تضطر لرد السلام عليهم خوفاً وتقية.
في حارتنا الضيقة افتُتحت أكثر من 10 محلات ابتداءً من عام 2016، تُذكّر بمحلات السومرية قبل نقل كراجات البولمان إلى جانبها في العقد الأول من هذا القرن، ويكمن الشبه في الارتجال الواضح لموقع المحل، ومساحته التي تقتطع جزءاً من الشارع أو الرصيف. ففي البناء المواجه قرر سكان الطابق الأرضي -وهو بناء من طابقين على شارع فرعي- هدْمَ الجدران المطلة على الشارع، لتوسعتها متراً يكفي لتحويل الغرف الأرضية الثلاث إلى محلات، استقبلت على مدى أعوام بضاعة معفشة من الريف الدمشقي، بلدات الغوطة على وجه الخصوص.
المحل الأول لتلميع أدوات المطبخ وصيانة القطع التي عثر عليها تحت الأنقاض، بجواره محل لصيانة الإلكترونيات المعفشة المستعملة، ولف محركات المكنات، وعلى مدى أشهر امتلأ المحلان بركام من الأدوات المختلفة، بانتظار إعادة تجهيزها للبيع. المحل الثالث يختلف لاحتوائه على بضاعة معفشة أيضاً، لكن جديدة، وأسعارها منافسة جداً، تغلب عليها تمديدات كهرباء ومياه، ولوازم دهان منزلية.
أما البناء المجاور فقد بُني على أرض “مشاع” كانت معدّة كحديقة صغيرة للحي، استحوذ عليها مالك الأراضي المجاورة، وبنى خمسة طوابق بسرعة خيالية، وجودة عالية، حتى أن القذيفة الصاروخية التي تلقتها قبل عامين لم تترك أي أثر عليها سوى بعض الشظايا التي خدشت إسمنت المبنى المجاور، والكثير من الغبار في الحارة التي تعج بمواد بناء طوابق المخالفات السادس والسابع والثامن التي حجبت الأفق تماماً عن معظم البيوت المجاورة، ورفدت تقليداً حديثاً بإنارة الطوابق العليا بألوان اللّيد البراقة.
أيضاً خمسة محلات أخرى افتتحت قبل أن يكتمل البناء. قبل تركيب الأبواب، كانت قطع مفروشات عالية الجودة تبيت في محلات على العظم، برسم التداول بين المستفيدين.. نفدت سريعاً، فلم يكن هناك حاجة لتجهيز محل لبيعها. وافتتح محل بيع خضروات قد تكون مما تصادره الحواجز نظراً لأسعارها المنافسة، ومحل تصميم آرمات، واختصاصي حفلات افتتاح محلات، والتي تتطلب دي جي، وليزر، وبنات لزوم الانطلاقة القوية، التي يعقبها بعد شهرين الإغلاق السريع للمحلات، ما لم تكن نوادي بلاي ستيشن، التي صار انتشارها بمعدل نادي في كل حارة، وتحتوي على شاشات وبلاي ستيشن فور، أو شبكة كومبيوتر لألعاب الشبكات. ومعظم المعدات معفشة أيضاً.
في جرمانا أيضاً، افتتح صف ضابط بـ”أمن الدولة” محلاً للأثاث المسروق، وأسماه “وطن” لكن سرعان ما تبددت آماله بالربح وبأن يصبح تاجراً بسبب تراجع الطلب على بضاعته في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي أفقرت الناس ودفعتهم إلى حافة الجوع. يشكو صف الضابط المحبط هذا، انهيار مشروعه ويقول إنه تكبد خسارة فادحة.