القبّار ملاذ اللاجئين في ادلب/ دارين الحسن -ادلب
تتوجه أم أحمد (35 عاماً) مع طلوع الفجر برفقة ثلاثة من أولادها إلى الجبال والكروم والأراضي الزراعية القريبة من مخيم بلدة كللي الذي تقطن به، بهدف جمع أزهار نبتة القبّار (الشفلح) وبيعها والاستفادة من ثمنها في تأمين المصروف اليومي لأسرتها، باعتبارها المعيلة لأولادها الخمسة بعد وفاة زوجها جراء القصف على المنطقة منذ ثلاث سنوات، حيث تجد في هذه النبتة مصدر رزق يكفيهم العوز طوال فصل الصيف.
تعمل أم أحمد في جمع القبّار نظراً لغياب الفرص البديلة التي تساعدها على تلبية احتياجات أولادها ومستلزمات المعيشة، وعن عملها تقول: “هو نبات من خيرات الطبيعة، وليس مملوكاً لأحد، لذلك نعتبر العثور على نبتة مليئة بالثمار بمثابة كنز بالنسبة لنا وكفيل بإدخال السرور إلى نفوسنا، فنبذل قصارى جهدنا في جمع أكثر ما يمكن، وإنهاء العمل قبل أن يشتد علينا الحر”.
وتضيف: “تمتد فترة تزهير القبّار لحوالي ستة أشهر، بدءاً من شهر أيار، حيث نخرج يومياً منذ الصباح الباكر، ونستريح في أوج الحر عند الظهيرة، ثم نعود للعمل في فترة المساء حتى غياب الشمس، ونبيع ما نجمعه للمراكز المعتمدة المنتشرة في المنطقة”.
وتؤكد أن العمل صعب ومتعب، حيث تتسبب قسوة أشواك النبتة بإصابة أصابع أيديهم بجروح وتقرحات، إلى جانب التعرض لمخاطر وجود الأفاعي والحشرات بين شجيراتها، والمشي لمسافات بعيدة بحثاً عن النبتة، لكنها توضح: “العمل والتعب لتحصيل لقمة العيش بكرامة أفضل من الحاجة واستجداء الآخرين”.
الشفلح نبات شوكي له فروع عديدة مغطاة بالأشواك القاسية، ثماره خضراء اللون، وينبت بشكل طبيعي في كافة مناطق شمال غرب سوريا، ويشكل مصدر دخل لأشخاص من ذوي الدخل المحدود في إدلب بسبب ندرة فرص العمل، وخسارة الكثيرين لأرزاقهم في ظل الحرب والنزوح والتهجير.
كما يتخذ الكثير من الأطفال من جني الشفلح عملاً لهم، مستغلين فترة عطلة المدارس خلال فصل الصيف، لمساعدة أسرهم في تأمين مصروف المنزل، أو ادخار بعض النقود لشراء الدفاتر والأقلام وملابس جديدة للمدرسة.
الطفل أسامة الحسون (10 سنوات) نزح مع أسرته من مدينة سراقب إلى مخيم قرية كفريحمول بريف إدلب الشمالي، يعمل في جمع ثمار القبار، “أخرج مع أطفال المخيم بشكل يومي للعمل في جمع حبيبات الشفلح، وأتمكن يومياً من جمع 2 كيلو غرام، لأساعد أسرتي في تأمين ثمن الخبز، وفي نهاية موسم القطاف أجمع ثمن احتياجات المدرسة من عملي أيضاً” يقول أسامة.
ولا يخلو العمل بجمع أزرار القبار من المخاطر في إدلب بسبب التعرض لضربات الشمس، والقصف المستمر، حيث قتل عدد من الأطفال وأصيب آخرون في أوقات سابقة جنوب إدلب أثناء عملهم، بسبب انفجار مخلّفات قنابل عنقودية، أو من خلال استهدافهم بشكل مباشر من قبل حواجز نظام الأسد.
ومؤخراً أصيب 3 أطفال بجروح متفاوتة الخطورة جراء انفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب بالقرب من بلدة النيرب شرق مدينة إدلب، أثناء عملهم في قطف أزهار الشفلح، بتاريخ 18 حزيران/ يوليو من العام الحالي.
أحمد العموري (44 عاماً) من مدينة إدلب، صاحب مركز لشراء القبار يتحدث عن عمله: “كانت نبتة القبار تشكل عبئاً على المزارعين الذين يقومون باقتلاعها من أراضيهم والتخلص منها، ولكن بعد معرفة فوائدها وزيادة الإقبال عليها، باتت تشكل مصدر رزق للكثيرين في ظل الفقر وشح فرص العمل”.
ويضيف: “أقوم بشراء أزهار نبتة القبّار من الأشخاص الذين يعملون في جمعها، ثم أقوم بغربلتها من الأوراق وتنظيفها، وأحفظها في براميل خاصة بإضافة محلول الماء والملح إليها، حتى يأتي التجار المعتَمَدون ويستلمونه مني ثم يقومون بتعليبه أو تصديره”.
أما بالنسبة لسعر القُبّار، فيشير العموري أنه كلّما كبُر حجم الحبة انخفض السعر، ويصل سعر الكيلو غرام الواحد إلى حوالي دولارين.
ويُستخدم القبار في صنع بعض أنواع الأدوية، وقسم آخر لصناعة المخللات، وصناعة التوابل لبعض الأطعمة من أجل إضفاء نكهة طيبة عليها، كما تُعتبر أزهار القبّار من أفضل الأزهار التي يلجأ إليها النحل لإنتاج أفضل أنواع العسل.
إبراهيم الدياب (45 عاماً) طبيب أعشاب من بلدة كفرلوسين بريف إدلب الشمالي، يشرح فوائد هذه النبتة: “يعتبر نبات القبّار في مقدمة النباتات الطبية التي يجب أن يداوم عليها من يحرص على الاستشفاء من أمراض الروماتيزم وارتفاع نسبة السكر في الدم والاضطرابات الكبدية”.
ويضيف: “القبّار بمثابة صيدلية طبيّة علاجية لعدد كبير من الأمراض، منها فقر الدم وتنظيف الكلى وتصلّب الشرايين واضطرابات الجهاز الهضمي، كما أنها تنشِّط وظيفة الطحال، وتساعد البراعم الزهرية في الوقاية من الماء البيضاء في العين، كما أن مستقطر جذور القبار يستخدم في صناعة وتكوين المستحضرات التجميلية، ويفيد في معالجة التهابات الجلد والحساسية”.
حرارة الشمس الحارقة ومخاطر القصف لم تمنع الكثير من أهالي إدلب من التوجه إلى البراري والكروم، لجمع ثمار نبتة القبار، بهدف تحصيل لقمة العيش التي صعبتها الحرب.