عن اشكالية الباطنية السياسية! / ممدوح بيطار
هناك من يتحسس بشدة عند سماعه “مفردة ” الباطنية , المعاكسة في دلالاتها “للظاهرية ” , التي تمتاز الأكثريات المذهبية بممارستها , بالمقابل تمتاز الأقليات المذهبية بممارسة الباطنية , فالباطنية التي نقصدها في معظم الحالات ليست مؤسسة على الدين وعلى العقيدة , انما هي خاصة تصب في عمق الحياة السياسية في البللدان العربية , فالسياسة في هذه البلدان بشكل عام “باطنية” , تعتمد على اخفاء النوايا والمشاريع , لتصبح نوعا من المؤامرة ومن التخطيط السري , الذي لاتتم المصارحة به , أي لاتتم ممارسة الظاهرية به .
البعث كمنهج سياسي أصلا لاديني , امتاز بعد ولادته بنزعة روحانية وبكونه “اسلام” كما أكد عفلق ذلك , البعث العلماني , كما يدعي , يهدف الى بعث أمجاد افتراضية لأمة بلغ سخفها انتظار ظهور المهدي , وبلغ انحطاط عماماتها درجة الالتزام بمفهوم الولاء والبراء , أمة لاتمت بأي صلة الى تنظيرات البعث حول الاشتراكية ثم فصل الدين عن الدولة , من جهة يريدون فصل الدين عن الدولة , ومن جهة أخرى يريدون بعث أمة الدين والدولة من جديد , وبالتالي يضمرون ما لا يظهرون , وهم بذلك من رواد الباطنية السياسية , التي لاتختلف ,من حيث الآلية, عن عجائب المعارضة التي تمارس الباطنية السياسية خاصة معارضة الاخونج , التي ارادت دولة مدنية كأنها دولة روسو أو هوبز , بعد جهد أفصحوا عن معالم هذه الدولة ثم اعترفوا (محمد عمارة) انها دولة مدنية بمرجعية اسلامية , أي أنها دولة اسلامية , الآن يريدون دولة المواطنة , وعلى السؤال ماهي علاقة هذه الدولة بالشريعة لايجيبون , معظمهم يختبئ في هذه الحالة خلف نوع مشوه من الديموقراطية , التي يترجموها بالصندوق , سبب لجوئهم للصندوق مؤسس على اعتقادهم بأن كل مسلم هو اخونج , وبذلك ستأتي الصناديق بالموافقة والرغبة في اقامة دولة اسلامية , والأغلبية هنا حسب تقديرهم تتراوح بين ٦٠ الى ٧٠٪ من أصوات الناخبين السوريين ,
على المستوى الفكري المسلكي نجد أشكالا مفزعة من أشكال الباطنية , هناك الاسلامي الذي يشتم داعش بدون انقطاع , الا أنه يصفق لانتصارات داعش على الأرض , وليس هذا فقط , انه يعتبر نفسه ثوري ويفخر بذلك , لأن الثورية تضعه في مصنف الأحرار المناضلين من أجل الحرية والديموقراطية ضد الاستبداد والديكتاتورية , الا أنهم في نفس الوقت مجاهدين , يجاهدون في سبيل الله ورسوله والاسلام وليس من أجل الديموقراطية والحرية , ويرفعون الرايات والشعارات الدينية , وبذلك يصنعون مشهدية شديدة التعقيد , فما هي علاقة الديموقراطية بالاسلام ؟؟ وهل يمكن للدولة الاسلامية التي يحلمون بها تحقيق شروط الديموقراطية ؟ , وهل كانت الكيانات الاسلامية التي سميت مؤخرا “دولة ” ديموقراطية , وهل ابدع الخلفاء بتوريثهم السلطة ديموقراطيا ومدنيا أو علمانيا ؟ لقد برهنت الأحداث والتطورات على أن الاسلامي حقيقة هو داعشي بامتياز , وأنه مؤهل لاستخدام السكين والساطور في أي وقت عند الحاجة , الا أنه شاتم لداعش أيضا بامتياز ….هل يعبر شتم داعش في هذه الحالة عن معارضة لداعش ؟ او عقابا لداعش لعدم تمكنها في الانتصار وضمان استمرار وتوسع الخلافة؟؟؟
الباطنية في موسوعة الاسلام لمحمود عكام هي وصف للفئة التي تقول بوجود معنيان للنصوص الدينية , المعنى الأول يفهمه الناس لغويا , والثاني باطني لايفهمه الا من انتقاهم الله لهذه المهمة , مايعرفه هؤلاء لاتعرفه عامة الشعب, تعميما يمكن القول بأن جميع التيارات السياسية في سوريا ما هي إلا تيارات محافظة غيبية ,تؤمن بأن هناك ذاتاً عليا تلقي اليهم بالارشادات , وتجعل منهم نوعاً من الخاصة, كفرقة ناجية….. ,أوصفوة تستثمر الآخرين مؤقتاً ريثما تصل إلى السيطرة عليهم, وبعد ذلك فلكل حادث حديث .
الباطنية ليس دينية حصرا , لابل يمكن القول بأن الباطنية الدينية أقل ضررا من الباطنية السياسية , وأقل انتشارا من الباطنية السياسية ,حتى أن معتقدات الباطنية الدينية لم تعد بتلك الأهمية التي تملكها الباطنية السياسية, ولم يعد لها ذلك التأثير على حياة الناس , الا من ناحية واحدة وهي ناحية الامام المعصوم الذي يوازي النبي من حيث العصمة ومعرفة الحقيقة , ويوازي الديكتاتور المتأله المعصوم عن الخطأ والعارف بحقائق الحياة.
لابد هنا من التنويه بأن مقاربة الباطنية السياسية مع الباطنية الدينية , تعتمد على الشكل المبسط جدا والعملي للباطنية الدينية , التي تتضمن من المفاهيم أكثر بكثير من مفهوم الامام المعصوم , هناك عدد كبير من مفاهيم الباطنية الدينية التي لم يعد لها تأثير يستحق الذكر على البشر الذين يعيشون في اطار الدولة السياسية , التي عليها اعتماد الشفافية في ادارة البلاد , فالشفافية هي العلاج النوعي للباطنية السياسية .