“رفعت الأسد” عودة الوحش إلى غابته/ سامر السليمان
أشرفت قوات رفعت الأسد في ثمانينات القرن المنصرم على مجازر حماة وسوريا، وسجن تدمر المشينة. الذاكرة السورية مليئة بتلك المجازر وبالخوف من الحديث حولها. فحينها أيضاً، جاهر “القائد اليساري” بعدائية بالغة إزاء المحجبات، وحاول نزع أحجبتهم عن الرؤوس في شوارع دمشق، ونُقِلَ عنه أنه يعادي الطائفية والسنّة! خرج رفعت من سوريا ليس لأنه ارتكب المجازر ونهب ثروات مدن سورية كثيرة وانتهك الأعراض، بل لأنه نافس أخاه على الحكم، وقد اشتد به مرض، وجاهر بطموحه للرئاسة، وكافأه على أفعاله بتنصيبه نائباً للرئيس. لم تكن مشكلة حافظ مع أخيه بسبب تجبره وانتهاكاته والتي طالت المجتمع السوري بأكمله، بل لتطاوله على تاج رأسه وسيده حافظ الأسد، وتهديد مستقبل عائلة الأخير. الأخير كان يعدّ ابنه البِكر للحكم من بعده، وهذا ربما ما دفعه للإتيان بباسل، حينما هدّد رفعت بأن يكف عن مغامراته وسعيه للسلطة، وساعدته والدته وأخوه جميل. سوريا لزعيمٍ وحيدٍ، وهي لأسرته من بعده.
تقول بعض التقارير إن هناك صفقة تمّت، بين أجهزة استخباراتية أوروبية وأجهزة النظام السوري، وبشروطٍ محددة من الأخير ليُسمح له بالعودة
رغم دوره الكارثي في مواجهة الإخوان المسلمين في أزمة الثمانينات، وبقائه أكثر من أربعين عاماً في أوروبا، وقيامه بمشاريع كثيرة هناك، يستغرب المرء لماذا لم يتصد له الإخوان، وهم الراسخون في بريطانيا وأوروبا، بقضايا أمام المحاكم نظراً لدوره في المجازر، ونظراً لمعرفتهم الأكيدة بمسؤوليته فيها. رُفعت عليه دعاوى هامشية في 2016، والآن عاد إلى سوريا بعد أن حُكم عليه بدعاوى تتعلق بتهرب ضريبي وبنهب للخزينة السورية وبدعاوى بسيطة كعدم إعطائه أجور العاملات لديه. هنا طبعاً، يتساءل محللون كثر، وباندهاشٍ كبير، كيف تسمح فرنسا وأوروبا، حيث الدعاوى عليه في إسبانيا وفرنسا، أن يغادر “الحرامي” بلادها، وعبر مطارها. وتقول بعض التقارير إن هناك صفقة تمّت، بين أجهزة استخباراتية أوروبية وأجهزة النظام السوري، وبشروطٍ محددة من الأخير ليُسمح له بالعودة. الصحيفة المقربة من النظام السوري “الوطن” أكدت أنه عاد بترفعٍ رئاسي عن سيرته “المعارضة” للحكم، ولم تتحدث عن صفقةٍ مالية، لن يظهر تفاصيلها أبداً للإعلام، وبالطبع لن تدخل الأموال إلى خزينة الدولة السورية؛ والتي خرجت أصولها بصفقة نفيه 1984، وأفرغت حينها الخزينة، ودفع القذافي وسواه الكثير للرجل. المحللون الأن يُجمِعون، أن تفاصيل عودة الوحش ستتكشف في المستقبل، فهذه الصفقات القذرة عادة ما تظل حبيسة الأجهزة أو شخصيات بعينها..
عاد الرجل، وقد تجاوز الثمانين من العمر، وبالتالي ليس من مستقبلٍ سياسي له. ليس ذلك ممكناً ولو رغب بالعمل السياسي، أو رغب نظام بشار الأسد بتوظيف خبراته الثمينة في إدارة أزمة الحكم. عدا كل ذلك، فخسارات النظام من الجيش وأجهزة الأمن تمنعه من الاستمرار بحكم سوريا، فكيف سيسمح لرجلٍ بمشاركته الحكم وطموحه ليس بأقل من الرئاسة، ومن هنا حاجة النظام ورئيسه المستمرة لإيران وروسيا معاً، وليس لواحدة منهما. قضايا الجنرال رفعت هذا، يُفترض أن تظلّ على قائمة المحاكم العالمية، وستكون أمام القضاء السوري حينما يصبح مستقبلاً في الأعوام المقبلة.
هناك من يرى أن جرائمه بحق السوريين منذ ستينيات القرن الماضي، تغفر له عند النظام هناته “المعارضة”. الحقيقة هذه ليست بحجة لعودته، فهي تصور النظام وشخصياته الأساسية وكأنهم يرأفون أو يمتلكون حساً إنسانياً ما؛ لا أبداً القضية تكمن في صفقة مالية، والنظام أحوج إليها، وقد تقطعت به السبل عن النهب، واستدعاء الأموال الخارجية، وهنا، لا بد أن روسيا والغة بهذه الصفقة، فهي الحاكم بأمره في دمشق.
رفعت الأسد أصبح من الماضي، وحتى حضوره في الطائفة العلوية لم يعد بمستحبٍ، ثم إنّ النظام الحالي نافسه في الجرائم والمجازر وكل أنواع البشاعات. القضية تكمن هنا، في أن للرجل تاريخا قذرا لدى فئات كثيرة من الطائفة بالذات، وعاد دون مجدٍ، وبمالٍ قليل، وبعمر هرم، وبالتالي لن يكون مركز إجماع من جديد سيما أن الشخصيات القوية في السلطة لا تلعب بقضية من هذا القبيل. الرجل سيكون حبيس فللٍ، وبمتابعة أمنية دقيقة، ولهذا قيل لن يكون له أي دور سياسي أو حتى اجتماعي في سوريا.
في سوريا ليس من رؤوس حامية إلا رؤوس عائلة حافظ الأسد، والآن دخلت سيدة الياسمين على الخط
يعلم رجال السلطة السورية من أين يؤكل الكتف. فلقد استقبلت يتامى كثرا لصدام حسين بعد 2003، ونهبتهم، وبالأخير طردتهم، أو سلمتهم للحكومة العراقية، والأمر ذاته يمكن أن يتكرّر مع رفعت الأسد في حال تشدّدت إحدى الدول الأوربية بطلبه. رفعت الأسد الآن عبارة ورقة جديدة لدى السلطة السورية، وليس ورقة لمحاصرتها أو لتقديم تنازلات من أجل عدم سجنه في فرنسا!
في سوريا ليس من رؤوس حامية إلا رؤوس عائلة حافظ الأسد، والآن دخلت سيدة الياسمين على الخط. السلطة تتكثف هنا فقط، وحتى رامي مخلوف أو طريف الأخرس تمّ إبعادهما أو تهميشهما، واستبدلا بمافيات جديدة، ولكنها أيضاً وفي أية لحظة يمكن التخلص منها. وبخصوص رفعت، وفي حال رغب الخروج عن الطاعة، أو توهم أنه يستطيع العودة سيداً في الغابة، فلن تكون قيمته أكثر من عدّة رصاصات، لطالما انتحر بها قادة كثر من النظام: غازي كنعان مثلاً.