الوطن

أرامل الحرب في إدلب ..بين غياب المعيل وصعوبات العمل/ دارين الحسن – ادلب

خسرت الكثير من الأسر السورية سندها ومعيلها جراء الحرب بين قتيل أو معتقل أو مصاب، لتأخذ المرأة دور المعيل وتتحمل مسؤولية الإنفاق على المنزل والأولاد، تعاني من ﺿﻐﻮطات ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻳﺔ ﻭﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻋﺪّﺓ، ﻓﻲ ﻇﻞّ ﺿﻌﻒ ﺍﻟﺪﻋﻢ ﺍﻟﻤﻘﺪّﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ الإغاثية ﺍﻟﻤﻌﻨﻴﺔ .
فاطمة الكريدي (29عاماً) من معرة النعمان فقدت زوجها جراء غارة حربية على المدينة منذ بداية عام 2019، ﻭﻫﻲ ﺗﻌﻴﺶ ﻣﻊ ﺃﻃﻔﺎﻟﻬﺎ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ﻭﻭﺍﻟﺪﻳﻬﺎ في خيمة صغيرة ﻣﻨﺬ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ سنتين، ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻧﺰﺣﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻳﻒ ﺍﻟﺠﻨﻮﺑﻲ ﻫﺮﺑﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺼﻒ، ﻭﺳﻂ ﻇﺮﻭﻑ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﺻﻌﺒﺔ ﺟﺪﺍً، فهي ﺗﻌﺎﻧﻲ ﺍﻷﻣﺮَّﻳﻦ لتؤمن نفقات أولادها الأيتام .
تتحدث الكريدي لسوريا بيتنا بالقول: “فقدنا بموت زوجي السند والمعيل، ومنذ ذلك الوقت بدأت أبحث عن عمل دون جدوى بسبب انتشار البطالة، واقتصار فرص العمل على النساء المتعلمات .”
تبين الكريدي أنها تعاني أيضاً من ضغوطات اجتماعية جراء نظرة المجتمع للأرملة، وعن ذلك تقول:” ﻳﻜﻔﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺯﻭﺝ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻏﺎﺋﺒﺎً ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻮﻛﻬﺎ ﺍﻷﻟﺴﻦ، وهذا ما دفعني للعيش مع والديّ، كذلك أعاني من ﺗﺮﺑﻴﺔ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻭﺿﺎﻉ ﺍﻟﺼﻌﺒﺔ .”
تشير الكريدي أنها كانت تتردد إلى مقر إحدى المنظمات الإغاثية للحصول على المساعدات العينية والمواد الغذائية، ولكن تمادي أحد المسؤولين معها محاولاً التقرب منها، ومهدداً بانقطاع الدعم عنها جعلها تعزف عن تلك المساعدات، والاكتفاء بما تحصل عليه من مبالغ مالية من إخوة زوجها بين الحين والآخر .
ﻣﻦ ﺟﻬﺘﻬﺎ مروة الحاكورة (33عاماً) من مدينة إدلب فضلت العمل بمبلغ زهيد على المكوث في المنزل، وذلك لإعالة أبنائها الخمسة بعد اختفاء زوجها وعن ذلك تقول: “زوجي سائق حافلة، فقد أثناء سفره إلى مدينة حلب لجلب البضائع، وبعد ذلك وجدت نفسي مع أطفالي في مواجهة ظروف حياة قاسية تزيد الحرب من وطأتها .”
تشير الحاكورة إلى أنها بحثت عن عمل تعول به أطفالها، وبعد معاناة مع الفقر والحرمان قبلت بالعمل كمستخدمة في مركز فريق تطوعي بأجر زهيد لايتعدى مبلغ 50 دولار شهرياً، لكنه يظل أفضل من لا شيء “بحسب وصفها” .
وعن ذلك تضيف: “ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺃﻣﺎﻣﻲ ﺳﻮﻯ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ ﺑﺄﻱ ﻋﻤﻞ، حتى لو أن أجره ﺯﻫﻴﺪ ﺟﺪاً ﻻ ﻳﻜﻔﻲ ﻟﺘﺄﻣﻴﻦ ﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺟﺎﺕ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻌﺎﺋﻠﺘﻲ، ﻟﻜﻦ ﻛﺎﻥ ﻫﻤﻲ ﺃﻥ ﺃﺟﻠﺐ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺨﺒﺰ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﻗﻞ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻗﻠﺔ ﻓﺮﺹ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻭﺍﺭﺗﻔﺎﻉ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﺒﻄﺎﻟﺔ، ﻭﺍﺣﺘﻜﺎﺭ ﺍﻟﻤﺴﺎﻋﺪﺍﺕ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﻭﺃﻗﺎﺭﺑﻬﻢ .”
الهجران والحياة المعلقة هو مصير أم علي (30عاماً) من مدينة خان شيخون، حيث تخلى عنها زوجها بعد زواجه من امرأة أخرى وعن ذلك تقول: “عشت مع زوجي الفقر والحرمان، ورضيت بهما على أمل أن تتحسن الظروف والأحوال، ولكن بعد انتساب زوجي للقتال في إحدى الفصائل المقاتلة، كثر المال بين يديه، وﺗﺨﻠﻰ ﻋﻨﻲ ﻭﻋﻦ ﺃﻃﻔﺎﻟﻪ ﻭﻟﻢ ﺃﻋﺪ ﺃﻋﺮﻑ ﻋﻦ ﺃﺧﺒﺎﺭﻩ ﺷﻴﺌﺎً، وﺃﻭﺍﺟﻪ ﻗﺴﻮﺓ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻭﺣﺪﻱ ﻻ ﻣﺎﻝ ﻻ ﻋﻤﻞ .”
كذلك زوجات الجرحى والمصابين لسن أفضل حالاً، حيث أن عدد كبير من الرجال تعرضوا للبتر أو الحرق أو غيرها من الإصابات جراء الحرب المستعرة منذ سنوات، مما جعل مسؤولية تأمين نفقات المنزل والأولاد يقع على كاهل النساء .
عائشة الحمدو (35عاماً) من ريف سراقب أم لطفل وطفلة، تعرض زوجها لبتر قدمه جراء غارة حربية، لكنها استطاعت أن تكمل دراستها وتجد لنفسها عملاً لمساعدة أسرتها، توضح ذلك قائلة: “كانت المعاناة سبباً في اكتشاف إمكاناتنا، ودافعاً للنجاح، فعندما أصيب زوجي قررت أن أفعل شيئاً لمساعدة أسرتي، ثم بدأت بدراسة الثانوية العامة، وبعد نجاحي انتسبت لجامعة إدلب، وبدأت أدرس الأطفال في مدرسة المخيم الذي أقطن به في مدينة سرمدا الحدودية، وأحصل على مردود كريم يكفينا العوز والحاجة .”
المرشدة الاجتماعية نورة الشحنة من مدينة إدلب تتحدث عن معاناة النساء المعيلات بالقول: “رغم ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﺒﺪﻳﻪ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺤﻴﻂ ﻣﻦ ﺗﻌﺎﻃﻒ مع ﺍﻷﺭﻣﻠﺔ، فذلك ﻻ ﻳﻌﻔﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮﺓ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﻳﺔ، ﻓﻔﻀﻼً ﻋﻦ ﻓﻘﺪﺍﻥ شريكها ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﻴﻌﻴﺪ ﺻﻴﺎﻏﺔ ﻭﺍﻗﻌﻬﺎ، ﻓﻴﻔﺮﺽ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺗﻤﻨﻌﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻭﺍﺝ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ﺃﻭ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ إﻟﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﺇﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﻋﻼﻗﺘﻬﺎ ﺑﺄﻫﻞ ﺍﻟﺰﻭﺝ ﻭﺗﺒﻌﻴﺘﻬﺎ ﻟﻬﻢ.
وتؤكد الشحنة أن ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻟمعيلات يعانين ﻣﻦ ﺍﻧﺘﻬﺎﻛﺎﺕ ﻟﺤﻘﻮﻗﻬﻦ ﻭﺳﻮﺀ ﺍﻟﻤﻌﺎﻣﻠﺔ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻛﻔﺎﺣﻬﻦ ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺇﻋﺎﻟﺔ ﺃﺳﺮهن، حيث ﻳﺼﺒﺤﻦ ﻋﺮﺿﺔ ﻟلاستغلال وقسوﺓ ﺃﺭﺑﺎﺏ ﺍﻟﻌﻤﻞ، ﺧﺎﺻﺔ ﺑﻌﺪ ﻭﻓﺎﺓ ﺍﻷﺯﻭﺍﺝ ﺃﻭ ﺍﺧﺘﻔﺎﺋﻬﻢ .
تحاول الكثير من النساء المعيلات إيجاد فرصة عمل كضرورة للبقاء على قيد الحياة، لكن جهودها تتعثر بتحديات وعوائق كثيرة، يتصدرها الإطار الاجتماعي الخانق والنزعة الذكورية، وليس انتهاءً بتبعات الحرب الدائرة في البلاد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى