البدوية وثنائية العمل-الانتاج / ممدوح بيطار
البدوية التي أتت مع الاحتلال العربي الاسلامي كانت بفعل التعريب القسري دينا ولغة وتقاليد الملهم الرئيسي ثقافيا لشعوب بلداننا ,البدوية ليست مسؤولة عن جهلها وتخلفها وعقمها الفكري , وليست مسؤولة عن ضعف التواصلية في الحياة البدوية , والتي ان وجدت كانت بشكل ممارسة العنف تجاه الآخر ثم سلبه ونهبه , تفاعل البدوية مع الغير كان تفاعل قنص غنائم , وكيف للبدوية ان تعتاش دون قنص وسلب ونهب ؟, فهل بامكان الصحراء انتاج بيئة زراعية من معالمها ثنائية العمل -الانتاج,الزراعة والعمل في الزراعة والعيش من منتجات العمل في الزراعة كانت الوسيلة الوحيدة القادرة على القضاء على ترحالية البدوية وتحويل البدو الى حضر,
اختلفت البلاد التي سميت بحق الهلال الخصيب عن الصحراء , اذ كانت هناك حياة حضر وحياة استقرار, وذلك لامكانية العمل في الزراعة , وتوفر ظروف التطبيق لثناية العمل -الانتاج , الا أن الاحتلال العربي الاسلامي الجزيري , الذي لم يكتف بالمعاقل وانما شمل العقول وطبعها بالطباع التي جلبها معه , حول هذه الشعوب الى بدو بدون صحراء , ولا يزال حال التبدون مهيمنا لدرجة ليست بالقليلة على شعوب الهلال الخصيب , فشعبنا لايعمل وينتج بما فيه الكفاية وانما يسرق عن طريق الفساد بما فيه الكفاية , أو ماهو فائض عن الكفاية, أي انتاج الاثراء عند الأقلية الى جانب انتاج الجوع والفقر عند الأكثرية العظمى من ابناء هذه البلاد المتبدونة خلقا وأخلاقا على أرض لاتمت للصحراء بصلة.
يتضمن العمل في الارض وزراعتها بحد ذاته كل التمارين اللازمة لتشكيل المهارات واكتسابها بخصوص الحركة والتفاعل ورد الفعل والتجاوب والتلاؤم والانسجام والتتبع والبحث والتقصي والاستنتاج وصياغة الافكار والابداع والتمييز والابتكار والبرمجة والتخطيط والمطابقة والتقاطع والمنطق والجدل والحوار والتخمين والاستقراء والقياس والكثير من قدرات الدماغ الذهنية اللتي تشكل عناصر الوعي والفهم والمنطق ومنظومة الذكاء عند الانسان , لينطلق بهذه القدرات كسلاح له في معركته وجهوده من أجل الحياة..حياة أفضل !,ولكي يحقق بها النجاح ,متمثلا بتطوره الحضاري في كافة المجالات , كل ذلك توفر لشعوب الهلال الخصيب , ولم يتوفر للبدو الرحل , لأنهم لم يتمكنوا من التحول الى مجتمع زراعي .
هيمنة القوة العضلية الضرورية من أجل الانتصار في التحارب حول فلسفة حياة هذه الشعوب الى اتجاه “الحماية” بدلا من اتجاه “الرعاية” , القوي يحمي مصالحة بعضلاته , ولا يناسبه مبدأ الرعاية المؤسس على توزيع الحماية على الجميع وبالتساوي , فلطلما هنا تباين في العضل سيكون هناك تباين في حماية المصلحة الفردية.
البيئة والطبيعة والظروف تفرض على الانسان تطورا منسجما معها , فطبيعة الترحال غير مؤهلة لخلق جماعات كثيفة في تواجدها , والكثافة تفرض بعض معالم الحياة المدنية من حيث التعليم والتواصل وتبادل الخبرات, ثم احترام تنوع الناس واختلافاتهم وتنوع أهدافهم ونمو مقدراتهم الاجتماعية ..كل ذلك لم يكن متوفرا للبدو , الذين انسجموا قسرا مع بيئتهم وظروفها ,ولكنه كان متوفرا لشعوب بلاد الشام , بالرغم من ذلك تحولت هذه الشعوب بفعل التطبيع المزمن الى بدوية بعقليتها ومسلكيتها .
لاتسمح بيئة الصحراء وما تفرضه على الانسان من قسريات ولادة فكر وحضارة وتطور , لذا تفرض هذه البيئة الغير قابلة للتغير مبدأ صلاحية اعرافها لكل زمان ومكان , فالصحراء بالنسبة للبدوي هي في كل مكان , القنص البدوي هو سلوكية طبيعية عنده , انه “المهنة ” التي قادت الى بلورة مفهوم الحق البدوي , فكل مايقتنصه البدوي هو حقه حلالا زلالا له , القنص والعضل هو المسؤول عن انتاج مفاهيم الارهاب المؤسسة على قطعية الحق وعلى قطعية امتلاك الحقيقة , فمن يشعر بامتلاكه للحقيقة لايتمكن من انشاء حضارة , لأن التفاعل هو أصل وأساس بناء منظومة حضارية , ومن يملك الحقيقة لايتفاعل مع الغير ولا حاجة له بالتفاعل مع الغير , ظروف الحياة البدوية تسمح باقامة منظومة العشيرة والقبيلة وديكتاتورية رأس القبيلة , وما نراه الآن في هلالنا الخصب المتبدون ليس الا ديكتاتوريات على مقاس وشكل زعامة القبيلة.
انتقال العقلية البدوية الى بلادنا المؤهلة أصلا لبناء حضارة , كما كان الحال قبل قدوم البدوية , هو المؤسس للجمود والتأخر والانسداد والقطعية والتعصب والفساد والعنف..الخ , البدوية هي استعمار لايمكن ترحيله بقرار أو مرسوم أو فرمان أو بالبندقية ….لابد هنا من التصدي للجهل ولا بد من التنوير , كما أنه لابد هنا من التنويه الى وجود بداية ملحوظة ومفرحة لفك “عقدة ” البدوية , هناك تطور ليس بالقليل في هذا الخصوص , هناك رفض ليس بالقليل للثقافة البدوية التقليدية , التي تتلقى الضربات من مختلف الجهات .. الأمل بمستقبل مشرق كبير …!