الوطن

الرعاية الصحية ضحية الحرب والمرأة تدفع الثمن/ جهان الخلف

أصبحت الرعاية الصحية في سوريا ضحية الصراع المستمر منذ سنوات. حيث شكلت الأزمة السورية واحدة من أكبر وأعقد الكوارث الإنسانية على مستوى العالم، بعد أن كانت سوريا تتمتع بأفضل مؤشر صحة في منطقة الشرق الأوسط. هذا ما جاء في بيان منظمة الصحة العالمية والذي أشار إلى تدهور الخدمات الصحية وتأثر وصول المدنيين إليها بشكل خطير.

“خلال الحرب تزايد عدد الهجمات على المرافق الصحية. أكثر من 50٪ من المرافق الصحية بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية لا تعمل. بالإضافة إلى ذلك، فإن 75٪ من المهنيين في مجال الصحة، بمن فيهم المتخصصون اختصاصات عالية مثل أطباء البنج والجراحين غادروا البلاد، وتحولت المستشفيات “من ملاذات آمنة للسوريين إلى أماكن يخشون دخولها”.

مستوى الرعاية الصحية في انخفاض مستمر
استنزفت سنوات الحرب المنظومة الصحية في أنحاء سوريا، مع دمار المستشفيات ونقص الكوادر الطبية، كما أسهمت عمليات النزوح الجماعي للسكان في تقليص عدد العاملين المؤهلين في المجال الطبي داخل سوريا وغادر حوالي 70 في المئة من العاملين في القطاع الصحي البلاد، بصورة هائلة. وهو ما أدى إلى شلل كبير في قدرة البلاد على مواجهة فيروس كورونا المستجد. ففي إدلب وحلب على سبيل المثال لا تتجاوز نسبة العاملين في مجال الرعاية الصحية لكل 10. 000 شخص 26% وفي محاولة لتعويض النقص، يضطر العاملون في هذا المجال للعمل أكثر من 80 ساعة في الأسبوع.

استهداف المرافق الصحية
“المنشآت كافة تحت خطر الاستهداف بأي لحظة، وأثبتت السنوات السابقة، ألاّ احترام للقانون الدولي الإنساني، وتعيش الكوادر الطبية بحالة توتر دائم نتيجة هذا الأمر، خصوصاً أنّ معظمهم قد تعرّض للقصف سابقاً”.

أحصت الشبكة السورية لحقوق الإنسان استهداف 67 منشأة طبية في شمال غرب سوريا منذ 26 أبريل/نيسان 2019، من قبل الطيران الروسي وحلفائه ودعا مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني إلى حماية المدنيين ووقف قصف المراكز الطبية، مشيرا إلى أن التقارير والإدانات لن تجدي نفعا، وسوف يستمر ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب بحق السوريين.

في سوريا وحدها وثقت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، من خلال خريطة الاعتداءات على الرعاية الصحية في سوريا، أكثر من 360 هجمة على 250 منشأة طبية، ومقتل 873 من الطواقم الطبية منذ بداية الصراع، ما وصفته المنظمة بالتدمير الممنهج.

وبالرغم من وجود قوانين ومعاهدات دولية تدعو لحماية العاملين في مجالِ الرعايةِ الصحيةِ، إلا أنها للأسف الشديد لا تُراعَى ولا تُحترَم ونتيجة لكل هذا التجاوزات لن يكون بوسع منظمات الإغاثة الإنسانية العمل في بؤر الصراع إن استمر استهداف المرافق الصحية كما هو عليه الحال الآن“.

المرأة في الدفاع المدني ودورها في التوعية الصحية
اضطرت المرأة السورية للانخراط في مجالات عمل جديدة لم تكن تعمل بها من قبل، منها الانضمام إلى قطاع الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) لمشاركة الرجل في عمليات إنقاذ وإسعاف الجرحى والمصابين. واجهت المتطوعات في الدفاع المدني رفضاً كبيراً من قبل المجتمع، وبسبب خصوصية المرأة، فإن المتطوعين الذكور لا يأخذون مكان المرأة في حالات الإسعافات الحرجة.

ولكن مع مرور الأيام تغيرت تلك النظرة نتيجة ما قدمته المتطوعات من أعمال إنسانية، حيث حظين لاحقاً بالاهتمام الكبير والإقبال على عملهن من قبل المجتمع.

فاطمة عبيد منسقة تواصل المراكز النسائية في الخوذ البيضاء حدثتنا عن دور الدفاع المدني في التوعية الاجتماعية من مخلفات الحرب، والعمل بالإمكانيات المتاحة رغم المخاطر التي تتعرض لها مراكزه جراء استهدافها بالقصف باستمرار، وغياب الدعم ونقص المعدات الطبية.

تضيف فاطمة: لا يختلف دور المرأة عن دور الرجل في المجال الطبي بسبب الحاجة الماسة للكوادر الطبية المؤهلة في ظل القصف والمعارك الدائرة وخلو ﺍﻟﻤﺸﺎﻓﻲ من الكوادر الطبية الكافية، ﻣﺎ يحول دون إسعاف جميع المصابين في الوقت المناسب والسرعة القصوى.

التقينا زهرة دياب، منسقة مراكز النساء بالدفاع المدني السوري التي قالت: إن عمل المتطوعات في الدفاع المدني هو الاستجابة في حالات القصف بالإضافة للخدمات الطبية الاعتيادية متل قياس الضغط وتحليل السكر والضمادات وأغلب المستفيدين منها من النساء إضافة إلى الأمومة والكشف المبكر عن سرطان الثدي، كما نقوم بتقديم الإسعافات الأولية، تغيير الضمادات للنساء اللواتي تعرضن لإصابات وحروق نتيجة القصف والحوادث المنزلية ونقل المرضى المصابين بفشل كلوي إلى مراكز غسيل الكلى.

تضيف السيدة زهرة: تواجهنا بعض الصعوبات التي تعيق عملنا، خاصة أن تطوع المرأة السورية في مجال الدفاع المدني ظاهرة جديدة على المجتمع السوري وهم معتادون على الصورة النمطية للمرأة، ومن خلال عملنا وتفانينا واجتهادنا استطعنا التغلب على هذه الفكرة.

أضافت زهرة منسقة مراكز النساء: إن القصف الممنهج لمراكز الدفاع المدني يعتبر من المخاوف الي تعاني منها النساء بالرغم من أننا نحاول التغلب عليها من خلال تقصي الوضع الأمني بشكل دائم بما يضمن سلامة المتطوعات. ونتيجة ضعف قطاع الصحة ونقص الدعم والقصف المستمر وأزمة كوفيد 19 كنا أمام صعوبات كبيرة وضغط هائل.

أزمة كورونا زادت الطين بلة والنساء يتحملن العبء الأكبر
كشف تقرير جديد للجنة الإنقاذ الدولية (IRC) حجم الدمار الذي خلفه عقد من الهجمات على المرافق الصحية في سوريا، ما أدى إلى شلل كبير في قدرة البلاد على مواجهة فيروس كورونا المستجد. وتشير تقارير مؤسسات دولية إلى أن النساء يتحملن الكثير من الأعباء خلال فترة أزمة فيروس كورونا، الذي جاء ليزيد الوضع سوءاً، “إن ذلك يضع النساء تحت ضغط كبير، فغالبية من يعملون في القطاع الصحي من النساء ما يعرضهن لخطر أكبر. معظمهن أمهات ومقدمات الرعاية لأفراد الأسر، فهن يواصلن تحمل عبء الرعاية، الذي هو في الأوقات العادية مرتفع بشكل غير متناسب” فطبقاً لتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة فإن “النساء يشكلن 70 في المئة من العاملين في الخطوط الأمامية في القطاع الصحي والاجتماعي”.

دورهم يقتصر في أزمة كوفيد 19 الذي يصيب نسبة كبيرة من الحوامل على التوعية كما تقول عاصي وهي قابلة قانونية: وأحياناً يقومون بتوزيع الكمامات المصنوعة محلياً أو تقوم منظمات صغيرة بصناعتها محلياً، وبالنسبة للمعقمات والصابون فهي تأتي بكميات محدودة وغير كافية ما يضطر المرضى للجوء إلى الحجر في المنازل.

قالت زهرة (منسقة من عناصر الدفاع المدني): إن المراكز الطبية تقدم التوعية الصحية الخاصة بالنساء مثل كوفيد-19 والاستجابة للرعاية المنزلية للنساء المصابات بكوفيد-19 هذه من الخدمات التي تقدمها المراكز النسائية التابعة للخوذ البيضاء.

خدمات الرعاية الصحية الأولية المقدمة للنساء
تحدثنا مع عاصي وهي قابلة قانونية في إحدى المشافي بمنطقة عفرين عن أهم الخدمات الصحية المقدمة للنساء في المراكز الطبية والمشافي فقالت: إن التركيز على موضوع تنظيم الأسرة بكل أنواعه والتوعية بموانع الحمل بأشكالها وأنواعها كافة من حبوب ولوالب وإبر من أولويات برامج التوعية التي تقوم بها المستوصفات والمشافي المدعومة من قبل المنظمات بالإضافة لمراقبة الحامل من بداية الحمل حتى الولادة. إضافة للتوعية الصحية التي تلي عملية الإنجاب من مباعدة المسافات بين الولادات إلى الإرضاع الطبيعي، ونحاول الابتعاد عن الإرضاع الصناعي إلا في حالات الضرورة القصوى بسبب الظروف الاقتصادية للعوائل من نزوح ولجوء وعدم توفر الحليب الصناعي بشكل دائم ومستمر ولكن حالات القصف والاستهداف المستمر تؤدي أحياناً إلى جفاف حليب الأم بالإضافة للحالات النفسية من فقدان زوج أو أخ أو نزوح وغير ذلك.

قالت نور حاج عبدو وهي فنية تخدير تعمل في إحدى مشافي إدلب: إن الخدمات التي يقدمها المشفى تتوزع بين توعية المرأة بضرورة اتباع تعليمات تنظيم الأسرة وخاصة في الظروف الحالية من نزوح وتهجير وفقدان للأمن وضعف الحالة الاقتصادية، ونحاول تقديم الخيارات الممكنة في مجال تقديم خيارات تنظيم الأسرة بهدف التوعية بهذا المجال كما أننا نقدم الرعاية للمريضات بمجال رعاية الأسرة مثل مراقبة الإباضة أو مشاكل الإنجاب ومواضيع الإجهاض المتكرر وأسبابه وتأخر الإنجاب بسبب صغر السن ومتابعة المريضة التي تحمل زمرة دم سلبية بإعطائها حقنة Anti (زمرة) حتى لا يتعرض الجنين لتشوهات أو إجهاض مبكر وحتى لا تحمل أضداداً للطفل الذي يأتي بعده.

أضافت نور: إننا نستقبل المريضة ونباشر بعمل جميع التحاليل والفحوصات الطبية اللازمة كما نقوم بتجهيز إضبارة أو ملف للمريضة يتضمن جميع النتائج التي حصلنا عليها من الفحوصات والتحاليل، ونضع بها المعلومات الطبية كافة التي قد تزودنا بها المريضة من حيث حساسية تجاه مركب دوائي معين أو وجود أمراض وراثية في العائلة ونحاول دائماً توعية المريضة بوضعها الصحي كاملاً وعدم إخفاء أي معلومة عنها.

الحالة النفسية للمريضة تنعكس سلباً على صحتها
تضيف نور فنية التخدير: إن الجانب النفسي مهم جداً للمرأة ونحاول دائماً رفع معنويات المريضة، كما أننا نحرص على استيعاب حالتها النفسية مهما كانت سيئة لعلمنا بجهل بعضهن بسوء وضعهن الصحي، ما ينعكس سلباً على نفسية المريضة ويزيد حالتها الصحية سوءاً وهنا يأتي دور الممرضة أو المختصة التي تقوم بمتابعة الحالة بامتصاص هذا الغضب والتوتر لدى، المريضة بكل رحابة صدر وهدوء حتى تكسب المختصة ثقة المريضة وتكمل عملها بشكل مريح وهذا ينعكس إيجاباً على حالة المريضة الصحية.

تؤكد نور على ضرورة أخذ اللقاحات كاملة وخاصة فتامين “ك” كما أن الإنعاش مهم جداً للطفل بعد الولادة والحواضن وعرض الطفل المولود حديثاً على طبيب أطفال لتقييم حالته الصحية وهذا أمر جداً مهم يحرصون عليه في المراكز الصحية.

من ناحية أخرى أعلنت منظمة الصحة العالمية عام 2020 سنة دولية لكادر التمريض والقِبالة، من أجل الاعتراف بالمساهمة الحيوية لأكبر مهنة في مجال العمل الصحي، وهي مهنة تستحوذ النساء على نسبة 80% منها. ولن تقتصر السنة الدولية لكادر التمريض والقِبالة على الاحتفال بالعاملين والعاملات في مجال التمريض والقِبالة، ستركز أيضاً على الدور القيادي للمرأة في مجالي التمريض والقِبالة، وأهمية تمكين الممرضات والقابِلات من الاضطلاع بهذا الدور القيادي لا على مستوى المجتمعات المحلية فحسب بل على مستوى العالم ككل.

المعوقات التي تقف أمام المرأة في المجال الصحي وتوصيات مقترحة
لا تزال العديد من العوائق قائمة، وتحول دون الوصول إلى المحتاجين، بما في ذلك التهديدات الأمنية للعاملين في مجال الرعاية الصحية وقلة توفر الأدوية والمستلزمات والمعدات.

أضافت رفعة الأحمد متطوعة بالدفاع المدني في منطقة ترحين ريف الباب:
1- معارضة بعض العوائل الاستجابة للنصائح الطبية.

2- التقليل من شأن المرأة.

3- العادات والتقاليد.

4 -ازدواجية الأدوار بين مسؤولية المنزل وساعات العمل الطويلة.

5- بعد العمل عن مكان الإقامة وزيادة التكلفة بالمواصلات.

تقترح السيدة رفعة:

1- إنشاء مراكز صحية خاصة بالنساء.

2- تقليل ساعات العمل لتتناسب مع حياتها الأسرية والعمل وبسبب مشقة الطريق وطول المسافة.

3- رفع مستوى الوعي حول أهمية عمل المرأة في المجال الصحي.

وتؤكد نور فنية التخدير على ضرورة نشر وتوزيع منشورات التوعية وتكثيف جلساتها، وتزويد المراكز الصحية والمشافي بأقسام خاصة بالتوعية الصحية النسائية ويجب التركيز على المواضيع الأكثر شيوعاً، كالزواج المبكر ومشاكل الحمل والولادة المترافقة معه وكثرة الولادات بالإضافة لترك فترات كافية بين المواليد وغير ذلك.
تضيف نور: إن الجانب النفسي مهم جداً، ويجب التركيز عليه، فبعض النساء يتعرضن لأزمات نفسية تسببها مضاعفات ما بعد الولادة أو نتيجة فقدان أطفالها أو زوجها أو أحد أفراد عائلتها بالإضافة للخوف من القصف والاستهداف، فقد تدخل الأم في حالة اكتئاب، والعلاج النفسي مرحلة مهمة من مراحل العلاج وهو جزء هام من برنامج التوعية الذي تقوم به المراكز الصحية سواء للمريضة أو العاملة في المراكز الصحية.

أضافت نور: إن من بين العوائق التي تعترضهم أثناء العمل، النقص في الأدوات الطبية والمكملات: (لوالب – إمبولات – بالإضافة إلى الواقيات الذكرية) والأدوية التي تأتي من خارج المنطقة حيث تكون الكمية غير كافية وأعداد المرضى كبيرة جداً.

المشافي الموجودة تكون غير شاملة كما تقول نور: حيث يكون المشفى متخصصاً بالأمراض النسائية فقط، وتراجع المشفى النساء اللواتي يعانين من أمراض مزمنة مثل أمراض القلب والكلى وغيرها، ما يدفع المريضة للذهاب إلى مشافي تخصصية في أماكن بعيدة وغير آمنة ومعرضة للقصف في بعض الأحيان، حتى تحصل على الخدمة الصحية المطلوبة.

نقص الخدمات سواء في مجال التوعية أو الخدمات الصحية والأدوية حسب ما أضافت نور، التي قد لا نستطيع صرفها بالكامل ونكتفي بقلم أو قلمين فقط، ما يدفع المريضة إلى القطاع الخاص لاستكمال الوصفة العلاجية الذي تكون أسعاره فوق استطاعتها.
بينما لا تملك عاصي وهي قابلة قانونية من مهجري حلب من 2014 أي إثبات أو شهادة تخصص قبالة تقول عاصي: إنها تعمل كقابلة منذ ذلك التاريخ وامتلكت الخبرة الجيدة لكنها لا تملك أي إثبات أو دليل، رغم أن لديها ملف خبرة طويل منذ ،2011 وحتى اللحظة تتمنى عاصي الحصول على شهادة خبرة أو مزاولة مهنة، ولا تمانع من إجراء فحص مقابلة حتى تعترف بها مديرية الصحة.

تتابع القابلة عاصي شرح معاناتها: المراكز الصحية والمشافي لا تقبل الاعتراف إلا بخريجي وزارة الصحة من الشمال السوري أو من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام وتضيف: نحن المهجرين الذين خدمنا في الحصار وفي ظروف التهجير ونملك خبرة كافية، وهناك الكثير من الممرضات وحتى الأطباء غير المتخرجين يعانون منها، فهم يمتلكون خبرة كافية لمزاولة العمل بحرفية ومهنية عاليتين نتيجة سنوات الخبرة الطويلة.

ولا تزال العديد من العوائق قائمة، وتحول دون الوصول إلى المحتاجين، بما في ذلك التهديدات الأمنية للعاملين في مجال الرعاية الصحية وقلة الأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية.

المصدر
موقع نينار برس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى