حوارات وآراء

الثوابت العاقرة القاتلة …/ ممدوح بيطار

لا يخلو خطاب سياسي للزعماء العرب ولعلماء الدين من استخدام سلاح مفهوم “الثوابت” , ان كان هذا الاستعمال في مجال الأعلان عن موقف معين , كالقول ان العروبة هي ثابت من ثوابت الأمة , او بشكل سلاح لرفض ما لا يستسيغونه كالقول ان الحجاب تابت من ثوابت الدين , الثوابت خطوط حمراء لايجوز تجاوزها بأي شكل من الأشكال , وذلك بغض النظر عن كونها خاطئة أو صحيحة , الثوابت مقدسة , وقدسية الثوابت هو البرهان عن صحتها, لابد هنا من الاشارة الى أن قائمة الثوابت التي يتحدث الإسلاميون عنها , لها أول وليس لها آخر , مطاطة , ولمطها علاقة مع المصلحة , يمكن القول ايضا بأن الاسلاميون لا علم لهم بالعديد من الثوابت , لأنه لا علم لهم بالمتغيرات المنتظرة , أصلا لا يعتقدون بوجود او امكانية وجود تلك المتغيرات .
من كثرة فعاليات ومفاعيل الثوابت , تحولت الى شيئا مبهما من الصعب ادراك ماهيته بدقة , تارة تستخدم الثوابت للتهديد والوعيد , تارة اخرى للتدليل على معان تتشارك مع مفاهيم أخرى ببعض المعالم , مثل مفهوم الأسس او المبادئ أو القيم او الايمان وغير ذلك , الا أن الثوابت ليست قيما انسانية بالمفهوم المتعارف عليه في المجتمعات البشرية , انها العكس من القيم الانسانية , لأن الثوابت تكن العداء للقيم الانسانية , وتمارس العنف في تخريب وتدمير هذه القيم الانسانية.
اضافة الى ما ذكر باختصار , يجب التنويه الى كون الثوابت حقيقة لا تعرف الثبات ,فالمدلولات القديمة لمفهوم الثوابت مختلفة جدا عن الدلالات الحديثة لهذا المفهوم , اي ان الثوابت تطورت , وتطورها ينفي عنها صفة “الثابت”, ويدمغها بدمغة المتحول , تطور الثوابت وبالتالي ” انتفائها ” لازم تطور ضدياتها المتحولة المتغيرة , فالثوابت تمارس الضدية للحداثة , والحداثة مفهوم متطور ويتطور , لذلك سيكون الضد متحول أيضا , ذات الأمر ينطبق على النظرة الخاصة بحقوق الطفل والمرأة , وعلى مفاهيم العبيد والجواري وأسواق النخاسة , ففي علم متغير لا وجود للثابت , وما ييبشر به الاخوان المسلمين اي الاسلاميون في سياق تهافت خطابهم عن ضرورة التمسك بالثوابت , ليس سوى عرض من أعراض استحالة عقلية عاقرة وقاتلة , يعاني العقل الذي يرى المستقبل صورة عن الحاضر , والحاضر صورة عن الماضي من حالة مرضي تتمثل بالاصرار على التنكر للواقع وانكار الصيرورة التاريخية .
البحث عن أصول مفاهيم الثوابت في العصر الحديث (الثوابت الحديثة ) يقود الى الاخوان المسلمين والى حسن البنا , الذي اعتبر التفريق بين الثوابت والتحولات أساس منهجه , لقد اسقط الاسلاميون ما اعتبروه ثبات في حالة كواكب السماء على الأرض , ولكن حتى كواكب السماء ليست ثابتة , جهلهم لم يسمح لهم بمعرفة أفضل , انهم سجناء النصوص , التي صيغت على يد الجهل أيضا , ينم نص الصلاحية لكل زمان ومكان عن محدودية زمنية , وعن قصور في فهم الخلق والخليقة , مفهوم معادي للعقل والمنطق , لاعجب في هذه الحالة من تعثر الأمم والشعوب وسقوطها في قاع الانحطاط , فمن يرى في مفهوم الاعجاز العلمي “ثابتا” , سيبقى عاجزا , ومع تطور العلم سيتفاقم عجزه , والنتيجة الحتمية اندثاره , الذي قد يصل حتى الى عضويته.
شعوب الثوابت متأخرة ومتناحرة , وتأخرها يتعمق نسبيا وبشكل مطلق , ذلك لأن الفكر والمنهج الثابت ميت ولاديا , ولا يمكنه ان يتطور او يسمح بالتطور…. اشارة توقف حمراء !!!!, من جراء ذلك ولد العنف السياسي الاجتماعي , اذ لايمكن للثوابت ان تفرض نفسها سوى بالعنف , من جراء ذلك تقلص وعي الفرد بالحرية , فالثوابت لاتسمح بحرية الوعي ولا بوعي الحرية , الثوابت صماء بكماء وفي يدها سيف تمارس به هيمنة الثبوتية الاجتماعية والسياسية وحتى الاقتصادية والعسكرية , الثوابت تمارس عداء الحداثة , من رحم الثوابت ولدت الماضوية والتراجعية , جو الثوابت مهد الطريق امام النظم الديكتاتورية , التي تعمل بالثوابت ايضا.
كل ذلك لايخص الأصوليين الدينيين فقط انما يشمل اطيافا اجتماعية ترى نفسها مدنية , اضافة الى ذلك يخص التفكير الثبوتي , الى جانب الأصولية الدينية المتطرفة , الاسلاميين المعتدلين , او اولئك الذين يدعون الاعتدال , اعتدالهم لغوي لفظي , يغلف جوهرهم العنفي , ويتستر على انيابهم الناهشة عند الضرورة , انهم اللغم الذي لا نعلم موعد انفجاره , انهم رواد سياسة “التمكن ” , الذي يساعدهم على اقتناص السلطة … وبعدها لكل حادث حديث!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى