ثقافة المعرفة

ماذا منعت الممانعة ؟../ ربا منصور

ماتت الممانعة بعد عمر مديد طال لعشرات السنين. بالرغم من كون الترحم على الميت واجب ؛ هل يجوز الترحم عليها ؟

لعشرات السنين سمعنا كلمات وتعابير ومفاهيم لم يكن ادراك مدلولاتها سهلا ! “الممانعة” كانت عصية على الفهم والاستيعاب الكافي. حتى اللجوء الى الممانعين طلبا للشرح وتوضيح مدلولات هذا المفهوم لم يجد . تميزت أجوبتهم باللعثمة واللف والدوران بأسلوب مراوغ ولغة خشبية . في معظم الحالات تم تفسير مفهوم الممانعة بالممانعة !!… وفسر الماء بعد الجهد بالماء .!

بالرغم من عدم المقدرة على استيعاب مفهوم “الممانعة” بشكل كاف، كان من الممكن ملاحظة بعض تمظهراتها التي منها التمنع عن اطلاق رصاصة واحدة في الجولان على مدى خمسين عاما، وبالاحجام عن الدفاع عن النفس. يمكن القول إن الممانعة كانت تعبيرا عن الامتناع حتى عن التحرش بالعدو .. ليس هذا فحسب انما الاحجام عن الرد على تحرشات اسرائيل الحربية لذا بقيت الجبهة السورية بـ” فضل” التمنع والممانعة هادئة هدوء المقابر ما يزيد عن نصف قرن إلى اليوم.

الشعب بكى وجاع وأراد الحرية ! هنا انبرى له رجال الممانعة والمقاومة بالادعاء أن دولة الممانعة والمقاومة لا تستطيع في ظرفها الممانع المقاوم الحرج تأمين هذه الكماليات. أنت جائع لأنك تمانع يا أخي المواطن.. انتبه !… لا صوت يعلو على صوت المعركة … صوت المعركة يعلو على صوت البكاء والأنين …فالجوع هو معيار لقوة الصبر، والبكاء معيار لرهافة المشاعر , انك ترى يا أيها المواطن مدى الانشغال بثوابت الأمة ، والأمة الملتزمة بهذه الثوابت النبيلة لاتستطيع شرذمة او بعزقة قواها في أمور مثل الحرية والديموقراطية وحرية الاعلام وغيرذلك من الأمور الثانوية. اولا تحرير الأراضي المحتلة، وبعد ذلك تأتي الحريات السياسية والتحرر من الفقر والمرض والبكاء !!!!!!!!.

سقط بعض الزعماء والرؤساء العرب واحدا تلو الآخر، وسقطت الشعوب على دفعات ؛ لكن الدجل سقط دفعة واحدة . يقول البعض القليل من الذين تحرروا من الصمت لحضرة الزعيم او لمن يمثله من الزبالة همسا أو صراخا: لقد فشلت وأفشلتنا معك , فلا الأرض عادت، ولا البلاد تقدمت، وتحولنا الى شعوب فاقدة الفعالية والقيمة حتى أن موت مئة منا أقل أهمية بالنسبة للبشرية من موت مئة جربوع ، ليس لأن البشرية لم تعد بشرا بل لأننا تحولنا بالواقع الى فئران وجراثيم وجرابيع !.. تحولنا الى ” فائض ” بشري والبشرية ليست بحاجة لنا. قيمتنا لاتتعدى قيمة البترول الذي نجلس عليه. بترول لم نصنعه, بل صنعته الطبيعة بشكل مناسب لكن ليس في المكان المناسب. هل استفدنا من البترول ؟ أم أن البترول كان كارثة ؟

من حولنا الى جرابيع وجراثيم , هم الأنظمة الفاسدة والقاصرة وريثة الماضي القاصر والفاسد. والشعوب حولت نفسها بخنوعها وفسادها الى قطيع من الجراثيم والجرابيع. لم تخرج هذه الشعوب من التاريخ بسبب تهريجية الممانعة والمقاومة فقط . الخروج من التاريخ كان اقدم من المقاومة والممانعة التي كرست هذا الخروج , الذي بدأ مع الفشل في أن تكون لهذه الشعوب فاعلية حضارية. بدأ مع تدني قيمة وجود هذه الشعوب الى ما يقارب الصفر .. بدأ مع شعور العالم بأنه ليس بحاجة لهذه الشعوب التي تصدرت بقية شعوب العالم بالفقر، وتصدرت بقية الشعوب بالقمع. صارت الاوائل في ممارسة الفساد ، أوائل في الضعف، أوائل في الجوع , أوائل في التأخر العلمي والاجتماعي والاقتصادي وفي الانتحار والتناحر الذاتي …وفي ممارسة التطفل على بقية العالم .

يتعجب السادة الزعماء من أي حركة لجسد المجتمع المتواجد في حالة موت سريري. يتعجب هؤلاء من فشلهم باغتيال هذا الجسد بشكل لايسمح له بأي حركة. سأل القذافي متعجبا : من أنتم ؟ جراذين !.. والآخر أجاب من دمشق ,انكم عصابات مسلحة قذرة ، لكم 24 ساعة لتعودوا الى بيت الطاعة ؟ هذا الصعلوك عرف الجواب على سؤال القذافي، ولكنه لم يعرف الجواب على اسئلة التاريخ والحياة … الصعلوك العاجز عموما. عجز حتى عن القراءة المقبولة للخطب التي كتبتها له بثينة ، وأقصرها كانت خطب الساعتين وما فوق، خطب ليست عن التاريخ انما من أجل صناعة التاريخ … خطب تهم البشرية جمعاء ، خطب ستنقذ البشرية كما عبر عن ذلك دجال درعاوي!!.. حقيقة خطب ليس لها شأن تاريخي. ثرثرة محلية مرحلية مضمونها تهريجي … خطب حددت قيمة المخلوق السوري بالقرش والفرنك ، وعرفته بأنه مخلوق يبيع ضميره واتجاهه وميوله بخمس فرنكات .

عودة الى الممانعة، التي لم يسمح وجودها بوجود شيء آخر الى جانبها، كالتفكير بسياسة اقتصادية فعالة أو سياسة تؤمن الاحترام للفرد وتحول هذا المخلوق الى “مواطن” لا يتنغم بطنطنة الديماغوجيات الفارغة كالقول أولا تحرير فلسطين والجولان، قبل تحريره من ذل الاستبداد والاستعباد. قليل من المواطنين ادرك بأنه لاوجود لمعركة فاصلة واحدة في الحياة وأن أي معركة من معارك الحياة تحتاج الى استراتيجيات مدروسة تؤمن اولا القوة للمواطن. القوة التي تمكنه من النجاح في الحياة، أي تمكن الوطن من النجاح , المواطن القوي هو الوطن القوي والمواطن الناجح هو الوطن الناجح .. والنجاح لا يتطلب ممارسة الهوبرة والعنترة والدجل . هذه الصفات ليست من شيم الأقوياء انما من مثالب الضعفاء. المواطن صار يعرف بأن التحرير يتطلب خطة وتصورا ايجابيا . لا يتحرر وطن باغتيال عقل المواطن وارادته .

المواطن الجريء المتحرر من الصمت يسأل عن أسباب فشل مشروع استرداد الأرض وقد كانت هناك عدة مناسبات سلمية سمحت بهذا الاسترداد !؟.. لا يعتقد المواطن الحر بأن الاسترداد فشل بسبب الخلاف على بعض الأمتار المربعة. المواطن يشك !.. ومن واجبه أن يشك، بحقيقة نية الاسترداد. من يريد حقيقة أن يسترد لايؤجل عملية الاسترداد الى أجل غير مسمى . المواطن الحر يعتقد بأن التأجيل مفيد للنظام لأن التعليق والتأجيل يسمح له بالاستمرار بالمتاجرة بالشعارات. الممانعةـ المقاومة وبقضية فلسطين بشكل عام .. الاتجار بالشعارات يسمح بما هو أهم من كل شيء بالنسبة للنظام. فبقاء النظام واستمراره أهم من وجود الدولة السورية . ولو لم يكن كذلك لما ساهم هذا النظام في حرب أهلية انهت عمليا وجود الدولة .

لقد تقزمت مدلولات تحرير الانسان وتحرير الأرض لتصبح كلمة أو كلمات قزمة مشوهة .. تدجيلة الممانعة والمقاومة تلخص سياسة وفكر وممارسة من يرتشي ومن ينهب البلاد والعباد… من جعل دم الانسان السوري بدون قيمة وجعل الفساد دستورا للبلاد. الممانعة والمقاومة تحولتا الى كار الشتم وتخوين وتكفير الغير. الدجال الممانع هو الوطني وسواه خائن للقضية .. وأي قضية هذه !؟… قضية فلسطين !؟ أم قضية الأسد الى الأبد ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى