حوارات وآراء

يوميات لاجئ / رأفت سعد

يقول جان بول سارتر : إن كل الثقافات والمعارف والعلوم لا تستطيع أن تقدم لك شيئآ في موقف ما
كالشعور بالتشتت واللامبالاة واللارغبة أثناء وقوفك وجهآ لوجه أمام قرار حاسم
وإن الإنسان حيوان عاطفي والآخر والشجرة والحقيقة معطاة له بصورة حدسية أولية لا تحتاج للتفكر والاستدلال ببساطة ما يعرفه البقال أو سائق التكسي في الحرب والغربة هو ذاته الذي يعرفه المفكر والصحفي والفيلسوف
إن الأغراق في الأيديولوجيات والفكر التنويري ومحاربة التخلف والتشبث بالمعتقد الديني أو السياسي هي ضرب من اللاجدوى ويحول الإنسان إلى كائن اجتراري هذا ما قاله نبيل فياض بعد مجادلته الطويلة للاسلاميين المتطرفين فقد صرح بندمه وقال لو إني قرأت صفحة لمارتن هيدجر كان أفضل لي من كل تلك المهاترات المفضية إلى نفسها
لكن للأسف إن أغلب المثقفين العرب المتحررين يرتبطون بالثقافة بدافع مازوخي يصعدون دافع اللاجدوى إلى حالة تنويرية وكتابات مكررة تجعل كل واحد منهم يشبه سيزيف
رغم أن المجد والذات لن تحصل في النهاية إلا على مديح مبتذل يملأ شعورك مؤقتآ بالرضى مؤكدآ لنفسك أنك لم تعد ذلك الطالب الكسول والمتأخر عن بقية زملائه
لذلك وبكل بساطة أن فكرة تنوير المسلمين والحد من ذلك المرض المتفشي هو محاولة فاشلة مسبقآ وعلى الصعيد الفكري هو لغط ثقافي يبعث على التململ والضجر فأنت لن ولم تصبح يومآ منارة أو مصباح تضيء للجميع الطريق أنت كائن اجتراري محكوم بفشلك وفراغك الشخصي ويومياتك الكابية
وتلك الرغبة بأن تكون إله الحق والفكر والصواب تدل على طفولة لاأخلاقية تنازع نفسها من أجل مكاسب فكرية ومديح واهي
ترجل عن صهوتك أيها العربي النبيل القويم العرمرم فأنت طفل تائه لا توظف نفسك برسائل إلهية و تفرس في ملامح وجهك جيدآ في المرآة عند الصباح لا أحد يحتاج لك الحياة مطعونة بسكين الحرب والغربة واللامعقول
قبل أن أنسى أريد أن أخبر العلمانين شيئآ بسيطآ ليكفوا عن ذلك الشره اللغوي في محاولات لاستخلاص العسل من الصخر إن الإسلام صخرة لا يمكن حملها ولا تفتيتها أنما تترك ببساطة في الصحراء لتتآكل بدافع الملل والتكرار كما قال كارل ماركس كل فكرة منتفخة تحمل في داخلها جذور فنائها أضف إلى ذلك أن للعلمانية نتيجة وليست سبب فإن جميع الأوربين عندما تكلمهم عن العلمانين والتحرر يظنون إنك إنسان حجري لأنها فكرة تعاش وبند في مجتمع يتصف بالحرية الشخصية والمؤسسات والعمل
وإن كنت عاطلآ عن العمل والإبداع ومازالت عقدك النفسية تصنع حياتك فهو سيمضي ويترك لك اللغة والفكر لتحيك المقالات والأفكار أبد أخر لتستيقظ بعد فوات الآوان على ندم يشبه ندم العاهرة
اعتذر فأنا لست ودودآ وفج ومصاب بالقلق والتوحش النقدي لأني اعتدت على رؤية الفن أو الفكر كحقيقة مرة كطريق ضيق لا يفضي ألا الى حقيقة أقسى وأكثر إيلامآ ولا انتظر شيئآ من تلك الشخصية الإسلامية أحادية القطب والتفكير لا انتظر أي دعوة للحياة أو مشاركة
الكل يعرف الحقيقة أنها مرمية على الطرقات كالجثة لا أحد سيبذل ذلك الجهد النفسي والإدراكي في حملها بصدره فالفيس بوك وعالم الانترنت كشف وبصورة حدسية وأولية الطريق ومن بقي محتفظآ بعقائده الدينية كان همامآ وحجر في جدار الوجود
ويا ويلي عليك لن يحزن عليك أحد وسيكون غيابك كاملآ
وتحية للكاتب الروحي ألبير كامي عندما قال لسارتر إنك كتابك الوجود والعدم كتاب مهم كالكتب المقدسة الكل سيشتريه ويضعه في بيته لكن لن يقرأه أحد
البارحة صعدت بالباص مع جاري السوري في ألمانيا هو يحدس ويتذكر بأني غير مؤمن بالله رغم إني لم أوضح ذلك له
تبادلنا الحديث عن المكان( سوريا ) كرابط وحيد مشترك نفذ الحديث باكرآ وانتحرت اللغة تبادلنا الحديث عن الرياضة لكن اللامبالاة طغت على تلك المشاركة كالنعاس
حدث زحام فجائي وتوافدت النساء الألمانيات اللواتي يسبب جمالهن عن قرب حالة ذعر وتوتر بدأ بالشتائم بالعربية ولم استطع منع نفسي عن التفكير بذلك الجمود النفسي والتربص الذي يلبسه كالرداء إنه مازال محتفظ بكبريائه العربي وعاداته القديمة لم يستسلم بعد لم يتنازل عن وجود السقيم وشخصيته المنتفخة بالعروبة والآباء بدأ يلعن رئيس سوريا رغم أن زحام باصات سوريا كانت أشد وطأة وخالية من الجمال والأنوثة زحام في روائح العرق والأفواه
عاطفيآ كنا متفقين على حب الوطن لكني كنت أفضل البقاء والموت بسوريا بدافع الاحباط واللاطموح أم هو كان دافعه الألفة والتمركز
بعد أن استغفر ربه وهدأ نفسه بالصلاة على النبي انتبه لعدم إيماني وتعلق وجدانه بالفراغ بنوع من الشعور بالوحدة مع دينه الحنيف وكان كالطفل العاق الذي يكرر كلام الكبار وقيمهم ودينهم كالببغاء
جلس السأم بيننا كشخص عربي ثالث وبدأ اليقين يخلع نقابه فتحت قلبي له ليدخل كالسكين
لقد كنت في سوريا غريب كما أنا الآن وأقصد بالغريب إنه لا أحد يرغب أو سيحتمل وجودي السرطاني
في سوريا بعد فشل الإندماج المحمدي المسيحي تم اختراع فكرة القومية ثم الوطنية ثم اسرائيل ثم العدو على إنه الجهل والتخلف واللاأخلاق اتخم تاريخ سوريا بالنفاق والظلم واللاشخصية واللاتحدد فأعلنت الحرب سعيرها كمحاولة لطمس ذلك التاريخ الأسود من التعايش الكاذب رغم كل المحاولات الفكرية التي أثبتت الحرب فشلها
أن الله هو العدم وتشعر به عن طريق الملل الخالص والشعر بالعجز فان أنت رفسته وأنشأت بديلآ عنه القيم الدينية والأخلاقية سيتضخم ويتورم وتصبح العودة شبه مستحيلة لترتبط فيه أخيرآ عند الكبر بدافع الخوف أو الذنب وهذا ما يحدث بغض النظر عن تعقيد القرآن اللغوي والقيمي والكتب الدينية الأخرى يصبح التعرف على الله كالذي يقدم رسالة بالماجستير عن الحضارة الإنسانية
تابعت مع جاري المؤمن المسلم الطريق وكلانا ينتظر الانفصال عن الآخر ليعود إلى أحلام يقظته ووجدانه الخاص وذكرياته الجيدة والسيئة
لا بد لي من دراسة اللغة الألمانية كنت أود أن أخبركم عن العلاقة العضوية بين الدافع الديني والجنسي في سلوك الإنسان عن طريق قصة أتمنى ألا تكون مملة ومثيرة للتثاؤب
لكن …… ضجرت من اللغة والتفكر الآن وأرغب بالتدخين مع بعض جرعات من الحزن والوحدة
———
عن موقع www.syrian.net

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى