هل نحن بحاجة إلى الغرب ؟.. / أنور يونان
الإعلام العربي يغرق تحت أكوام مواضيع الإنشاء الباهتة التي تهدف لاستفزاز غرائز القارئ واستنفارها، بالتركيز على المشاعر الطائفية والدينية وتجاهل المعلومة المفيدة التي تساعده على الفكاك من أسر ثقافة الخرافة السائدة منذ عصور الانحطاط .
معظم ما ينشره هذا الإعلام لا يخلو من الإيحاء، مباشرة أو مداورة، إلى أن الغرب هو العدو الأول لنا. لا لأنه خلف العثمانيين باستعمار بلادنا ( وكانت ولا تزال قابلة للاستعمار، كما يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي) بل لأن هذا الغرب علماني/ كافر/ ملحد/ مسيحي/ مستعمر… الخ. وبالتالي نحن لسنا بحاجة إليه ولدينا ما يكفينا ويزيد؛ المال، الأرض… وحضارتنا العربية/ الإسلامية التي سادت العالم ذات يوم !
لسنا بحاجة للغرب ! هذه المقولة الفاسدة ، التي يروّجها مفتي السلاطين ومرتزقة إعلام أنظمة الاستبداد، لا تنطلي إلا على البسطاء وضعفاء العقول. فاسدة لأننا بحاجة شديدة لهذا الغرب، لا لأن شعوبنا تستهلك بنهم شديد كل منتجات الغرب ولا يمكنها أن تستمر في الحياة دون هذه المنتجات؛ بل نحن بحاجة إليه لأنه يملك اليوم الوسائل والمفاتيح التي تمكننا من تفعيل عناصر التقدم والاستفادة منها، وآهمها العلم والمعرفة والخبرة. كما ملكناها ذات يوم كان الغرب يغرق في ظلمات الخرافة الدينية/السياسية كما نغرق اليوم.
دناءة هؤلاء المرتزقة، لاحسي أقفية حكام الاستبداد والآكلين من فتات موائد مافياتهم، تتجاوز حدود الأكاذيب على حاضر الناس والمآسي التي يعيشونها لتصل إلى الكذب على التاريخ. يقولون: العلمانية عدو الدين. والغرب العلماني ارتكب من الجرائم كذا وكذا ، وعلمه علم الكفار والعلمانيين والملحدين ( وجميع هؤلاء المنافقين وسلاطينهم يتطببون في مشافي الغرب ويرسلون أبناءهم وبناتهم ليتعلموا في معاهده وجامعاته ! )
العودة إلى التاريخ تعلمنا الدرس المفيد. يقول التاريخ إن هذا الغرب أخذ الكثير من العلوم والمعارف التي قدمتها الحضارة العربية/الاسلامية للعالم. أخذ ما يفيده لنهضته، واستخدمه دون أي شعور بالمهانة (كما يريد مرتزقة الاعلام أن يتوهم ويشعر المسكون بثقافة الخرافة) كي ينتج ويتفوق على بقية الشعوب. يومها كفّر مفتي السلطان الفيلسوف وعالم الاجتماع ابن رشد، وأحرق “المؤمنون” كتبه، فأخذها الغرب ودرّسها في جامعاته وأسس عليها وزاد، ولم يقل أحد من علمائه وقادته ومفكريه: لا .. لا.. لن نأخذ علما ومعرفة من العرب والمسلمين لأنهم استعمروا البلاد الكثيرة وارتكبوا المجازر في فتوحاتهم حين قتلوا الرجال وسبوا النساء ونهبوا الغنائم !
فهل ابتلينا بقوم يظنون أن الله لم يهد سواهم، كما قال ابن سينا !؟