الآلات الحديثة والأزمات تهدد باندثار المنسوجات اليدوية في إدلب/ إعداد: حلا الشيخ أحمد – تحرير: سوزدار محمد
ينسج إبراهيم السلوم (51 عاماً)، وهو من سكان مدينة إدلب شمال غربي سوريا، بساطاً من الصوف بمهارة وحرفية خلف آلة النول الخشبي، لينتج بعد ساعات من العمل قطعة متكاملة ومنسقة الألوان.
ويعمل الرجل في صناعة النسيج اليدوي منذ أكثر من 35 عاماً حين تعلمها من جده ووالده، ويحاول رغم ظروف الحرب وصعوبة تأمين مستلزماتها للاستمرار في العمل والحفاظ على مهنته.
لكن ظروف الحرب والأزمات وعدم إقبال الشباب على تعلم الحرفة يهدد باندثارها، فالمنطقة تضم حالياً ورشتين فقط لصناعة المنسوجات اليدوية، إحداها في مدينة إدلب والثانية في أريحا.
ويرى “السلوم” أن صناعة النسيج اليدوي تراث قديم، “وعلينا الحافظ عليه من الزوال والاندثار مهما كانت الظروف، لأنها إن فقدت لن تتكرر مع مرور الزمن”.
وتعد حرفة النول اليدوي من التراث السوري وجزءاً من ثقافة المنطقة الشرقية.
ويحاول حرفيو المنسوجات اليدوية في إدلب الحفاظ على مهنتهم التي تواجه تحديات وصعوبات في التسويق وتأمين المواد الأولية وارتفاع أسعارها وانتشار ومنافسة المصانع الآلية وغيرها.
يقول “السلوم” إنهم قبل الحرب كانوا يصدرون منتجاتهم إلى عدة دول منها لبنان والسعودية، وكانوا يستفيدون من طلبات السياح الذين كانوا يفضلون الحصول على قطع من القماش أو السجاد قبل مغادرتهم البلاد.
ويضيف: “نعمل اليوم حسب الطلب ضمن منطقة إدلب فقط، حيث يقوم الزبائن بتحديد عدد القطع المطلوبة وطبيعة النقوش ويتم الاتفاق على السعر ومن ثم نعمل على تصنيعها وتسليمها .”
ويأسف “السلوم” لرفض ولديه تعلم المهنة والاستمرار بها من بعده، “فهي من وجهة نظرهما صعبة وقليلة المردود وباتت من الماضي” .
نقص آلات
ويقول حرفيون في صناعة المنسوجات اليدوية إن العمل في هذه المهنة يحتاج إلى صبر طويل ودقة كبيرة، فالمتر المربع الواحد من البساط الملون يحتاج إلى يوم عمل كامل على الأقل، إذ يتم تحديد الوقت اللازم بحسب شكل النقش والزخرفة وبحسب نوع الخيوط التي يتم استخدامها.
ووفقاً لهؤلاء فإن النسيج اليدوي أمتن وذا سماكة أمتن من الصناعي، كما أنه يبقى محافظاً على جودته لعشرات الأعوام، لكنه في الوقت ذاته يعتبر غالياً مقارنة مع الصناعي.
ويبلغ ثمن كل متر من البساط اليدوي ما يعادل عشرة دولارات أميركية.
ويمتلك فؤاد طماع (40 عاماً)، وهو من سكان مدينة أريحا جنوب إدلب، ورشة لصناعة المنسوجات اليدوية منذ 25 عاماً ويعمل فيها نحو عشرة حرفيين وتختص ورشته بصناعة المد العربي.
يقول إن عمر الحرفة في أريحا تعود إلى عشرات السنين وأنها تطورت مع مرور الزمن، “في البداية كنا نصنع سجادات الصلاة والوسائد، وتطور الأمر لنصنع المد العربي ونفرش منازلاً بأكملها .”
ومع بداية الحرب السورية تراجع عدد العاملين في هذه الحرفة وقلت أعداد آلات النول، فقبل الحرب كانت أريحا تضم حوالي 150 نولاً ضمن 20 مشغلاً، “ولكن اليوم لم يبق سوى عشرة فقط في ورشتي”.
“بصمة فنية”
ويتألف النول من عدة قطع أساسية أهمها “الدفة” وهي خشبة ثقيلة متحركة يُدق بها القماش بعد كل مرة يضاف خلالها خيط من الخيوط المنسوجة بالعرض، إضافة إلى “النير” وهو عبارة عن قطعتين خشبيتين يصل بينهما صف من الخيوط تمر به خطوط السدى.
ويشير “طماع” إلى أن النول يعمل على جميع أنواع الخيوط، لكنه يستخدم في عمله ما هو متاح من خيوط المخمل والدرالون والبولستير، كما أنه يستخدم خيطان الثياب الصوفية المستعملة، يلفها على شكل كريات ويمدها على النول ويصنع منها بسطاً.
وقبل الحرب، كانت خيوط الصوف تُجلب من دمشق، ولكن بعد إغلاق المعابر بين مناطق سيطرة الحكومة والمعارضة، بات الحرفيون يعتمدون على المنتجات التركية.
ورغم التطور التكنولوجي الذي دخل عالم صناعة النسيج، إلا أن البعض وإن كانوا قلة يفضلون المنسوجات اليدوية ويقبلون على شرائها .
وقام أحمد ديبو (29 عاماً) وهو من سكان مدينة إدلب بتجهيز منزله بمد عربي منسوج يدوياً، إذ أن المنسوجات اليدوية “تتميز ببصمة فنية”، على حد تعبيره.
ويشير إلى أنه يفضل المنسوجات اليدوية، “لأنها أفضل جودة، كما أن القطعة المصنعة يدوياً تدوم أكثر بكثير من القطعة المصنعة على الآلات الحديثة”.
——
/ عن موقع “نورث برس”