حوارات وآراء

تعويم النظام السوري وسياسات المعارضة البرجوازية / تيار اليسار الثوري

تزايدت في الآونة الأخيرة المعطيات التي تشير إلى أن سياسات العديد من الدول الإقليمية بدأت تميل إلى إعادة تعويم النظام، وبعضها يشترط بعض التغييرات في سلوكه ، وآخر يسعى الى دعوته لدمج بعض المعارضة المحسوبة عليها في صفوفه.
وعلى هذه الحال، فإن حتى الدول الأكثر عدائية للنظام مع بداية الثورة لم تكن تسعى فعلا إلى إسقاطه بقدر دعوتها لما أسمته ” انتقال منظم” ، إضافة إلى رغبة عدد منها تدمير القدرات الاقتصادية والبشرية لسوريا.

يترافق هذا القبول، النسبي، لهذه الدول ببقاء النظام واستمراره، طردا مع انعطافات متوالية، إن لم يكن تخبطا في أغلب الاحيان، في مواقف وسياسات كل الأطراف المعارضة التقليدية والمكرّسة البرجوازية، العلمانية والإسلامية. التي رهنت، غالبيّتها، نفسها بالفعل منذ بداية الثورة بسياسات دول إقليمية ودولية وبمصالح الأخيرة، وتحولت عمليا إلى مجرد أوراق تلعب بها كما تشاء، والعشر سنوات الفائتة مليئة بالأدلة على ذلك.

عموما، هنالك عناد لدى هذه الأطراف السياسية ” المعارضة”، بحصر العمل السياسي المعارض لنظام الطغمة في سياق هيئة التفاوض واللجنة الدستورية، وبعضها الآخر بالدعوة لحوار، وأحيانا يسمّونه تفاوض، مع النظام مباشرة. وفي سبيل ذلك، أي في سبيل ما يسمّونه ” الحل السياسي” فإنهم احترفوا السفر ومحاولة لقاء سفارات ومسؤولي الدول الكبرى والفاعلة، بل وحتى الأقل فاعلية، في الوضع السوري. أي أن السياق الوحيد تقريبا لنشاطها هو حصر العمل السياسي ” المعارض” بإطار التواصل الدبلوماسي. لتتحول هذه الكيانات ” المعارضة” إلى ما يشبه السفارات، لا تعبر عن واقع مادي حقيقي، ولا عن مصالح الشعب السوري بالحرية والتحرر والسيادة، بقدر ما أنّها تأتي تلبية لمطالب دول إقليمية ودولية.

يفقد بذلك العمل السياسي عموما، والمعارض منه بشكل اخص، معناه الحقيقي وساحة تواجده الفعلية، وهو التفاعل والعمل مع الناس والواقع، مهما كانت الظروف صعبة وقاسية، والعمل على تغييره عبر سياسات ونشاطات تقوم على توعية الناس وتنظيمها حول مطالب وأهداف مشتركة، وسياسات واستراتيجيات واضحة لتحقيق هذه الاهداف.

هذا الاقتصار على العمل الدبلوماسي، لا يقصي هكذا معارضات، لأنها ليست معارضة واحدة فقط، من فاعليتها، بل يفاقم من حالة الإحباط الشائعة بين الناس ومن قرف الناس من هكذا معارضة ومن العمل السياسي عموما. ومن جهة أخرى، لأنّه يحول العمل السياسي إلى حالة من العطالة ومجال للإرتزاق والفساد، والسمسرة والفهلوة.

دون الحاجة إلى تكرار وصف واقع الحال السوري، والتجربة تثبت ذاك، إلى حد الفجاجة فإنّ نظام الطغمة غير قابل للإصلاح وأن هكذا معارضة تشاركه الحال. ولا خير يرتجى منهما. كل منهما يرى الآخر في المرآة، هو نفسه.

للخروج من هذا الهراء السياسي المعمم، فإنّنا نعتقد أنّه على التجمعات الجدية التي لم تتلوث بعد بهذه الانتهازية المزرية، من القوى الديمقراطية واليسارية الجذرية أن تتفق بداية على أنّ مجال نشاطها وعملها هو خارج هذا الوباء المقرف الذي جاء تتويجا لانتصار الثورة المضادة المتعددة الاطراف. وأن ساحتي فعلها هما العمل على توحيد نشاطها على أساس برنامج عمل واضح على قضايا محددة يفرضها الوضع السوري والدفاع عن مصالح الجماهير الشعبية، والأهم من ذلك، هو الانخراط في صفوف الناس وتنظيمها ورفع سوية وعيها، في مواجهة كل من النظام ومعارضته البرجوازية والاحتلالات. على هذه الأسس يمكن حينها تحشيد وبناء التحالفات فيما بينها، تحالفات واضحة وديمقراطية وكفاحية.

على ذلك، لا زلنا نرى ضرورة توحيد جهود اليسار المناضل في جبهة متحدة لأنّ صوته المستقل هام وضروري في كفاح شعبنا، ولأنّ ذلك يسمح له بحضور أبرز ودور أكبر ومركزي وضامن في التحالفات الديمقراطية الجذرية الضرورية لمواجهة هذا التعفّن العام الذي يصيب بلادنا على كافّة الصّعد: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأيضا على صعيد استقلال البلاد ووحدتها.

لا شك بأنّ ضعف اليسار الجذري، رغم حضورنا ونشاطنا من التأسيس قبل عشر سنوات، شكل أحد العوامل التي سمحت للمعارضة البرجوازية المتهافتة أن تحتل المشهد المعارض بدعم من دول إقليمية ودولية.

لذا، فإنّنا نركّز في سياساتنا على أهمية العمل على أن يستعيد اليسار الجذري المناضل دوره ونشاطه البارز، فهذا ما يحتاجه شعبنا وبلادنا. وهذا ما فتئنا ندعو إليه عبر تشكيل جبهة متحدة لليسار المناضل السوري.

في الوقت الذي يتمسّك فيه تيار اليسار الثوري ببوصلته وهدفه في العمل السياسي والتنظيمي والكفاحي، ويوليه أهميّة قصوى ومركزية هو بناء الحزب العمالي الجماهيري الجذري.
——-
افتتاحية العدد 55 عن موقع تيار اليسار الثوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى