الوطن

منطق التعذيب في ممارسات النظام السوري.. هل هو ضربٌ من الجنون؟/ جيمس وورال وفيكتوريا هايتاور- ترجمة أحمد عيشة

ملخص البحث
بينما استخدمت إدارات حافظ وبشار الأسد التعذيب بانتظام كأداة للحكم الاستبدادي، تغيّر هذا الاستخدام بشكل كبير في طبيعته، مع انتقال الثورة من الاحتجاجات إلى التمرد الذي شكل تهديدًا متزايدًا لبقاء النظام. في أدبيات مكافحة التمرد، ترتبط وظيفة التعذيب عمومًا بجمع المعلومات الاستخبارية، أما في سياق حملة مكافحة التمرد (COIN) في سورية بعد عام 2011، فقد صار دور التعذيب الكبير وسيلة لترهيب السكان، وإجبارهم على اختيار جانب صريح، ولا سيّما في المناطق المتنازع عليها. أدى التهديد الذي تمثله الانتفاضة إلى تضخيم حجم التعذيب وشكله واستهدافه والغرض منه، ما أدى إلى توسيعه بشكل كبير. تتتبّع هذه الدراسة هذه الديناميات، ليس لشرح المنطق والممارسات المتغيرة للتعذيب في سورية فحسب، بل لتحديد الجهات الفاعلة والهياكل ومواقع التحليل الرئيسة. وتحاول الدراسة أيضًا تجنّب الوقوع في الفخ المعياري المتمثل في إدانة التعذيب ببساطة، عن طريق نقل فحصه إلى مساحة تحليلية أكثر، ومن ثم إظهار كيف يمكن للتعذيب أن يؤدي وظيفة حاسمة تتجاوز جمع المعلومات الاستخبارية في إطار حملة مكافحة التمرد الاستبدادية.

مقدمة

في عام 2011، طالب المتظاهرون بمزيد من الحقوق، وبقيود أقل، وظروف اقتصادية أفضل، ونظام عدالة شفاف يردع الفساد، لكن قوات أمن بشار الأسد واجهتهم، وتصاعد عنف النظام، الذي شمل استخدام الاعتقالات خارج نطاق القضاء والتعذيب، حتى استخدام الأسلحة الكيمياوية. كان التعذيب والإخفاء القسري من الممارسات المميزة لعائلة الأسد منذ فترة طويلة. كما هو الحال في كثير من الأنظمة الجمهورية في الشرق الأوسط، كان التعذيب يجري بعيدًا عن الأنظار، إن لم يكن بعيدًا عن العقل تمامًا، وظلّ احتمالًا بعيدًا بالنسبة إلى السوريين الذين خضعوا لقواعد اللعبة. ليس من المفاجئ أن الأنظمة الأسدية استخدمت، عند مواجهة التحدي الأكبر لبقائها، أكثرَ أشكال العنف تطرفًا لهزيمة الثورة. في البداية، لجأ النظام إلى تدابير التعذيب والإخفاء التقليدية، لكنه وجد أن هذه الوسائل غير كافية إلى حدّ ما. وهكذا توسّع نهج النظام السوري بالتعذيب من حيث الحجم والشكل والاستهداف على مدار الصراع ضمن حملة مكافحة التمرد.

بلا شك، كان نظام حافظ الأسد ونظام ابنه بشار يمارسان الوحشية عند الاقتضاء، لكنّهما اعتمدا إلى حدّ بعيد على نظام هيمنة تدعمه الرموز، وعلى أداء علني بالولاء للنظام يضمن ألا تعبّر التحديات عن نفسها في المجال العام، بل تظلّ سرًا. كما تجادل ليزا ويدين: “وراء فوهة البندقية وحدود غرفة التعذيب، كانت عبادة شخصية الأسد بمنزلة أداة تأديبية”. اعتمدت فعالية هذه الوسيلة أيضًا على وجود شبكة واسعة من جمع المعلومات الاستخبارية، ومواقع التعذيب التي سبقت الانتفاضة. غالبًا ما كان التعذيب يرقى إلى مرتبة العقوبة النموذجية قبل عام 2011، بهدف إبراز ديناميكيات السلطة، وردع الآخرين عن المشاركة في الاحتجاجات ضد النظام. ومع ذلك، بدأ منطق الهيمنة للنظام في التحول عندما أصبح السكان أكثر علانية في معارضتهم، وشكلت الانتفاضة تهديدًا أكبر للنظام. وأصبحت “أوجه الغموض في الهيمنة” أقل غموضًا بشكل متزايد، لأن النظام يواجه تمردًا متزايدًا.

مع استمرار الحرب، تحوّل استخدام النظام للتعذيب، من استهداف المعارضين المعروفين، إلى أساليب واسعة النطاق وعشوائية. تقدّر الشبكة السورية لحقوق الإنسان أنه تم اعتقال (1,2) مليون شخص، مع احتجاز أو إخفاء قسري لـ (130) ألف شخص. وفي أحيان كثيرة لا تكون حالات الإخفاء دائمة، وتُستخدَم لإجبار الأحياء أو الجماعات على التحالف مع النظام، أو لإظهار ثمن التعاون مع معارضي النظام. تم استخدام هذا بشكل متزايد مع استهداف أحياء معينة، وتحويل المشافي إلى مراكز تعذيب. يمثل هذا التحول نحو التخويف الجماعي مثالًا على تغيير أوسع في النهج، ويجبر الأفراد والجماعات على الاختيار بين الجانبين، ما يوضح كيف يقدّر النظام التعذيب في مكافحة التمرد بما يتجاوز جمع المعلومات الاستخبارية وحدها.

تركز هذه الدراسة على استخدام النظام بشكل فعّال للتعذيب للحفاظ على سلطته. وتحاول تجنب الوقوع في الفخ المعياري المتمثل في إدانة التعذيب ببساطة، من خلال نقل فحصه إلى مجال تحليلي أوسع. نسلط الضوء على المشكلة المنهجية والفلسفية للتعذيب في كثير من أدبيات مكافحة التمرد، التي تميل إلى الخلط بين الدراسة على المستويين الكلي والجزئي لتطبيق التعذيب في مكافحة التمرد. نحن نجادل بأن النطاق المروع والوحشية للتعذيب التي تكشفت في حملة مكافحة التمرد السورية كان مدعومًا بمنطق واضح على مستويات متعددة من التحليل، بالإضافة إلى عناصر عشوائية أكثر مدفوعة بأبعاد أقل (بوضوح) منطقية، ومحسوبة، وكلها مرتبطة بطبيعة كل من النظام والصراع نفسه.

يكشف الصراع السوري واستخدام النظام للتعذيب عن وجود فجوة واضحة في الأدبيات المتعلقة بالتعذيب ومكافحة التمرد، التي تركز بشكل خاص على شكل معين من أشكال مكافحة التمرد الاستبدادي كمجال مهم للدراسة. في هذا السياق، فإن أي مقاربة لفهم العلاقة بين مكافحة التمرد والتعذيب في سورية يجب أن تأخذ في الحسبان الخطوط غير الواضحة بين الدولة وقوات الأمن، بين المواقع الرسمية والبراغماتية والممارسات والأغراض المختلفة للتعذيب. مع تطور الانتفاضة، أصبحت الممارسات أقل تنظيمًا، أو أقل إمكانية للتنبؤ بها، وأكثر عشوائية، حيث بدأت أهدافها في التحول. وبحلول عام 2013، بدا أن أيام “غموض الهيمنة” التي أبرزتها ليزا ويدين قد ولّت منذ زمن بعيد، واستُبدلت بتغلغل لا لبس فيه لعنف الدولة في الحياة اليومية للسوريين.
———————-
/ عن موقع حرمون
قراءة البحث كاملًا على الرابط التالي :
https://www.harmoon.org/wp-content/uploads/2021/12/%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%B0%D9%8A%D8%A8-min.pdf

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى