“المخطوط الحَلدَبي”.. في وصفِ مدينةٍ لم تعُد مَنسيَّةً/ مقاطع اختارها: نجم الدين سمّان
وراق الملف
*- هامش: في آخر صفحةٍ من هذا المخطوط الذي اقتنيتُه من “بازار الأربعاء” في إدلب؛ وجدتُ تلك العبارةَ بالخطّ الثُلُث:
“ولمّا كان الحلبيّون يعتبروني إدلبيّاً؛ لأنّ أمي إدلبية؛ كان الأدالبةُ يعتبرونني حلبياً لأنّ أبي من أصولٍ حلبيّة؛ ولهذا قمتُ بنَحتِ صفةٍ لي من كلمتين.. فصِرتُ: الحَلدبيّ”؛ وكأنّي ابنُ مدينتين معاً؛ مثلما أنّي ابنُ سوريا التي من سفوح “طوروس” إلى قمّة “طور سنين”.
*- إدلب الإيبلائيّة/ الآراميّة:
ومِمّا كتبه الحًلدبيّ في مخطوطه: بعد اكتشاف مكتبة إيبلا؛ بدأ “ألفونسو آركي” عالم اللغات الساميّة القديمة في بعثة التنقيب الإيطالية يستعدّ لإصدار أولِ مُعجَمٍ لأول مئة كلمةٍ ترجمها من الإيبلائية إلى: الانكليزية والايطالية والعربية؛ فاستعصت عليه مُفردةٌ واحدة: كَيَّات.. كَيَّاتي.. كَيَّاتو؛ كما يستعصي الرقم مئة بعد ال 99.. حتى في استفتاءات الاستبداد الرئاسية!؛ فسأل عنها بحضوري في خيمتِه مُدرسَ التاريخ “عبد الله حَيّاني” من بلدة سراقب؛ لم يُجِبهُ الحيّاني على الفور.. أخذنا إلى مجموعة أطفالٍ يلعبون بالدِحل “الكريّات الزجاجية” في حارات “تل مرديخ/ مردوخ” بينما كان أحدهم يختلف مع آخر على مُلكية إحدى الكُرات؛ فاستخدم الكلمة المُستعصِيَة على الإيطالي:
– كل واحد يشوّفني “كيّاتو” بين إيديه.
فأخذ كلّ طفلٍ يُلملِمُ “كيّاته” كُراته الزجاجية أمام دهشة الإيطاليّ.
ثم تكشَّفَت مع ترجمة رَقِيمات مكتبتها مدى القرابة ما بين اللغة الايبلائية وبين اللغة العربية؛ من مثل:
إس- مَع – إيل: الإله إيل يسمعني؛ را- عي – نا – حَدَد: راعينا هو الإله حَدَد؛ دا – بي – حا – ما – لك: ذبيحة الملك وأُضحِيَتُهُ للآلهة؛ دِل – حِي – ل: صاحب الحِيل/ العَزم والقوة؛ كما نقول بالعامية حتى الآن: انهدَّ حِيلِي!.
ويستعمل الأدالبة مثلَ أغلبِ السوريين.. مُفرداتٍ آراميّة في لهجتهم: أمُّو: أمّه؛ إيد: يَد؛ حَركَشَ: حَرَّكَ؛ دِيبو – دِيب: ذِئب؛ دَح: للثوب الجديد؛ أحّ: للبرودة الشديدة؛ بَح: للنهاية؛ ِكخ: للوسخ؛ بُعبُع: للرُعب؛ واوا: للمرض والألم؛ إيع: للقرف؛ سَخسَخ: للغواية؛ تَختَخ: في الحبس؛ بَخبَخ: للريّ وللمطر الخفيف؛ طَخ طَخ: للقَنص والصيد؛ جَخّ: للبذخ: نَخنَخ: للخصوع والمَذلّة؛ نِخّ.. نَخّ؛ تِشّ: للمشوار؛ سَق ونَق: للإلحاح؛ سِرِّي مِرّي.. للذهاب والإياب.. الخ.
أطرف تفسيرات اسم “إيبلا” بأنه يعني “عَبلَة” وهي في العربية: المرأة البيضاء المُمتلئة؛ بينما كلمة إيبلا من مقطعين: إيب: إياب – عودة؛ إيلا: الإله السوري إيل؛ وتعنيان معاً: مُستقرّ الإله؛ وفي المعنى المجازي: الجنّة.
*- أهزوجة إدلبية في رمضان:
يتذكر الحَلدَبِيّ في مخطوطه: يَهزِجُ أطفال إدلب بعد الإفطار:
“حلِيلِيِّه ملِيلِيِّه.. هَبّ الهَوَى ورماها
في حارة الشرقيِّه
يا حارة يا مَنشومي.. دِقّ السِكِّة عَ التومِه
قول يلّا ويا ستَّار.. حلُّوا الكيس واعطونا..
لولا محمَّد ما جينا”
يخصّون بالاسم أحد رفاقهم من أطفال العائلة؛ حتى يُفتح باب الدار ويقوم صاحبها بتوزيع ما يتوفّر لديه من تينٍ وزبيبٍ مُجَفَّف؛ ومن قضامة مٌلبّسة بالسُكر؛ أو “تين بعجين” أو “حلاوة مقبَّطة”.. وسواها على الأولاد.
ثم يتابعون أهازيجهم.. على النحو التالي:
“يا ريتإنّي زَرزور.. واطلَع عَ السطوح
نَقِّي الملَاح الملَاح.. والرَبّ يعطيني
صيني عَ صيني.. والربّ يعطيني
وشقوق الصُوبَرَه.. تِحلِب وتسقيني
يا حاحي يا حاحي.. ويا صَفِّة قدَاحِي
لا تلعب بالصُوبره.. لا تلعب بِرمَاحِي
أخدونا وجابونا.. وعَ القِشلِه وَدُّونا
ولمّا وظَّفونا..يا حِيف عَ الشباب”
*- حاشية بقلم الرصاص:
لا يكتمل أولُ مساءٍ رمضانيّ لنا.. إلا إذا ذهبنا قبلَ الإفطار إلى “تلّةِ الرَمَادِة” قربَ “الجامع العُمَرِيّ” وهي تلّة يُقال بأنها مِن مُخلَّفاتِ “لُبِّ الزيتون” بعد عَصرِه واستخراجِ زيتِه “زيت البيرين” ممَّا يلزم لصناعات منها “صابون الغار” الذي اشتُهِرَت به إدلب أيضاً؛ وبخاصةٍ بعد إعفاء صُنَّاعِه من الضريبة في العهد العثمانيّ؛ ومن أشهرهم “آل الصَنّاع” ويبدو أن كُنيتَهُم قد جاءت من تلك الصنعة التي أجادوها.
وهكذا تشكَّلت تَلَّتان من مُخلَّفات تلك الصناعة؛ ثانيها.. كان شمال ساحة البازار؛ وأذكر كيف كانت الحشائش والزهور البرية تنمو فيهما؛ ويتخذ أبو اصطيف الشرقيةَ منها مكاناً لتجهيز “مدفع رمضان” لكنّي رأيتُ بدلاً عنه كتلةً بين يديه ولها فتيل؛ ثمّ يصرخ بنا لنبتعد عنها وعنه؛ بينما يُشعِلُ قدَّاحته الحجريّة ذاتِ الفتيل؛ ثم ينفخ حتى يتوهَّجَ؛ فيُقرِّبُهُ من فتيلِ تلك المُفَرقَعَةِ الصوتية لترتفعَ في الهواء.. فترتفع معها رؤوسنا لنراها كيف تنفجر في الجوِّ تاركةً وراءها سحابةً رماديةً من الدخان.
خيبتي من عدم وجودِ مدفعٍ حقيقيٍ لرمضان جعلتني لا أعودُ ثانيةً لمشاهدة ذاك “الطُوب” الذي يُفَرقِع فقط؛ ثمّ أّنّي كبُرتُ.. وكَبُرَ أقراني؛ فجاء جيلٌ بعدَنا.. يهزجُ؛ وهو يدقّ الأبواب في رمضان:
“جيناكم.. جينا.. جينا / حلّوا الكيس واعطونا”.
وفي أهزوجةٍ غيرَها:
“غزالي غزالي.. طاب عيشي طاب
والعمل ثلاجي.. بنِصّ الليل وغاب
يا علي لا تتعوَّق.. جِبلِي سرير مزَوَّق
جِبلِي غزالِه عَرجَه.. جرَيَّاتا طوَال طوَال
ما بيفوتو بباب الدار
صيني عَ صيني.. والرَبّ يعطيني
وشَنُّونِة الصوبَرَه.. تِحلِب وتسقيني
حَيِّ عَ السطوح.. بتعطونا ولّا منروح“
ثم يذكرون اسمَ أحد أقرانهم من العائلة التي دقّوا بابها:
“لولا أحمد.. ما جينا”.. الخ.
*- على حاشيةٍ في هوامش المخطوط.. كتب أحدهم:
“ثمّة جيلٌ من أطفال إدلبَ ذاتها؛ لا يعرفون رمضان الذي عشناه؛ لم يعيشوا.. سوى مشاهِدِ شبيحة الأسد؛ ثمَّ أوهمهم إخوة المنهج بأنهم قد تحرّروا من الاستبداد؛ فإذا هُم في استبدادٍ جديدٍ باسم الدين”.
*- يا وَرَق الدِلب الأخضر:
وقال الحلدبيّ: ما بين إدلب وحلب مسافةٌ لا تزيد عن 59 كم؛ لكنها كافيةٌ لتجعلَ من “إدلب الصُغرَى” مُلحقةً بولايةِ حلب على مَرِّ العصور؛ تلفُّها غاباتٌ من أشجار الدِلب؛ ولهذا لَوَى المُتفَيقِهِون عُنُقَ اسمِهَا الذي لا يُعرَفُ حتى الآن معناهُ.. ولا من أيةٍ لغةٍ أتى؛ فأفتوا بأنّ إدلب من الدِلبِ.. تصحيفاً؛ حتى اضمحلَّت غاباتُهَا الدلبيَّةُ شجرةً بعد شجرة؛ يقطعها الحَطَّابون؛ ويزرع الأدالبةُ بدلاً عنها.. أشجارَ الزيتون.
ويُقال بأنّ السلطانَ العثمانيّ قد أقطَعَ إدلبَ للصَدر الأعظم “محمد الكوبرلي باشا” – ما يُعَادِلُ اليومَ مَنصِبَ رئيسِ الوزراء؛ فأعفاها من الضرائب فازدهرت؛ وبنى فيها “خانَ الرزّ” وخاناً آخرَ.. لا يُعرَف باسمه الأصليّ وإنما باسم “خان الشحَّادين” كما نَظَّمَ لكلِّ حِرفَةٍ سوقاً خاصّاً بها وشيخَ “كار”؛ وكان فيها مئاتُ مَعَاصِرِ الزيتون الحجريّة؛ وأكثرُ من 30 مَصبَنةٍ لصناعة صابون الغار.. ثم اندثرت “إدلب الصغرى” لسببٍ غامضٍ في التاريخ لم يلتفت إليه المُؤرخون؛ وكانت عند “الرَام”؛ والرَامُ في السريانيّة: “النَبعُ الشَحِيحُ” ومِن حَولِهِ: شِبهُ بُحيرةٍ لا ترومُ مكانَهَا؛ كانت تُسمَّى “رَامَ حَمدَان”. وكان “أبو الكيف” سائقَ أولِ باص سكانيا “هُوب هُوب” بين إدلب والشام؛ قد حَلَفَ بالطلاقِ ثلاثاً قبل أن يقول: “حين بدأوا بإشادة أ وتستراد “باب الهوى – إدلب”؛ انكشفَ لهم عند النَفَقِ الذي حَفَروه.. قوسُ بابٍ حجريٌّ تحت الأرض؛ وكنتُ أولَ النازلينَ إلى داخله؛ فرأيتُ جزءاً من سوقٍ عتيقٍ والدكاكينُ على جانبيه”.
والمدينة الحاليةُ هي “إدلب الكبرى” وبقيت “قائمقاميّة” تابعةً لولاية حلب حتى جاء جمال عبد الناصر بجحافل الوحدة؛ فأعلنها مُحافظةَ مُستقلة؛ فصارُ أغلبُ الأدالبة قوميين وحدويين ناصريين؛ ومنهم الكردي عبد العزيز الكردي صاحب “مكتبة الأقطار العربية”!؛ ثمّ ماتَ الزعيم فأقام الأدالبةُ صلاةَ الغائبِ عن روحه لم يتخلّف عن أدائها حتى المَشلول؛ لكن المجذوبَ على بركة الله “أبو فريد قريد” نفى موتَ الزعيم الخالد قطعياً؛ حالفاً بالطلاق ثلاثاً بائناتٍ.. بأنّ أبو خالد سيعود من منفاه قريباً؛ وبالضبط من جزيرةٍ في “بحر الظُلُمَات” ليترأس مصرَ والشام من جديد نكاية بالبعثيين!.
*- 100 عامٍ وعامين:
كتب الحَلدَبِيّ في مخطوطه: رأيتُ في مكتبة جدّي الإدلبيّ كتباً عليها خَتمُ “نادي إدلب الأدبي – تأسَّسَ عام 1919″ ثمّ أغلقه الفرنسيين؛ بحُجَّةِ مُسانَدَةِ أعضائِهِ لثورة الشمال بقيادة إبراهيم هنانو؛ فتقاسم أعضاؤه المكتبة التي اشتروا كُتُبها من حلب ودمشق وبيروت؛ وبالبريد من القاهرة؛ وبينها مجلاتٌ.. كانت إحداها مُختصة بالزراعة؛ ورأيتُ عدداً خاصاً منها عن” شجرة الزيتون”.
وأردف الحلدبيّ: “فلمّا اجتاحت “الفرقة الرابعة” في جيش الأسد إدلبَ “تمشيطاً” لها من “العصابات الإرهابيّة المسلحة” بعد مجزرة حماة في ثمانينات قرنٍ مضى.. ولم يجدوا في المدينة سلاحاً ولا مُسلّحين؛ خافت خالتي من كتب “النادي الأدبيّ الإدلبيّ” الذي تأسّس مع الاستقلال الأول لسوريا؛ فأحرقتها كتاباً بعد كتابٍ تحت “قاظان” الحَمَّام.. بَدَل “الحطب”.
ومن المُفارقة.. أنّ إحراقَ الكتب تقوم به الأنظمةُ الاستبدادية؛ واللاهوتُ الدينيُّ المُتحالِفُ معها؛ خوفاً من انتشار عَدوَاهَا بين الناس؛ لكن أن يقومَ مُواطنٌ مَقموعٌ؛ مُستبَاحَةٌ حقوقُهُ؛ بإحراقِ الكتب.. خوفاً من عِقابِ تلك الأنظمة؛ على وجودِهَا في بيته؛ فهذا ما فَعلَتهُ خالتي فوزيّة.. بامتياز!.
*- حاشية في هذه الصفحة من المخطوط:
أعدنا تأسيس “المنتدى الأدبي لمدينة إدلب” عام 1978 إحياءً لأولِ نادٍ ثقافيٍّ فيها عام 1919؛ وأصدرنا مجلّةً “طبعناها بواسطة ورق الستانلس” ضمَّت نتاجات شعرية وقصصية ومقالات؛ شارك في التأسيس: مصطفى قطِّيع؛ مصطفى الأخرس؛ وليدة عنتابي؛ علي الخطيب؛ يوسف الزير؛ عبد الله الخطيب؛ نجم الدين سمّان – وكنتُ أصغرَ المُؤسسين عُمراً – ثم أقمنا أولَ “مهرجانٍ لأدباء محافظة إدلب” على مدى ثلاثة أيام: للشعر والقصة والخاطرة الأدبية؛ شارك فيه خطيب بدلة؛ بأول خاطرةٍ ساخرةٍ له.. اسمها: عريضة لأجل برميل زبالة؛ طَوَّرَها بعد ذلك إلى قصةٍ ساخرةٍ تحت اسم: “قصة البرميل”.
*- إهزوجة إدلبية عن هنانو:
كلما شاهدنا ونحن أطفالٌ طائرةً في سماءَ إدلب؛ أخذنا نَهزِجُ:
طيَّارة طارت بالجَوّ.. فيها عسكر فيها ضَوّ
فيها إبراهيم هنانو.. راكِب عَ ضَهر حصانو.
وبعضنا.. يُرددها هكذا:
فيها ابراهيم هنانو.. مرَكِّب بِنتُو قِدّامُو.
وممَّا رَوَته جَدَّتي الإدلبية لي؛ أنَّ ابنةَ هنانو شاركت أيضاً في الثورة؛ وكانت أحسنَ من أحسن حكيم.. تُداوِي الجرحى؛ وشاطرةٌ أيضاً في ركوب الخيل وفي المناورة بها أثناء المعارك.
وأضافت: قصفتنا طيّارة فرنسية بقنبلة واحدة برّا البلد عند “الرام”.. استنفرنا؛ بدأ التكبير في الجوامع ودقت أجراس الأبرشيّة لأنّ ابنةَ هنانو هاجمت القِشلة الفرنساوية في إدلب وهي مُلَثّمَةٌ مع مجموعةٍ من الثوّار “الجَتَا”؛ وكانت تضرِب فَشَكّةً؛ ثم تنزِل برجلٍ واحدةٍ على مِهمَاز الفرس فتختبىء وراءَ بطنها؛ لتُخَرتِش البارودةَ من جديد.
سألتُ جَدَّتي: – كيف عرفتوها وهي مُلَثَّمَة؟!.
قالت: – لمّا احتمت ببطن الفَرَس؛ انزَاح شمَاخهَا؛ وبَيَّنت منه ضفيرتها؛ فعرف الأدالبة أنها هي.
كان عُمر جَدَّتِي الإدلبيّة فوق السبعين حينَ سألتُها؛ ولم أكترِث وقتَهَا؛ وحتى الآن؛ إذا كانت تلك الحكايةُ صحيحةً؛ أم هي نِتاجُ خَيالٍ وتَوقٍ شَعبيِّ لثورةٍ لم تَدُم طويلاً بسبب تآمُرِ فرنسا وتركيا وبريطانيا ضِدَّها.
*- حاشية: تذكرتُ هذه المُحادثة بعد 50 عاماً وأنا أُحصِي مَن تآمر على الثورة السورية منذ 2011 ومَن لا يزال يُحاصرها بالاحتواء المُزدَوَج!.
*- نجاح حفيظ.. في إدلب
يُذَكِرُنا الحلدبيّ في مخطوطه.. بما يلي: بدأت بواكيرُ النشاط المسرحي في أربعينات قرنٍ مضى كان من روّادها الفنان جميل كيالي؛ وبخاصةٍ في “مدرسة المتنبي” ثمّ في “نادي الإخاء الرياضي الاجتماعي” ثم في “نادي الفنون الشعبية” الذي كان عبد الرحمن النجّار “أبو التركي” من مؤسسيه عام 1965. وأتذكّر بأنّي دخلتُ “نادي الفنون الشعبية” لأول مرّة وعمري 8 سنوات؛ إلى مَقَرِّهِ في الطابق الأرضيّ من بناء عبد الرحمن دويدري في الشارع العام؛ حيث كان عمّي بهاء عضواً في الفرقة المسرحيّة للنادي؛ وأخرجَ لها عملين مسرحيين؛ لكنه اصطدم بعدم جدوى البحثِ عن فتاةٍ أو سيدةٍ في إدلب لتأدية الدور النسائي في المسرحية؛ فسافر إلى دمشق وتعاقد مع نجاح حفيظ؛ فأقامت في بيت عمي شهرين قي كل عامٍ.. دعماً لفرقةٍ مسرحيةٍ في مدينةٍ منسيّةِ في الشمال السوري.
*- هامش على حاشية المخطوط: وأحصيتُ 92 عملاً مسرحياً قدّمته أجيال متوالية في إدلب؛ بينها 50 عملاً أخرجه الرائد المسرحيّ أحمد مروان فنري. كما أحصيتُ نصوصاً مسرحية من أبرزها: “الناسك والحصاد” 1969 “المهر زاهد” 1973 “في خدمة الشعب” 1978 “ماذا يقول الماء” 1986 لحسيب كيالي؛ ومسرحية “تراجيديا أوليس” عام 1972 لرياض نعسان آغا؛ ومسرحية “الحطّاب” لرياض سفلو 1975؛ و”ميم يبحث عن مدينة” للفقير إلى وطن نجم الدين سمان 1976. ومن المُخرجين الأوائل: عبد الله سمسوم؛ بهاء الدين سمّان؛ غياث عيّاشي؛ خليل قبيعة؛ أمين راجحة.. وآخرين.
*- أول ساعة في “ساحة البازار”.
*- هامش.. والساعة الحاليّة مبنيّة على برجٍ حجري؛ ثم صارت رمزاً للمدينة بعد ان صارت مع ساحتها مقراً للمُظاهرات السلميّة ضد النظام الأسدي عام 2011؛ وقد جاء في المخطوط حول الساعة الأولى.. ما يلي:
ما أن استقرَّ جدّي الحلبيّ نجيب أفندي في إدلبَ؛ وافتتحَ دُكَّانَهُ في أولِ سوقِ الصَاغَةِ؛ حتى بدأ العابرونَ أمام دكّانِهِ يسألونه: – شأَدّ الساعة.. يا أفندينا؟!.
ثم فَقَعَت مَعُه؛ حينَ علّقُ أحدُهُم على جَوَابِهِ: – متأكِّد.. يا أفندينا؟!.
فقال: – سأضَعُ ساعةً كبيرة في “الجَام” فلا تسألوني واعرفوا التوقيتَ منها.
ثم قرّر شيئاً بينه وبين نفسه؛ فلمّا خرج الناسُ من صلاة الجمعة؛ من جامع الشيخ بُرغُل في ساحة البازار؛ رأوا نجيب أفندي وعلى يمينه حَمَّالُ وعلى يسارِه حَمّالُ؛ ثم وضع الأولُ ” السلّاتَةَ” وهي سلالِمُ خشبيةٌ مُثلثةٌ كالهَرَم الصغير؛ يستخدمها الإدالبة لقطف زيتونهم؛ فصَعَدَ عليها أحمد شيخ الحدادين مُثبِّتاً بمسامير الحديد شيئاً لم يُدرِكُوا مَاهِيَّتَه بَعدُ؛ ثم صَعَدَ نجيب أفندي؛ فَسَحَبَ السِلسِلَةَ وقد تدلّت من الطرفين؛ واضعاً أذنه على صفيحة الساعة؛ طالباً من الحشد الذي تجمَّعَ أن يصمتوا.
بعد دقيقةٍ أشبَهَ بالدهر؛ كان نجيب أفندي يُنصٍتُ فيها لِدَقَّاتِ ساعته؛ استدارَ وهو في الأعلى قائلاً:
– أمّا بَعد.. فها قد صارت لإدلبَ سَاعَتُهَا العُمُومِيَّة؛ لم تُكلِّف خزينةَ الدولة شَروَى نَقِير؛ فكلُّ ما تَرَونَهُ مِمَّا بينَ أيدينا: صاجان لخُبز التنُّور.. صنعنا منهما مينائَهَا؛ أما آلاتها فمِن ساعاتٍ قديمةٍ لديّ؛ وتبرَّعَ شيخُ الحدّادين بِلِحَامها وتثبيتها مشكوراً؛ وشيخُ الخطّاطين برسم تدرُّجاتها وأرقامِها؛ وشيخُ النجَّارين بعقارِبِهَا الحشبية؛ وضبطتُ لها وَجهاَ على التوقيت الشرقيّ؛ والثاني على التوقيت الغربيّ؛ فلا يسألني أحدٌ بعدَ الآنَ عن المواقيت.
بعدَ أسبوعٍ من انجازِه.. أسَرَّ نجيب أفندي للمُفتي الكيّالي:
– أصابَنِي مَلَلٌ شديد يا شيخنا.
– ليش يا نجيب أفندي؟!.
– ماعاد حَدا يتغالَظ ويسألني: أديش الساعة بهالساعة.. يا أفندينا؟!.
*- جمهورية إدلب العظمى:
كتب الحلدبيّ: فلمّا كان عمري 14 عاماَ جاء حسيب كيالي إلى مسقط رأسه ليُلقي مُحاضرة فامتلأت صالةُ المركز الثقافيّ عن آخرِها؛ بشكلٍ غيرِ مَسبوقٍ، حضرها كثيرونَ وقوفًا، واستغرقت 40 دقيقة، استغرقنا فيها بالضحكات والتعليقات المُتبادَلة ما بيننا وبينه.
قال حسيب بأنه حين ذهب إلى باريس لدراسة الحقوق، التقى حسناءً فرنسية تدرسُ التاريخ القديم لشرق المُتوسِط، فلمّا سألته عن بَلدِه؛ قال لها: – جمهورية إدلب العُظمَى.
بحثَت المدموزيل ليومينِ في المكتبات العامَّة عن تلك الجمهوريّة.. فلم تجِدها؛ أردفَ حسيب: – مغفورُ للرجل أن يكذبَ على حسناءٍ حتى تعودَ للقائِهِ.. فتسأله: – ولها عَلَمُ ونشيد؟!.
رَسَمَ لها حسيب زيتونتَين.. بينهما قُرنُ فليفلةٍ حمراء؛ دَندَنَ لها بالنشيد الوطنيّ لجمهوريته؛ وهو يفكّر كيف سيتمكَّنُ من ترجمته إلى الفرنسية:
“علي عُلعُل / طَبَخ بُرغُل.. إجَا ليصبُّوا / حَرَق..بّو”.
قال حسيب: – كنتُ أكذِبُ.. لألتقيها مرّةً تلوَ مرَّة؛ مُستمتعًا بدهشة عينيها وبجمالها الباريسيّ الناعم، تكتبُ كلَّ ما أقوله.. لتبحث عن جمهوريتنا في كتب التاريخ.
ثمّ أردَفَ وهو يتأملُ أنوثتها: – ولها حكومةٌ مُنتخبَةٌ ديمقراطيًا!.
رمقته الباريسية بنظرة شكٍ.. لأولِ مرَّة؛ فبادرها:
– قبل أن يُطِيحَها أولُ انقلابٍ عسكريّ!.
فلمّا أخذ يُعدِّد أسماءَ وزراء حكومتنا الإدلبيّة العتيدة؛ وقد عَيَّنَهُم حسيبُ من أبنائِهَا؛ ضَجَّت القاعة بالضحك؛ فمع كلِّ شخصيةٍ في حكومته العُظمَى المُتخيَّلَة؛ كنّا نُترجِمُهَا إلى ما يُمَاثِلُهَا في حكومة حافظ الأسد بعد انقلابه على رفاقه؛ فنضحكُ حتى الثمالة. فقد عَيّنَ حسيب أشهرَ لِصٍّ مُحترفٍ في إدلب: وزيرًا للعدل، و”التُوم” أحد القتلة وزيراً للداخلية؛ وأبو طندو “كشّاش الحَمَام” وزيرًا للخارجية، وشيخًا من شيوخِ “السَلتَه” فيها؛ لا تفوتُهُ “جَوَازَةٌ ولا جَنَازَةٌ” وزيرًا للأوقاف؛ والإسكافيّ علي حسينو مدير عام “مشفى الصَرَامِي” في سوق “الكُندَرجِيّة”: وزيرًا للصحَّة؛وعَيَّنَ حسيب ابنَ عَمِّهِ عبد الجَبَّار؛ الذي يعتبره من الشِقّ الأهبَلِ بين الكيَّالِيَّة ومِن عديمي الموهبة حين ينظم الشعر: رئيسًا لاتحاد الكُتّاب، وغالب العيَّاشي الذي خسر عدّة انتخاباتٍ نيابيةٍ منذ الخمسينات: رئيسًا للبرلمان، وبين وزرائِهِ.. سيدةٌ من إدلب مشهورةٌ بباروكتها عَيَّنَها حسيب: وزيرةً للثقافة!.
*- البواريد:
كتب الحَلدَبِيّ في مخطوطه:سحبني من يدي المجاهد السوري عمر الأبرش.. من معرّة النعمان؛ في إحدى دوراتِ مهرجان أبي العلاء المعرّي؛ ليُرينِي نقشاً بالسريانية ما زال موجوداً في حائط الجامع الأموي هناك. وكان عمر الأبرش قد شارك في ثورة هنانو 1920؛ ثم ذهب بعد الثورة السورية الكبرى 1925 إلى العراق؛ ليشارك في ثورة الكيلاني ضد الاحتلال البريطاني 1936؛ ثم في جيش الإنقاذ عامي 1947 – 1948.
قال الأبرش: – كنّا نُرسِلُ البواريد والفَشَك إلى الشيخ صالح العلي؛ من قرية “الشِغر” فوق بلدة جسر الشغور؛ على ظهور البغال؛ فيستلِمُها منّا.. ثوّارُ بلدة الحَفَّة؛ ثم يقومون بإيصالها إلى الشيخ صالح العلي في “الشيخ بدر” بجبال طرطوس.
*- حاشية: لو كان عمر الأبرش حياً.. لرأى مدينته التي دمّرها الغزاةُ مرّاتٍ؛ يُدمّرها طاغيةٌ.. من أبناء جِلدتنا؛ ولرأى كيف قطع إخوة المنهج رأس تمثال أبي العلاء المعرّي لأنه صَنَمٌ؛ وسيرى عمر الأبرش كيف أنّ جنود الأسد قد دمّروا ما رمَّمَهُ سابقاً في ضريح عمر بن عبد العزيز ونبشوا قبرَه؛ ولكان سيسمَعُ صوتَ أبي العلاء يتردَّد كالصدى ما بين ركام مدينته المُدمّرة:
ما أظنُّ أديمَ “أرضنا”.. إلّا مِن هذه الأجساد.
كتب الحلدبيّ: يُقال بأن إدلب هي بوابة سوريا إلى الشمال؛ ومن هذا الشمال جاء الإغريق والرومان والبيزنطيّون والعثمانيّون وسواهم؛ وربما عَبَرَ امرؤ القيس من “بصرى الشام” إلى “باب الهوى” في طريقه إلى “بيزنطة/ استانبول حالياً” ليطلب تاجَ المُلك من امبراطورها.. كملكٍ للعرب.. فعاد بعَباءةٍ مسمومة!.
ومروراً من “باب الهوى” أنشأ الرومان درباً مرصوفةً بالحجارة لعرباتهم العسكرية والتجارية؛ ثم ماتَ هذا الدربُ بانهيار روما؛ فماتت المدن الرومانية والبيزنطية التي على جانبيه؛ حتى صار مُجرَّد صدىً لقرقعة الجيوشِ التي عَبَرَتهُ.. وعاشت كلُّ المحافظة في عُزلةٍ غير طوعية؛ ثمّ زادها عُزلةً حافظ الأسد ردّا على استقبال الأدالبة له براجماتِ الصرامي؛ رأيتها مع الجواريخ والكسريّات وشحاطات البلاستيك.. تكادُ تصل إليه وهو على سطح المركز الثقافي القديم؛ وأنا ابن الحادية عشر؛ في ساحة “الصَومَعة” التي صار اسمها: ساحة هنانو.
ومذ ذاك.. أُحكِمَ طوقُ حصارٍ حول إدلب؛ حتى أنّ القائد غير الأبدي قد أبعَدَ عنها الطرقَ الدولية حلب – دمشق و حلب – اللاذقية؛ وكذا مسارَ قطارِ حلب – اللاذقية؛ ولم تُدرَج في الخُطَط الخمسيّة للحكومة.. فانضمَّت إلى قائمة “المدن المنسية”؛ ولم يعًد أحدٌ يقصدها.. سوى رجال الأمن المفروزين إليها.
فلمّا بدأ انشاءُ اتوستراد “باب الهوى” وعَرِفَ الأدالبة بأنه لن يمرَّ بمدينتهم؛ اجتمعوا.. وكان والدي بينهم؛ فاتفقوا على “إضراب عام” في اليوم الذي سيجتمع فيه حافظ الأسد مع وُلاته “المحافظين”؛ طلب أبو محمد هرموش الكلام – وهو الأخ الأكبر لأولِ ضابطٍ انشقَ عن جيش النظام عام 2011- كما كان المُوزِّعَ الرئيسيّ لعبوات الغاز المنزليّ في المدينة.. فاقترح تفجيرَ عُقدة الأوتستراد بأسطوانات الغاز؛ وتبرَّع أبي وآخرون بها؛ فلمَّا انفجرت عَبَرَ صداها شوارعَ إدلب المُغلقة دكاكينها ومدارسُها ومؤسساتها حتى وصل إلى “قصر المُهَاجرين” فكان هذا أولَ حِرَاكٍ مدنيّ في العهد الأسديّ يُؤتي ثماره؛ حيث تمّ إجبارُ الحكومة على تعديل مسار اتوستراد باب الهوى – حلب – دمشق.. ليمرَّ فرعٌ منه بالمدينة.
*- الانقلاب.. بوصفه نقيضاً للسخرية.
كتب الحلدبيُّ في مخطوطه.. قال: مررتُ بدُكّانِ علي حسينو مدير عام مشفى الصرامي؛ الذي لطالما كان مُلتقى أجيالٍ من شباب إدلب؛ فوجدتُهُ على غيرِ عادَتِهِ الساخرة؛ قال: – ما عاد الوضع يُحتَمَل؛ أحضِر لي في الحال والدك وحسيب كيالي. فلّما سألته: لماذا؟.. قال: – مرَّ والدُكَ بدكّاني مَرَّةً فلمّا سَمِعَ ضحكاتنا أنا وصديق طفولته حسيب كيالي، انضمَّ إلينا ونحن نروي الطرائفَ ونسخر ونضحك؛ حتى قَطَعَ صوتُ آذانِ الفجر ضحكاتِنَا؛ عَلَّقَ والدُك: – الله يعطينا خير هالضحك ويكفينا شرّه. فلمّا أفقنا في الصباح كان أولُ انقلابٍ عسكريٍّ في سوريا والعالم الثالث قد حدث. ولهذا أريدُهما في الحال. فصحكت: – من أين سأجلبُ لك حسيبًا وقد ماتَ في غُربَتِه؛ ولحِقَ بهِ والدي بعدَ أربع سنوات؟!.. ليش مُستعجِل كثيرًا على الانقلابات؟!.
فأشار علي حسينو إلى صورةٍ لحافظ الأسد على الجدار المُقابِل له: – طَوَّل هالعَرصَه.. كتير!.
كان الاسكافيُّ الذي وُلِدَ بشللِ أطفالٍ في قدمَيه؛ مُستعِدًا للموتِ ضَحكًا.. ليتخلّصَ السوريّونَ من طاغيتِهِم حتى لو بانقلابٍ ساخر.
*- درب حلب ومشِيتُو.. كلّه سَجَر زيتوني:
من ذلك الطريق.. خرجت قافلةُ رجالٍ من إدلبَ إلى حلب مُكبّلةً بالسلاسلِ؛ بينهم جدّي الإدلبيّ اسماعيل؛ يحرسهم الجنود المغاربةُ والسنغاليون في الجيش الفرنسي؛ مَشياً على الأقدام حتى سِجنِ القلعة في حلب؛ بتهمة دعم ثورة هنانو ضد الفرنسيين؛ فما لبِثَت حَنجَرةُ فلاحٍ بينهم من قرية “قميناس” حتى انطلقت بشجوٍ أدهشَ الضابط الفرنسيّ؛ وبَلَّلَ بالملحِ دموعَ الجنود المغاربة:
“دَرب حَلَب ومشِيتُو.. كلُّو سَجَر زيتونِي
حَاجِي تبكي وتنوحي.. بكرا منِجِي يا عيوني”.
فلمَّا دَسَّها صباح فخري في سِياقِ أغنيةٍ له؛ غابَ ذِكرُ إدلبَ عنها؛ كحالِ القائمقاميَّة مع مركز الولاية في حلب.. على مرِّ العصور.
*- حاشية مُضافَة بقلم “كوبيا” أحمر.. بعد 2011:
وعلى ذاك الطريق.. انقلبت الدباباتُ الأسديَّة على قَفَاها في المحافظة الإدلبية؛ بل انقلبت طائراته في أول مطارٍ مُحرَّرٍ في “تفتناز” من سماء القصف إلى رمادٍ مُشتَعِل.
انقلبت فيها الثورة السلميّة إلى كفاحٍ مُسلّح؛ ثم انقلبت أولُ الإدارات المدنيّة الحرّة إلى “شَرعيَّاتٍ” على النَسَقِ الطالباني؛ وتحوَّلت محافظة إدلبُ من أول محافظةٍ مُحرَّرةٍ من الاستبداد الأسدي إلى مركز ولايةٍ إسلاميةٍ غير مُعلَنةٍ!.
في ذاك الطريق بالضبط.. سنَعرِفُ إذا كانت ستُستعَادُ الثورةُ مِن الذين واجهوها بالقتل والتدمير والتهجير؛ ومِن الذين اختطفوها؛ ومِن الذين حاصروها بالاحتواء المُزدَوَج؛ أو.. سنَطوي أولَ صفحةٍ لِكُبرَى ثوراتِ الربيع العربيّ؛ كما طُوِيَت أولُ ثورةٍ في الشمال السوريّ على المُستعمر الفرنسي!.
———
/ عن “مجلة أوراق” الصادرة عن رابطة الكتاب السوريين