حوارات وآراء

قاسم سليماني ومرفأ “اللاذقية” / إبراهيم العلوش

قبل سنتين، وفي مثل هذه الأيام، تمت تصفية قاسم سليماني، القائد الإيراني الذي عامل السوريين كقتلة للحسين، وقبل أكثر من سنتين بقليل، تمت تصفية “أبو بكر البغدادي”، القائد “الداعشي” الذي وصم السوريين بالكفار وبالمرتدين، بينما بقي بشار الأسد وفلاديمير بوتين يكملان مسيرة تهجير السوريين.

لا تزال إيران وأعوانها يندبون مقتل سليماني (3 من كانون الثاني 2020) الذي جسّد الكراهية للسوريين، وبشّر بترحيل الشعب السوري من أجل إعادة هندسة سوريا طائفيًا حسب مشيئة ملالي إيران. وقبل أيام، رفع “حزب الله” لوحات جديدة على طريق المطار في بيروت، يعظّم فيها سليماني وقدراته الخارقة التي رفعت من قوة الحزب وربطته بإيران، حتى صار وكيلًا حصريًا للاحتلال الفارسي في بلاد الشام.

اليوم، وبعد سنتين من مقتل سليماني، يتم تدمير أجزاء من ميناء “اللاذقية”، فالإيرانيون يستثمرون جهود سليماني والتحالفات التي زرعها في بنية نظام الأسد، ويمرّرون الأسلحة عبر ميناء “اللاذقية” إلى “حزب الله” الحاضر في الجنوب السوري، والقلمون، وعلى الحدود السورية- اللبنانية، وعلى جوانب الجولان المحتل.

وقد كانت إسرائيل تسمح سابقًا بمرور الأسلحة الإيرانية إذا كانت موجهة ضد السوريين، ومن أجل تهجيرهم وتدمير مدنهم، أما الآن فهي لن تسمح للإيرانيين بتمرير الأسلحة عبر ميناء “اللاذقية” إلى “حزب الله”، ليستعملها ضدهم كورقة ضغط تدعم الإيرانيين في مفاوضاتهم الجارية بفيينا مع الأوروبيين والأمريكيين والروس والصينيين.

في الطرف الآخر، وبعد سنتين وشهرين من مقتل “البغدادي” (28 من تشرين الأول 2019)، تقوم بقايا “داعش” بتهديد السوريين في قرى دير الزور وابتزازهم، وكأنها تدفع بسكان الفرات والجزيرة السورية للارتماء بالأحضان الإيرانية المتمركزة إلى جانب النظام من البوكمال، مرورًا بدير الزور وصولًا إلى حدود الرقة، إذ طالما كانت “داعش” أداة عمياء للتدمير والقتل بيد المتصارعين في المنطقة، ولقد قامت بدورها بتهديم المدن وتهجير السكان لمصلحة المشروع الإيراني الذي أسسه قاسم سليماني، سواء كانت تعي ذلك، أم كانت لا تعي ما تفعله طوال السنوات الماضية!

مرفأ “اللاذقية” يتعرض للمرة الثانية خلال شهر واحد للقصف بسبب إيران، وبسبب تراث قاسم سليماني الذي أباح الجغرافيا السورية للميليشيات الطائفية، وقام بوصفه مندوبًا ساميًا لإيران بدعوة الروس إلى دخول الأراضي السورية في عام 2015، وللمفارقة، فإن القوات الروسية التي تقع في قاعدة “حميميم” على بعد 15 كيلومترًا من ميناء “اللاذقية”، لم تقم بأي رد فعل ضد قصف أهم ميناء سوري، ما جعل مؤيدي النظام يرفعون أصواتهم منادين بوتين بلقب “أبو لهب”، بدلًا من لقب “أبو علي بوتين” الذي كانوا يصدحون به منذ بداية تسليم سوريا للاحتلال الروسي!

منذ عامين غاب اثنان من مجرمي الحرب الكبار في سوريا، هما قاسم سليماني و”أبو بكر البغدادي”، وبقي بشار الأسد يدير جوقة القتلة والمنافقين الذين يتمادون في إذلال السوريين وفي تسليم البلاد إلى قوى الاحتلال المختلفة الألوان والأشكال، ويُلحقون بالسوريين الجوع والإفلاس والذل، زاعمين انتصارهم على العالم الذي لا يقبل بشار الأسد إلا كمجرم حرب!

وبقي أيضًا فلاديمير بوتين في سوريا، الذي لا يزال يتفرج ببرود على قصف ميناء “اللاذقية” في وقت فراغه، وهو يستثمر في حماية الطغاة، ويدير حروبه في أنحاء العالم الأخرى من بيلاروسيا إلى ليبيا إلى إفريقيا الوسطى والغربية، وكوريا الشمالية، وصولًا إلى الحرب الكبرى التي يدبّرها ضد جارته أوكرانيا. ولا يزال الروس الذين فشلوا في إزاحته عبر الانتخابات الأخيرة، يرزحون تحت أفكاره الفاشية التي يدير بها بلادهم، ويحوّل روسيا إلى إمبراطورية تردد شعارات العداء للغرب، وتستريح من اللحاق بالصين وبالتكنولوجيا الحديثة، بافتعال الحروب الجانبية، وبدعم بشار الأسد وأمثاله من الطغاة!

إيران تصمت عن تسببها بتدمير ميناء “اللاذقية” بسبب نقلها أسلحة عبره، وروسيا التي تنشر مختلف أنواع الدفاعات الجوية، وتملك الطائرات والصواريخ العابرة للقارات، تقول إنها لم تدافع عن الميناء لأن طائرة روسية كانت في الأجواء، وأي ردّ قد يعرّضها للخطر.

عام جديد يبدأ مع بقاء الأسد واستمرار جرائمه، ومع بقاء بوتين أيضًا في سوريا بطائراته المدمنة على قتل المدنيين. وبعد سنتين من غياب “البغدادي” انقرضت معالم صورته، ولم يعد موجودًا إلا في ذاكرة ضحاياه. أما قاسم سليماني فتظهر ابتسامته على طريق المطار في بيروت، بكل ما فيها من حقد تاريخي جسّده بدماء السوريين المسفوكة!
——-
/ عن موقع “عنب بلدي”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى