بين “قسد” و”الوطني” و”النظام”؛ مدنيون ضحايا خطوط التماس/ الرقة- حسام العمر
قضى عبد العظيم النعيمي (35 عامًا)، من سكان قرية التروازية بريف الرقة الشمالي، حوالي الشهر في أحد سجون “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في بلدة عين عيسى بعد اتهامه من قبل أحد حواجز “قسد” بمحاولة تهريب المازوت.
قال عبد العظيم لعنب بلدي، إن كمية المازوت التي كان يحملها على دراجته النارية هي بحدود 25 ليترًا، اشتراها من إحدى القرى لمدفأة منزله، لكنه لم يستطع إقناع عناصر الحاجز بذلك، ليتم اقتياده إلى أحد السجون.
يقع مدنيون من سكان قرى ريف الرقة الشمالي ضحية لوقوع قراهم على خطوط التماس بين “قسد” من جهة، وفصائل من “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا من جهة أخرى.
وسيطرت فصائل من المعارضة السورية نهاية عام 2019 على مدينة تل أبيض وريفها حتى الطريق الدولي “4M” بعد عملية “نبع السلام” العسكرية التي خاضتها تلك الفصائل ضد “قسد”.
وتحولت قرى في ريف الرقة الشمالي إلى خطوط تماس بعد توقف تمدد “الجيش الوطني” في المنطقة، ليصبح الطريق الدولي “4M” خطًا فاصلًا بين منطقتي سيطرة كل من “الوطني” و”قسد”.
وتتمركز من الجهة الشرقية لعين عيسى قوات روسية في قاعدة مستقلة، بينما تتوزع قوات للنظام السوري على طول خطوط التماس مع “الجيش الوطني”، وما زال معظم أهالي عين عيسى فيها، وأخرج بعضهم أهم الحاجيات تحسبًا لتعرض البلدة لعمل عسكري.
متهمون دائمًا
قال مدنيون تواصلت معهم عنب بلدي، إنهم يعانون بشكل دائم من الاتهامات التي توجه لهم، سواء من فصائل “الجيش الوطني” واتهامهم بالتواصل مع “قسد”، أو بعرقلة “قسد” دخولهم وخروجهم نحو مناطق سيطرتها ومنعهم من ذلك أحيانًا.
وتتكرر حالات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري في مناطق سيطرة “قسد”، وتتخلل بعضها عمليات ضرب وتعذيب مفضٍ إلى الموت.
تضمّ معظم قرى ريف الرقة الشمالي المحيطة بالطريق الدولي “4M” سكانًا من أبناء العشائر العربية، ومعظمهم من عشائر “النعيم” و”عنزة” و”الجيس”، وأغلبيتهم يعملون في رعي الأغنام والزراعات البعلية.
ويضطر سكان تلك القرى إلى النزوح عنها بشكل مؤقت أو دائم أحيانًا، لكنّ قسمًا منهم يضطرون للعودة إليها مجددًا بسبب سوء الوضع المعيشي في مخيمات اللجوء، التي غالبًا ما تكون من المخيمات العشوائية.
ويعيش سكان قرى خطوط التماس وضعًا اقتصاديًا هشًا، إلى جانب تردي الوضع الأمني وانعدام كامل للخدمات المقدمة، سواء من الخبز أو الماء أو الكهرباء، ويعتمدون على جهود ذاتية في تأمين تلك الخدمات إن استطاعوا.
ونهاية أيلول عام 2020، شهدت قرية التروازية والقرى المحيطة بها احتجاجات قطع السكان خلالها الطرقات واشتبكوا مع دوريات أمنية، بعد مقتل شباب من القرية برصاص “قسد”.
بينما اتهمت وسائل إعلام محلية فصائل “الجيش الوطني” بارتكاب “مجزرة” نهاية أيلول عام 2021، قُتل فيها مدنيون بقرية الدبس في ريف الرقة الشمالي الذي يتبع إداريًا لبلدة عين عيسى.
تخضع عين عيسى لسيطرة “قسد”، وتبعد نحو 55 كيلومترًا عن مدينة الرقة، وتتبع إداريًا لمحافظة الرقة، منطقة تل أبيض، ومركزها بلدة عين عيسى، وتمتلك عقدة مواصلات مهمة، تربط بين محافظتي حلب والحسكة عبر الطريق الدولي “4M” الذي يمر من منتصفها، كما أنها تتميز بطرق محلية تربطها بمدينة تل أبيض على الحدود التركية، ومدينة الرقة.
سيطرت عليها “قسد” بدعم من التحالف الدولي، منتصف 2015، بعد معارك ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي حاول عدة مرات إعادتها إلى سيطرته لكنه فشل.
أسست فيها القوات الأمريكية، التي تقود التحالف، قاعدة عسكرية مطلع عام 2016، ما جعلها تتحوّل إلى منطقة استراتيجية، دفعت “الإدارة الذاتية” إلى تأسيس عدد كبير من المؤسسات والمجالس التابعة لها فيها، ثم انسحبت منها القوات الأمريكية، ما دفع بالروس وقوات النظام لتغطية الفراغ فيها.
تحوّلت عين عيسى إلى شبه عاصمة لـ”الإدارة الذاتية” في الشمال بإيعاز أمريكي، حسب حديث سابق لصحفي يعمل ضمن وسائل الإعلام المحلية إلى عنب بلدي، مشيرًا إلى أنها كانت مهمَلة والخدمات فيها سيئة قبل إنشاء القاعدة الأمريكية.
“منطقة عسكرية”
قال عنصر في “قسد” خلال مراسلة إلكترونية مع عنب بلدي، إن القوات العسكرية تتعامل مع القرى الواقعة على خطوط التماس مع فصائل “الجيش الوطني” على أنها “مناطق عسكرية”، وتتعامل مع الداخلين والخارجين منها بحذر شديد.
وأضاف العنصر، الذي تحفظ على ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن “قسد” تبحث عن تثبيت خطوط الدفاع مع فصائل “الجيش الوطني”، وتحقيق منطقة فض اشتباك، لكن الأخيرة تواصل بشكل مستمر قصف القرى والنقاط العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”.
وتبني “قسد” خطوطًا دفاعية وتحفر الخنادق على حدود القرى والبلدات الواقعة على خطوط التماس مع فصائل “الجيش الوطني” في ريف الرقة الشمالي، وريف الحسكة الشمالي الغربي في بلدة تل تمر القريبة من مدينة رأس العين الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية.
وتعاني قرى بريف الرقة الشمالي في محيط بلدة عين عيسى من القصف بشكل مستمر منذ أكثر من عامين، ويطال حتى بلدة عين عيسى وغالبًا ما يقع ضحيته المدنيون.
وفي آذار عام 2021، قُتل طفل وأُصيب أربعة آخرون جراء استهداف قوات المعارضة السورية البلدة، وذلك ضمن قصف استمر لأكثر من 24 ساعة.
وتوجد قوات النظام السوري في بعض النقاط العسكرية بريف الرقة الشمالي، بعد تفاهمات عُقدت مع “قسد” برعاية روسية لمنع تمدد فصائل “الجيش الوطني” نحو عمق مناطق تسيطر عليها “قسد” عقب عملية “نبع السلام” العسكرية.
مناطق عين عيسى وشرق الفرات، وخاصة قرب طريق “4M”، هي ساحة صراع ساخنة ومضطربة بين أصحاب النفوذ، وكل يسعى لزيادة سيطرته فيها على حساب “قسد”.
——–
/ عن موقع “عنب بلدي”