موقف القرآن الكريم من جرائم الشرف / د. توفيق حميد(*)
دفعت جريمة المروعة التي راحت ضحيتها شهد العيساوي، البالغة من العمر 15 عاما، بالناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي إلى إطلاق هاشتاغ بعنوان “حق_شهد_العيساوي”، مطالبين بإنزال أشد العقوبات على الجاني، معبرين عن خوفهم من التعامل مع الجريمة على أنها قتل بدعوى الدفاع عن الشرف.
الأب الفار – الذي لا يستحق كلمة أب – هو، في حال تأكد أنه هو من أقدم على قتل ابنته بزعم “غسل عاره”، مجرم بكل المقاييس، ولكنه ليس وحده في هذا الأمر فجرائم الشرف تنتشر تقريباً في جميع بقاع العالم الإسلامي.
قتل شهد ليست مجرد قضية لفتاة وأبيها، ولكنها فكر مجتمعي جبان يستضعف المرأة ولا بد وأن يقضى (بضم الياء) عليه تمامًا وأن يتصدى له القانون بكل قوة، لكي يضع حدًا لهذه المهزلة.
ونحن في هذا الأمر أي “جرائم” ما يسمى بالشرف ننتقل من قتل شخصية هنادي في قصة فيلم “دعاء الكروان” – والتي كتبها عميد الأدب العربي طه حسين – إلى قتل الأردنية أحلام وقبلها آيات والفلسطينية إسراء غريب واليمينة مآب وسميحة الأسدي والكويتية هاجرالعاصي، وغيرهن من الآلاف في جميع أرجاء العالم الإسلامي اللواتي تنقل وسائل الإعلام خبر مقتلهن سنويا على يد أحد أفراد عوائلهن، فيما يُتعقد أنه “دفاعا عن الشرف”.
والعجيب أن من يرتكب “جرائم الشرف” يفعلها أحياناً باسم الدين ويقبلها البعض في المجتمع ظناً منهم أن الإسلام أباح لهم جريمتهم لأنها – كما يقولون – هي عقوبة لارتكاب ما أسموه بـ”الفاحشة”!
ويا لها، أي “الفاحشة”، من كلمة مطاطة ليس لها أي تعريف واضح. فتم قتل الطفلة شهد العيساوي لأنها تقف مع شاب يريد خطبتها وبنفس المنطق قد يقتل رجل زوجته لأنها أظهرت وجهها، وهو يرى أن ذلك فاحشة لأن الوجه في نظره عورة، وبنفس الشذوذ الفكري قد يقتل شخص آخر أمه لأنها ضحكت بصوت عال وذلك في نظره فاحشة وهلم جرا.
وحقيقة الأمر أن “الفاحشة” الحقيقية هي فعل هذه الجرائم وقتل نفس بشرية وإزهاق روح بريئة ثم محاولة تبرير ذلك بأنها مبررة من الخالق. ويذكرني ذلك بقول الله عز وجل ” وَإِذَا فَعَلُوا “فَاحِشَةً” قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ” سورة الأعراف آية 28. فجريمة هؤلاء ليست فقط ارتكاب الجريمة وحسب، بل في محاولتهم أيضاً إلصاقها بالله بقولهم “والله أمرنا بها”.
والآن تعالوا أقول لكم بماذا أمر الله في هذا الشأن وماهو موقف القرآن من “جرائم الشرف”!
ربما يظن البعض أنه تبعاً للقرآن الكريم، فإن الزوج إن وجد زوجته تضاجع رجل آخر فإنه من حقه أن يقتله أو أن يقتلها. و”الحقيقة الغائبة” هنا عن الكثيرين أن القرآن الكريم لم يعط الحق للزوج في هذه الحالة أن يمسهما بأي سوء، وأعطى القرآن فقط للزوج الحق في أن يشتكيهما إلى القاضي. وإن ذهبا إلى القاضي عليه (أي الزوج) أن يشهد خمس شهادات أنه وجد زوجته تنام مع رجل آخر وإن شهدت الزوجة خمس شهادات أن ذلك لم يحدث فلا عقوبة عليها على الإطلاق!
وقد يكون البعض مذهولاً من هذا، ولكن هذا ما يقوله القرآن بالحرف الواحد في سورة النور” وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ (أي لا عقوبة عليها!) أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ [سورة النور:6-10].”
قد يكون الأمر عجيباً عند البعض وأكاد أسمعهم الآن يهمهمون “هل أرى زوجتي في أحضان رجل آخر ولا أفعل شيئاً غير أن أشكوها للقاضي!.. هل تظن أنني “خروف” لأقبل ذلك!!!””. وردي على ذلك ببساطة أن الآية المذكورة أعلاه في سورة النور، هي ما قاله القرآن فعلى المعترض أن يوجه اعتراضه لمن أنزل الآية – وهو الله جل وجل ا- وليس لكاتب المقال.
وأخيراً أتمنى من أعماق قلبي أن تتغير القوانين في العديد من الدول، حتى لا تسمح للمجرمين مرتكبي “جرائم الشرف” أن يقوموا بجرائمهم البشعة دون عقاب رادع لغيرهم.
——–
(*) د. توفيق العيساوي هو مؤلف ومفكر مصري، وعضو سابق في الجماعة الإسلامية في مصر.
/ عن موقع “الحرة”