إنقاذ المدرسة ….من التحفيظ والتنقيل إلى التحليل / د. ممدوح بيطار
لقد تطورت أساليب التدريس في المدارس عالميا باتجاه التحليل بدلا من التنقيل,وبالرغم من هذا التطور العالمي , لاتزال المدارس السورية وحتى الجامعات تنقل ولا تحلل, وبالنسبة لتحفيظ القرآن فالأمر سيان ان كان للتحفيظ أصل في الدين أو أنه لا أصل له في الدين , فالتحفيظ عن ظهر قلب يبقى اسلوبا سيئا لكونه مدمرا للعقل كأي تحفيظ آخر , فالتحفيظ يدمر العديد من خواص شخصية الطفل وأولها خاصة النقد , اضافة الى ذلك لم تعد هناك حاجة للتحفيظ ,فالمعارف لم تعد شفهية …هناك الورق والمطبعة والكومبيوتر ,ولن تعد هناك أي حاجة لاجهاد الذاكرة في حفظ مواد يمكن حفظها في جهاز بسيط .
من أهم مهمات مدرسة العصر الحديث هي العناية بعنصر الابداع , الذي يتطلب من المتعلم استخدام عقله في تنشيط حالة التفكير , أصلا الفكر والتفكير هم باختصار خلق أفق جديدة ومفاهيم جديدة تطور الحياة الى الأفضل , لا فكر ولا تفكير ولا ابداع عندما يتحول المتعلم الى جهاز ارتكاسي لتفريغ المخزون في الذاكرة عند الحاجة أو الطلب وعند الاشارة على الحاجة الى الافراغ .
إذن لكي تكون المدرسة مبدعة , يجب أن تهتم بالتفكير قبل اهتمامها بالمعرفة , فالمعارف موجودة في الشبكة ويمكن الحصول عليها في أي وقت , الاهتمام بالتفكير هو اهتمام حصري بطرق التفكير وليس بالأفكار بحد ذاتها وبشكلها المجرد , من يتمكن من الطريقة يصل الى انتاج أفكار جيدة , وجودة الأفكار نسبية ومتجددة أيضا , ففكرة اليوم جيدة , الا أنها في الغد قد تصبح غير مناسبة لابل سيئة .
تعتمد طرق التفكير , التي توصل الانسان الى الفكرة الجيدة والمناسبة على العديد من العوامل , منها وضع الأمور في منظورها السليم الموضوعي و ألواقعي , عدم المبالغة تجاهل الرغبات الذاتية نسبيا , العلمية , الابتعاد عن الغيبية والقطعية والدوغماتيكية , التنور برأي الآخرين والابتعاد عن كل مايعطل عمل العقل كالايمان , ثم نبذ التعصب لموقف معين وترتيب الأمور من ناحية الأهمية,لكل طريقة تفكير مجدية شخصية , ولا يمكن القول بوجود برنامج للتفكير ينطبق على الجميع.
التحفيظ بقصد التكرار الببغائي يعني حشو الرؤوس بمواد , ولو كانت جديدة فستصبح يوما ما ماضوية قديمة , ثقافة قبل 1400 سنة هي بدون أي شك قديمة ولم تعد لها صلاحية في الحاضر وخاصة في المستقبل , العقل مليئ بمواد تراثية تمنع دخول مواد عصرية اليه , وان دخلت , فستقود بسبب تناقضها وتضاربها مع المفاهيم الحديثة الى التأزم والصراع الداخلي , هنا تصطدم المثاليات القديمة مع الجديدة ,والأرجح , بحكم الاعتياد والقناعة المسبقة المترسخة أن ينتصر القديم على الجديد , استمرار انتصار القديم وانحسار الجديد يحول الانسان الى حجر متكلس همه الوحيد هو البقاء كما هو.
أحد أشكال التلقين المنتشرة بين الأطفال هي تحفيظ القرأن بلغة القرآن , بهدف تقويم اللسان والتزويد بالعلم والمعرفة , ما معنى تقويم اللسان بلغة من الصعب فهم مدلولاتها المجازية وصورها , اذ لكل عبارة تفسيرات متباينة ومختلف عليها من قبل الفقهاء ,تقويم اللسان يعني تمكن الانسان من لغة القرآن ,وماهي فائدة التمكن من لغة القرآن , عندما لايمكن استخدام هذه اللغة في الحياة اليومية ,تصوروا جريدة مكتوبة بلغة القرآن ,تصوروا دردشة بلغة القرأن !, فمن يتمكن من فهم ماكتب أو ماقيل ؟؟ , لذا يمكن القول بأن تقويم اللسان قد تحول الى اعوجاج اللسان ,لسان لايتمكن من نطق ما يمكن فهمه بالسرعة الكافية والوضوح الكاف هو لسان أعوج !
يحتاج المجتمع الذي يهمه التقدم الى عقول تتطلع الى الأمام وليس لرؤوس محشوة بثقافة الماضي ومليئة بما هو ضار حاليا .. لايترك تحفيظ القرآن في عقل الطفل مساحة لشيئ آخر ..عقله قرآني شكلي خال من خاصة التحليل ومروج لمثالية قديمة لم تكن مثالية ,انه غربة وبالتالي عزلة ثقافية وموت ثقافي ,فالثقافة الحيوية هي الثقافة التفاعلية ,التي تأخذ وتعطي وبالتالي تدوم !تحفيظ القرآن للصغار يغرس في نفوسهم عقول انصياعية مطيعة تقدس الماضي , فيصبح الماضي على علاته المثل والقدوة والنموذج , أنه مقدس لذاته , وهو أمل المستقبل , وهذا هو الخطر الكبير ,فالمجتمع الذي يريد التقدم يحتاج الى التوجه الى الأمام والتطلع الى الغد بدلا من محاولة استحضار الامس.
——-
عن موقع “سيريانو”