حوارات وآراء

داعش لغز أم حقيقة / تيار مواطنة-نواة وطن

غالباً ما يأخذ الحديث عن داعش، طابع الغموض وطرح الأسئلة وافتراض المؤامرات … الخ، أكثر بكثير مما يأخذ طابع التحليل الملموس ورصد الوقائع وتحليل توافق أو تعارض المصالح.
في سورية ومنذ وجود القاعدة ثم داعش والنصرة، لا يزال وسم داعش باللغز هو الغالب. لكننا نكتفي بالقول بوضوح إن “داعش” و”القاعدة” و”النصرة” تنظيمات دينية متطرفة ذات استقلال حقيقي، لم يصنعها أحد، وهي تقاتل من أجل أهدافها المعلنة، ولها مؤيدون في كل مكان، ولديها من البراغماتية ما يجعلها قادرة على التحالف مع /أو القتال ضد الطرف نفسه عندما تعتقد أن ذلك يخدم مصالحها، مثلما كان الأمر واضحاً في أفغانستان مثلاً، وهذه الاستقلالية لا تتعارض مع إمكانية التأثر بسياسات بعض الدول أيضاً بسبب الضرورات اللوجستية أو توافق المصالح كما هو الأمر في العلاقة مع تركيا، كما لا تتعارض مع المحاولات المستمرة للأجهزة الأمنية في توظيف المتطرفين لخدمة سياسات خاصة كما جرى عندما كان النظام السوري يسهل إرسال المقاتلين إلى العراق بعد التدخل الأمريكي عام 2003.
يعاني الوضع السوري في الفترة الأخيرة من انسداد في أفق الانتقال السياسي مع فشل اللجنة الدستورية وفشل استانة وسوتشي، بل وفشل محاولات بعض الدول العربية في استعادة العلاقات الديبلوماسية بقصد التمهيد لتطبيع وضع النظام عربياً وربما بعد ذلك دولياً، وذلك رغم الرفض الغربي والأمريكي خصوصاً، هذا في الوقت الذي يصر فيه سفاح سورية على عدم تقديم أية تنازلات تسمح بتقدم العملية السياسية، مدعوماً بقوة من إيران ومراهناً على دعم أكبر بعد فك الحصار الغربي عنها، وهو بالتأكيد يعتمد على الدعم الروسي الذي قد تكون له تصوراته المتواضعة عن تغيير سياسي ما، يساعد في إعادة إدماج النظام في المجتمع الدولي، لكن لا يبدو أن الروس قادرين على فرض تصوراتهم هذه.
وفي حين استطاع النظام في السنة الفائتة معالجة وضع درعا، آخر المناطق التي لم يكن يسيطر عليها تماماً، فإن منطقة الشمال الغربي، التي تحظى بدعم تركي وبوجود النصرة، لا تزال عصية على الحل بدون وجود توافق دولي، ومناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها “قوات سورية الديموقراطية”، ذات القدرة القتالية والتعبوية العالية، وبدعم أمريكي واضح أساسه الاستمرار في مواجهة داعش وعدم السماح بعودته من جديد، وهذا الأساس هو ما بقي واضحاً من جملة الأهداف المعلنة سابقاً والتي تخص حرمان النظام من موارد النفط والضغط عليه لقبول الإنتقال السياسي وفق القرار /2254/ . ورغم تعارض النظامين التركي والسوري في الشمال الغربي فإن مصالحهما تتوافق في شرق الفرات، النظام السوري لا يمانع، بل يرغب، في إضعاف سيطرة “قسد” بالتهديد والقصف التركي، والنظام التركي، الذي يعتبر “قسد” والكرد عموماً هم الخطر الأكبر عليه، لا يمانع بل يرغب، في توسيع نفوذ النظام السوري، الموجود أصلاً في المربع الأمني وبعض القرى في بعض مناطق “الحسكة”.
هكذا وجد النظام السوري فرصته في توسيع نفوذه عن طريق ما سمي بالمصالحات، بالمراهنة على عنصر التعارض الاجتماعي الموجود بين المكونات في المنطقة، تلك المصالحات التي فشلت بسبب رفض قسد، خاصة أن مكونات المنطقة غير الكردية مشاركة في “مجلس سورية الديموقراطي”، لكن هذا الاشتراك لا يلغي الحساسيات القائمة التي يحتاج تجاوزها إلى جهود الجميع، وخاصة جهود الطرف الأقوى والمسيطر “قسد”، وهذا التجاوز له أهمية كبرى في تهيئة الأجواء المحلية لتحقيق الانتقال السياسي عندما تتوفر الظروف الإقليمية والدولية اعتماداً على تجربة سياسية جاذبة لعموم الشعب السوري.
في المناخات المذكورة أعلاه، حصلت أحداث سجن “الصناعة” المستمرة، والتي شارفت على نهايتها، ستتكشف فيما بعد التفاصيل الدقيقة لهذه الأحداث وما يهمنا الآن هو محاولة فهم مواقف الأطراف المختلفة والمصالح المتعارضة بعيداً عن منطق المؤامرة الشائع، وبعيداً عن التعصب المسبق لأي طرف.
يضم سجن “الصناعة” في حي “غويران” ما يقارب ثلاثة آلاف وخمسمائة داعشياً وفق مصادر قسد، هؤلاء تحولوا إلى عبء حقيقي على سجانيهم، فالدول العربية والأوربية التي جاؤوا منها لا تريد استعادتهم، بل هي ترفض استعادة مواطنيها من عائلاتهم، نساءً وأطفالاً، الموجودين في مخيم ” الهول”، عدا حالات إنسانية قبلتها بعض الدول الأوربية.
هكذا بقي السجن لغماً مؤقتاً كبيراً، يقدم الغرب دعماً لوجستياً لاستمراره على حالته الراهنة بدون وجود أي أفق لاستعادة السجناء إلى بلادهم الأصلية أو لإخضاعهم لمحاكمات دولية في تلك الدول، كما لا تملك “قسد” منظومة قضائية معترف بها دولياً تستطيع إنجاز هذا العمل الذي يتطلب إمكانات واعترافاً رسمياً. وخارج السجن، وليس بعيداً عنه، لا تزال توجد خلايا نائمة لداعش تلقت ضربات موجعة لكنها ليست قاتلة، وهي منتشرة في الصحاري الحدودية وأحياناً الداخلية، وهي تنفذ بين فترة وأخرى ضربات ضد خصومها من القوات السورية الأسدية أو قوات “قسد” المدعومة أمريكياً، معتمدة على استمرار الأوضاع العسكرية والسياسية غير المحسومة.
كان موقف النظام السوري لافتاً في التعبير بكثافة عن موقفه فوفقاً لموقع التلفزيون الروسي وجريدة الوطن ينص بيان الخارجية السورية على أن سورية “تجدد إدانتها للأعمال التي أدت إلى نزوح آلاف المواطنين السوريين في محافظة الحسكة، وزيادة معاناتهم وتطالب بانسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا الشرقي والقوات التركية من شمال سوريا الغربي”. وأضافت الخارجية أن ما “تقترفه القوات الأمريكية وميليشيات “قسد” من أعمال ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”. هكذا يتجاهل البيان أن “داعش” هي التي نفذت الهجوم ويحاول إثارة المشكلة في جانبها الإنساني، وبالتأكيد فإن نزوح بضعة آلاف هو أمر غير مقبول إنسانياُ، ولكن هل كان النظام مهتما بنزوح ملايين السوريين؟ طبعا لسان حال النظام يقول أن مشكلته مع “داعش” أبسط من مشكلته مع “قسد” وأنه سيكون قادراً علي التعامل مع “داعش” بعد الانتهاء من التعامل مع “قسد”.
و قد أدانت الولايات المتحدة “الهجوم الذي شنه تنظيم داعش يوم الخميس على سجن تابع لقوى الأمن الداخلي في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا في محاولة لإطلاق سراح مقاتلي التنظيم المحتجزين.” و أشادت “بقوات سوريا الديمقراطية على ردها السريع والتزامها المستمر بمحاربة “داعش” في شمال شرق سوريا.
الموقف التركي تم التعبير عنه عملياً بقصف مدفعي عنيف من قبل المدفعية التركية مترافق مع هجوم لميليشيات الجيش الوطني منذ الصباح الباكر على بلدة عين عيسى وإرسال مسيرات وحدوث تفجيرات في محيط الرقة.
ووفق بيان صادر بتاريخ 23/01/2022 عن” القيادة العامة لقوات سورية الديموقراطية” أن العمليات العسكرية قد شارفت على نهايتها وأن سجن الصناعة أصبح تحت السيطرة مع استمرار عمليات التمشيط في حي “غويران” المجاور حيث التجأ إليها الفارون من السجن.
كما أشار بيان قسد إلى أن اعترافات عناصر داعش، الذين تم القاء القبض عليهم، والتي أكدت على تواجد قياداتهم في سري كانيه/ رأس العين التي تخضع لنفوذ الفصائل الموالية لتركيا، وأن تزامن الهجوم على السجن مع هجوم تلك الفصائل على نقاط تمركز قوات قسد في عين عيسى ومحيطها ليست صدفة.
أخيراً قد لا تكون مواقف الأطراف المختلفة مفاجئة لأحد لكن الأكثر أهمية الآن هو طريقة التعامل مع نتائجها والعمل على قطع الطريق على تسلل داعش من جديد بمزيد من اليقظة، رغم علمنا أنه قد جرى سابقاً إحباط عدة محاولات مشابهة وأن مثل تلك الأحداث جرت وتجري في سجون دول تملك إمكانيات أكبر بكثير من التي تملكها “قسد”، وقد يكون مفيداً التوجه نحو الأمم المتحدة والدول الغربية لإيجاد حل مناسب وفق القانون الدولي لترحيل السجناء ومحاكمتهم. وكما أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية “على الحاجة الملحة لبلدان المنشأ إلى استعادة مواطنيها المحتجزين في شمال شرق سوريا وإعادة تأهيلهم ودمجهم ومقاضاتهم متى اقتضى الأمر ذلك”.
ولكننا نعتقد أن الأكثر أهمية الآن هو المزيد من تطوير العلاقة والتضامن بين جميع مكونات المنطقة الاجتماعية والسياسية لتقوية الجبهة الداخلية ليس فقط ضد تطرف “داعش” وإرهابها بل وأيضاً ضد طغمة السلطة في دمشق المصرة على الاستفراد والاستبداد والطامحة الى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء على حساب آلام وتضحيات الشعب السوري بجميع مكوناته.
——–
عن موقع “مواطنة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى