الوطن

بيان “هجوم سجن الصناعة” في الحسكة.. لماذا اتهمت “قسد” تركيا؟

طوت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) صفحة الهجوم الذي تعرض له سجن الصناعة في محافظة الحسكة السورية على الكثير من التفاصيل، وفي الوقت الذي تحدثت فيه عن الآليات التي اتبعها تنظيم داعش وخططه، وجهت اتهامات لتركيا بالمسؤولية عما حصل.

ولم يصدر أي رد رسمي من جانب تركيا حتى اللحظة، وهي التي تعتبر “قسد” ذراعا لـ”حزب العمال الكردستاني”، المصنف على قوائم الإرهاب الدولية، كما ترى في مشروعها تهديدا لأمنها القومي.

ونفذ داعش الهجوم على السجن، من داخل وخارج الأسوار في يوم 20 من يناير الحالي، ليكون الأكبر من نوعه منذ انحسار نفوذ الأخير في سوريا والعراق، مما أسفر عن قتلى وجرحى ونزوح آلاف المدنيين من حيي الزهور وغويران، فيما أعلنت قسد عن “استسلام جميع المهاجمين”.

وذكر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الاثنين، أن “معارك الحسكة انتهت منذ يوم السبت، عندما استسلم أمير التنظيم في سجن غويران مع 20 من عناصره”.

وأضاف المرصد أن “المعركة الآن هي معركة البحث عن خلايا التنظيم والسجناء الذين تمكن العشرات منهم من الفرار في الساعات الأولى من اقتحام السجن”، متحدثا أن “عدد الخسائر البشرية على خلفية أحداث سجن غويران بالحسكة كبير، وهناك جثث متفحمة لا يعلم إذا ما كانت لمفقودين من حراس السجن أم العاملين فيه أو لعناصر تنظيم داعش”.

ماذا وراء الاتهام؟
ومنذ 11 يوما أصدرت “قسد” عدة بيانات حول هجوم الصناعة، استعرضت فيها تفاصيل العملية العسكرية، وحملات التمشيط التي لا تزال مستمرة حتى اللحظة، في جيوب صغيرة داخل حي غويران.

وفي تلك البيانات حمّلت مسؤولية هجوم “داعش” لعدة أطراف، كان أولها حكومة النظام السوري، بحسب ما قال الناطق باسم “قسد”، فرهاد شامي لوكالة “روناهي”، في 21 من يناير معتبرا أن “حكومة دمشق مستفيدة”.

وبعد ذلك اتهمت القوات الكردية تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” التي تدعمها بالضلوع في الهجوم، وهو ما أورده نص بيان المؤتمر الصحفي الذي عقدته “قسد” الاثنين.

وجاء في البيان أن قسم من مهاجمي داعش “قدموا من منطقة رأس العين وتل أبيض”، الخاضعتان لسيطرة “الجيش الوطني السوري”، وقسم آخر من داخل الأراضي العراقية.

وقالت “قسد” في البيان: “أساس المخطّط وإدارة الهجوم أي غرفة العمليّات، ووفق الوثائق، تم الإعداد لها خارج الحدود السورية. إن مسؤولية الدولة التركية في هجوم داعش هي الأكبر”.

وتواصل موقع “الحرة” مع فرهاد شامي الناطق باسم “قسد” للوقوف على خلفيات اتهام تركيا في الضلوع بهجوم سجن الصناعة، لكنه امتنع عن إعطاء أية تفاصيل، سوى المذكورة في بيان المؤتمر الصحفي.

واعتبر شامي أن “البيان الذي صدر يتضمن الإجابة عن السؤال”.

وأشار البيان الذي نشر على موقع “قسد” إلى أن “هجمات تركيا على شمال وشرق سوريا، وتهديداتها الدّائمة لها، تمنح تنظيم داعش الإرهابي القوة المعنوية، ليلتقط أنفاسه مجددا، ويهيئ الأرضية ليعيد تنظيم صفوفه”.

وأضاف أن “منطقتي رأس العين وتل أبيض تحولتا إلى المناطق الأكثر أمنا وحماية لتنظيم داعش الإرهابي، لينظم نفسه فيها ويدرب عناصره”.

ولم يجب شامي أيضا عن كيفية دخول المهاجمين من عناصر داعش إلى المنطقة المحيطة بسجن الصناعة في غويران، والمعروفة على نطاق واسع بأنها منطقة محصنة أمنيا.

لكنه، ومن زاوية أخرى، نفى أن يكون هناك “اختراق أمني” ضمن صفوف “قسد”، معتبرا أن المعلومات التي انتشرت عن ذلك هي “افتراءات للتشويش على تضحيات قواتنا. جميع حراس السجون قاتلوا ببسالة واستشهد الكثيرون منهم”.

وأضاف شامي: “لو كان هناك اختراق لما احتاج داعش إلى هكذا عملية تكون نتيجتها استسلام الآلاف منهم بشكل ذليل أمام الكاميرات”.

“رواية معاكسة”
وفي غضون ذلك يرى المحلل السياسي التركي، مهند حافظ أوغلو، أن “الاتهامات التي وجهتها قسد لتركيا ليست مستغربة”، بقوله: “الفاشل يبحث عن شماعة لفشله وللأخطاء في إدارة بعض الملفات، ومنها ملف سجن غويران في الحسكة”.

واعتبر حافظ أوغلو في حديث لموقع “الحرة” أن “قسد تحاول الهروب إلى الأمام، من خلال هذه الاتهامات بأن تركيا تريد أن تحرك هذه الملف”.

ويوضح حافظ أوغلو أن الاتهامات “باطلة”، بحسب وصفه لعدة اعتبارات، أولها أن سجن الصناعة بعيد بما يقارب 200 كيلومتر عن الحدود السورية- التركية، إضافة إلى أن تركيا وفصائل “الجيش الوطني لم تصل لا من قريب ولا بعيد إلى الحسكة أصلا”.

وبحسب ذات المتحدث: “تركيا عضو في التحالف الدولي ضد محاربة داعش، في السنوات الماضية قامت بتسليم عناصر لبلدانهم، كما أنها أطلقت عدة حملات أمنية في مختلف الولايات في الأشهر الماضية. الماضي والحاضر التركي يثبت عكس ما ذكرته قسد”.

وزاد: “ما تحدثت به قسد مسرحية فاشلة وإخراج ضعيف، ولكن أن تتهم تركيا هي من تحرك ملف داعش فهذا الأمر لا تدعمه الجغرافيا والواقع”.

وتتلقى “قسد”، منذ سنوات طويلة، دعما عسكريا ولوجستيا من قوات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية، وكانت الأخيرة قد شاركت بالفعل في رد هجمات سجن الصناعة، بحسب ما أعلنت “البنتاغون”.

ويعتبر ملف “سجناء داعش” في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية من أبرز الملفات وأكثرها تعقيدا، خاصة أنه لم يحل بشكل فعلي، مع امتناع عدد من الدول الأوروبية عن استعادة العناصر الذين يحملون جنسياتها.

وكان مستشار الأمن الوطني الأميركي، جاك سوليفان، قال في بيان، الأحد، إن الولايات المتحدة تشيد بـ”قسد التي أكملت مع قوات التحالف الدولي عملياتها لإعادة السيطرة على سجن غويران”.

وأكدت الولايات المتحدة أن تنظيم داعش لا يزال يشكّل تهديدا عالميا، داعية إلى حل عالمي لمواجهة هذا التهديد.

“كلام دون دليل”
في غضون ذلك، يقول الباحث في شؤون الجماعات المتشددة، حسن أبو هنية إن “قسد هي العدو الوجودي لتركيا، وأن الأخيرة ترى في مشروعها تهديدا لأمنها القومي”.

لكن ومع ذلك، يرى أبو هنية في حديث لموقع “الحرة” أن اتهامات “قسد” في البيان “لا غرابة فيها وهي أمر متوقع”، معتبرا أنها “دعاية سياسية كونه لا توجد إثباتات على تورط تركي. تركيا دخلت مع صدامات مع داعش وأسفر الأمر عن عدة صدمات كما حصل في النادي الليلي ومطار إسطنبول”.

ويؤكد الباحث الأردني أن ما أورده بيان “قسد” لا يمكن اعتباره إلا “تهمة سياسية”.

وهجوم داعش على سجن الصناعة ليس جديدا، وعلى مدى السنوات الماضية نفذ استهدافات من الشمال إلى الغرب، سواء في سوريا والعراق.

ويشير أبو هنية إلى “اختراقات ضمن صفوف قسد كانت أساسا في الهجوم الأخير، وذلك يعود إلى أن الأخيرة في النهاية لا تتسم بصفة سياسية كدولة. هي سلطة أمر واقع يوجد فيها فساد على الصعيد الإداري والسياسي والاقتصادي، ورشاوى أيضا”.

أما فيما يخص دخول المهاجمين من العراق، كما جاء في بيان “قسد” استبعد أبو هنية هذه المعلومات.

وأوضح ذلك بالقول: “تنظيم داعش فصل الولايتين بعد معركة الباغوز، وبالتالي أعلنها منظمة لا مركزية. سوريا لها ولاية خاصة، وبالتالي القرارات المركزية تأتي من العراق وليس على صعيد المقاتلين. هو أمر يعرفه كل مختص”.

ووصف الباحث بشؤون الجماعات المتشددة ما حصل في سجن الصناعة بأنها “فشل استخباراتي وعجز من جانب قسد”، مشيرا إلى أن الأخيرة “لم تقدم رواية متماسكة حتى الآن لما حصل. من فر؟ ومن قتل؟ وما هي جنسياتهم؟ كل الروايات كلام دون أي دليل. الأمر أقرب إلى الدعاية السياسية”.

“الكثير من الأسئلة”
ولم يكن الهجوم على سجن “الصناعة” هجوما محليا، ولا يمكن حصره بالهجوم على السجن فقط، ولم يستهدف تحرير عدد من المعتقلين فقط، بحسب بيان “قوات سوريا الديمقراطية”.

وأشار إلى “أنفاق حُفرت داخل بعض المنازل في أحياء غويران والزهور، لتقديم الدعم للهجوم، لكن قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي (أسايش) تدخلوا وفرضوا حصارا على السجن”.

وأوضح البيان أن “قسد” بدأت حملة تمشيط ضد عناصر تنظيم داعش في محيط السجن وفي أحياء الحسكة وفي مناطق دير الزور والرقة أيضا، في إطار حملة “مطرقة الشعوب”، ونتيجة لذلك، ضُبط جميع العناصر المعتقلين، وحُولوا إلى سجون أخرى.

من جهته، لا يستبعد الصحفي السوري، باز بكاري، أن يكون هناك “دور لتركيا في دعم تنظيم داعش بشكل عام، بحكم أن لها سوابق في ذلك، سواء في كوباني أو في تل أبيض”، بحسب تعبيره.

لكنه يضيف: “بخصوص هجوم سجن الصناعة بالتحديد أظن المستفيد الأكبر هو النظام السوري. هو روج للهجوم وحتى وكالة سانا الرسمية التابعة له نسبت بعض الهجمات التي قام بها مسلحو التنظيم في البصيرة بريف دير الزور لما يسميها (فصائل المقاومة الشعبية)”.

وأشار بكاري في حديث لموقع “الحرة”: “عمليا تحوّل النظام وآلته الإعلامية لناطقين باسم تنظيم داعش”.

وكانت كل تحركات النظام السوري وتغطيته الإعلامية “تصب في صالح داعش وهجومه، وحاول تقديم قوات سوريا الديمقراطية على أنها غير قادرة على مواجهة التنظيم وحماية المنطقة، وحماية السجون التي تضم معتقلي التنظيم”.

ويتابع الصحفي السوري: “اليوم المطلوب من قسد ليس توجيه الاتهامات للقوى الخارجية، فهي تعرف أعدائها، وسيحاولون في كل فرصة أن يقوموا بضربها”.

“وما هو مطلوب منها، الإجابة عن الكثير من الأسئلة حول الخرق الكبير الذي حصل بدخول نحو 200 عنصر من التنظيم مع كمية كبيرة من الأسلحة لمنطقة تعتبر عمق مناطق سيطرتها”.

وأيضا “ما ظهر من تواصل بين المعتقلين في الداخل والمهاجمين من الخارج. هذه الأسئلة لم تجب قسد عليها في مؤتمرها الصحفي، ويمكن تفهّم ذلك لأسباب أمنية”.

وزاد بكاري: “يجب أن تكون هذه الهجمة، سببا لمراجعة قسد لحسابتها، وسد الثغرات التي استفاد منها التنظيم لتنفيذ مخططه”.
———
/ عن موقع “الحرة”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى