العلمانية والعلماني سيد القمني … / د. ممدوح بيطار (*)
العلمانية هي نهج اجتماعي يهتم بحياة ووجود الانسان , بحيث يتمكن هذا الانسان من العيش بأمن وسلام وتقدم ومساواة , كما تعيش المجتمعات الأوروبية في هذا العصر , العلمانية جديدة نسبيا على شعوب بلدان الشرق الأوسط , انتشرت في هذه المنطقة على أثر الصدمة الحضارية في اوائل القرن العشرين , وذلك بعد ترحيل العثمانيين , استفاق الناس بعد رحيل المعثمانيين ووجدوا أنفسهم في حالة ووضع غريب عن عالم تلك الأيام , لقد كانوا بالواقع نياما طوال ٤٠٠ سنة ,كنوم أهل الكهف .
لقد كان للعلماني سيد القمني , تلميذ طه حسين ولويس عوض رؤيته بخصوص العلمانية , التي فهمها كنظام اجتماعي ضامن للحرية والمساواة , وما يهم بشكل خاص في هذه المنطقة ,كانت علاقة العلمانية مع التدين والدين , المؤثر بشدة على مسلكيات شعوب هذه المنطقة , فالعلمانية لم تكن حزبا سياسيا همه محاربة الدين والتدين , انما منظومة ضامنة لحرية اعتقاد الانسان بما يشاء,وايمان الانسان كما يشاء , طبعا بالشكل الذي وصفته روزا لوكسنبورغ .. تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخر .
كون العلمانية ليست حزبا سياسيا يؤهلها لكي تكون محايدة بما يخص الاتجاهات السياسية اي الأحزاب , وكون العلمانية بدون دين يؤهلها لكي تكون حيادية بين التيارات الدينية المختلفة, وأن لاتشارك في النزاعات المذهبية الحربية التاريخية حول الأديان , لم يشترك العلمانيون في حرب العشر سموات الأخيرة في سوريا …. لم يقتلوا البشر, ولم يهدموا المنازل ولم يخربوا الطرقات والمنشآت .
لايمكن ان تكون للعلمانية قواسم مشتركة مع الشموليات الديكتاتورية , لتناقض الشمولية مع الحرية ولزعم الشمولية امتلاك الحقيقة المطلقة ,ولا يمكن ان تكون للعلمانية قواسم مشتركة مع الطبقية او العشائرية القبلية , فالعلمانية طوعية خيارية وليست تبشيرية دعوية قسرية , انها منحازة للانسان بغض النظر عن دينه او طبقته او حزبيته , تقوم العلمانية على وحدة التراث الانساني دون انتقائية , لا يمكن ان تكون لها قواسم مشتركة مع الأصوليات الدينية , فالدين هوية شخصية , بينما العلمانية خاصة اجتماعية , تحتضن العلمانية الاختلاف وتمنع تحول الاختلاف الى خلاف , ذلك لأن العلمانية ناقدة وحوارية , من ينقد بالكلمة لايطلق الرصاص , الانسان الذي يتكلم لايحارب بالقنابل والمدفعية , لاتلتزم العلمانية بشرع الله , فاللعلمانية شرع الانسان وعقله أي الشرع الوضعي
كون النقد , خاصة النقد الذاتي احد أهم اركان العلمانية , لذا تتمكن العلمانية من تصحيح اخطائها , لأنها تعترف بالخطأ وتملك مايكفي من العقلانية والعلم والمعرفة ما يمكنها من تصحيح أي خطأ, العلمانية التي تعتبر الاختلاف أمرا طبيعيا , تعتبر القيم المختلفة بالنسبة للزمان والمكان ايضا امرا طبيعيا , وتعتبر الاختلاف بين المجتمعات كذلك امر طبيعيا ايضا .
مفردة ” العلمانية ” ملتبسة الدلالات تبعا للتشكيل , العلمانية بفتح العين تعني التعامل مع العالم المادي , الذي تعيش البشرية به مثل مشاكل الاقتصاد والسياسة … الخ , أي أن العلمانية أرضية , لاتهتم بالماوائيات الغيبية السماوية , التي تخص الايمان ولا تخص العقل , أما العلمانية بكسر العين فتعني استخدام المنهج العلمي في البحث والمعرفة والتجربة , انها بكلمة أخرى العلمية أو العلم , العلمية الساعية للوصول الى الحقيقة النسبية والبعيدة عن عام الغيب , العلم لايزعم الخلود والعلم يصحح اخطائه باستمرار , العلم يهتم بالانسان , لادين للعلم , الذي ينتجه الجميع من أجل الجميع .
لقد تمكنت العلمانية من مواجهة التعصب , وبذلك مكنت شعوب ومجتمعات العديد من الدول من العيش بسلام نسبي ودرجة عالية من الأمن النسبي , الذي لايقتصر على الأمن الجسدي , انما يشمل الأمن الغذائي والصحي والسياسي والاجتماعي الممثل لعصر ذهبي , البعيد عن التقديس والمقدسات وعن التحريم الديني بخصوص الفن , لاتكفير ولا تخوين في العلمانية , فمن يعيش في أوروبا وفي هذا العصر لايسمع ولا يقرأ مفردة كافر او خائن أو عميل أو متآمر.
يمثل ما ذكر البعض من خصائص العلمانية وليس كل خصائصها , كما رآها المرحوم سيد القمني
——-
(*) د. ممدوح بيطار هو كاتب ومفكر سوري