توأم الظالم والمظلوم… / ربا منصور (*)
انحسرت الديكتاتوريات في كل انحاء العالم تقريبا , لتتجمع وتتكثف في البلدان العربية الاسلامية , قد يكون استثناء لبنان وتونس ممكنا , الأول بسبب خصوصية الوضع اللبناني ,والثاني بسبب قرب تونس من الحالة الديموقراطية ,وعدم تدخل الجيش في الأوضاع السياسية الداخلية , في ما بقي من الدول , يبدو وكأن الاستبداد والتسلط والعنجهية لم تعد خاصة سلطوية , وانما خاصة معممة شعبيا , الانسان أصبح حاملا لمتناقض رفض الاستبداد وممارسته , تحول هذا الانسان الى توأم يستبد عندما تسمح الظروف له بذلك ,ويمارس الخنوع الجبان عندما تفرض الظروف عليه ذلك , انه مخلوق الاستكانة للظلم ومخلوق الشغف بالظالم ,وبالتالي تحول الانسان الى ظالم ومظلوم بآن واحد .
سبب تحول هذا الانسان الى ظالم واضح , فمن يعاشر الظلم طويلا يتحول لاشعوريا الى ظالم , ومن يتعرض للظلم طويلا يعتاد عليه حيث يتحول الخنوع الى نوع من خصائصه العضوية , تعضى الخنوع وأصبح من طبيعة هذا الانسان بسبب المعاناة المزمنة والمستمرة بشكل رئيسي , ولكن هل يمكن القول بأن مصدر تعضي خاصة الخنوع كان الاستبداد الذي لايسمح الا بالخنوع حصرا ؟ أو هناك مؤهلات أخرى لولادة هذه الخاصة ونموها وتمركزها في الذات البشرية الى درجة التعضي ؟؟؟
تعيش هذه الشعوب الخانعة تحت الاستبداد الدنيوي , وتعيش أيضا في ظل التدين الذي يتواجد على أقصى درجاته في هذه المنطقة مقارنة مع مناطق العالم الأخرى , والتدين كان بدين يحمل طاقة روحية ويمارس هيمنة على الناس قل نظيرها في العالم , من الوجوه المتعددة التي يتمظهر التدين بها هنا وجه التحرر ورفض الاستبداد من جهة , ومن جهة أخرى هناك للأسف وجه يدفع الى ممارسة الاذعان والتعايش مع الظلم تحت مبدأ الاستكانة واطاعة الحاكم حتى لو كان ظالم .
المفاهيم التي تؤهل الانسان المؤمن بها لممارسة الاستكانة عديدة , أول مايخطر على البال هنا هو مفهوم القدرية , الذي يؤكد بأن كل مايحدث للانسان مقرر سلفا , ومهما حاولنا فسوف لن يكون بامكاننا تغيير قدرنا , وعلينا بناء على ذلك تقبل نصيبنا المقرر من الخالق , ووفقا لهذا المنطق تتم تبرئة الذات من التسبب بالمرض أو الفقر أو الظلم , و تتم اقالة الذات من العمل الجاد على ازالة الغبن الذي لحق بها , لذلك لا مسبب بشري للكوارث ولا وجود لامكانية بشرية تتصدى للكوارث , الله هو المنظم والمدبر لكل شيئ وهو على كل شيئ قدير !.
الى جانب الاستكانة للقدر هناك الاستكانة للقناعة , على اعتبار القناعة كنز لايفنى ,هذا المفهوم يمثل تدجينا لمفهوم السعادة , فالسعادة يجب أن تعاش تحت أي ظرف من ظروف الحياة , لأنه لاتغيير على ظروف الحياة مهما كانت ومهما حاول الانسان ذلك , انه من الجميل ان يشعر الانسان بالسعادة تحت ظروف لاسبيل الى تغييرها عمليا , ولكن هنا تتوطن الخدعة , فالله حسب ادعاء الشيخ الشعراوي قد قسم ألأرزاق حسب حاكميته التي لا يشك بصحتها ,تتمثل الخدعة والمخاتلة هنا في اتهام الله بعدم العدل وفساد الحاكمية , مع أنه ليس لله علاقة بكل ذلك , فتقسيم الأرزاق يخضع لارادة وأحكام دنيوية , وحتى الشيخ الشعراوي لم يخضع نفسه أثناء مرضه للأحكام الالهية , اذ أنه حاول استعادة صحته بأحسن المشافي الغربية, وأنفق على ذلك أموالا طائلة , وقد كان في محاولته التمرد على مشيئة الله قدوة لعدد كبير من المشايخ ولنذكر على سبيل المثال القرضاوي أوالحويني وخاصة الشيخ زغلول النجار, الذي داوى الناس ببوبل البعير, أما سماحته فلم تتداوى الا في أفضل المشافي الأمريكية (اثناء جولة للترويج لمنافع بول البعير في السعودية تعرض النجار لوعكة صحية قادته فورا الى المشفى المذكور ) ومثله فعل الشيخ الحويني الذي رفض رغبة الله في القضاء عليه, لذا بدل كليته في أوروبا , هذه هي القناعة التي تمثل للفقير كنزا لايفنى !
هناك طرق عديدة لخداع الناس واخضاعهم لمشيئة التجهيل والجهل , وما ذكرته ليس الا جزءا يسيرا ونموذجا عن المفاهيم المعيقة للتحرر والتقدم , بالنتيجة لامناص من التحرر من الدور السياسي والاجتماعي للدين, الذي يؤهل الناس للقدرية الشللية وللقناعة التخديرية , مشاكل هذه الشعوب تشبه مشاكل شعوب أخرى , ولا يمكن حل مشاكل هذه الشعوب الا بالطرق التي استخدمها الآخرون في حل مشاكلهم ,هنا يجب النقل من المتقدم وليس من المتأخر !
————
(*) ربا منصور هي كاتبة سورية