حوارات وآراء

المثقفون ومشكلة العقل العنصري /رياض درار (*)

كان أبو العلاء المعري يعتذر من سامعيه لآرائه المخالفة فيقول ؛
خذي رأيي وحسبك ذاك مني
على مافي من عوج وأمت
وهو الذي يشكو من سجونه الثلاثة، سجن العمى، وسجن البيت، وسجن النفس في الجسد الخبيث. ولعمري أستعير هذه الثالثة لأقول إن بعض مثقفينا عالقون في سجن الرأي في العقل الخبيث.. فمن أين نعرف خبث العقول إلا من اعوجاج المواقف رغم وضوحها، والادلاء بغير الصواب رغم معرفته. وقد عرفوا قديما الجاهل بأنه من يعرف ويحرف. يعرف الحقيقة ويحرف عنها .
للعقل وظيفة هي ألا يقبل شيئا إلا بعد البحث والتثبت فإن لم ينته إلى اليقين انتهى إلى الرجحان، فهو عليه أن يرفع حجب الظلام ويبدد الخرافة والأكاذيب. ولكن بعض المثقفين عندنا وقد فاضت بتصريحاتهم أجهزة التواصل الاجتماعي، يتلقون المعلومة ويرددونها ويبثونها مشبعة بالسموم رغم مجافاتها الحقيقة، ومخالفتها للعقل. ولا أريد الاستشهاد بأطروحات بعضهم، فعندي مايوجع القلب مما وصل إليه هذا الصنف من المثقفين، ممن اعتادت أقلامهم على الهدم وتغييب الحقائق. وسبب تسميتي لهم بالمثقفين أنهم حملوا الصفة في وقت الراحة والتنظير، وحين صارت الحاجة لحضور المثقف العضوي ملحة بدت منهم العنعنات، أو ظهرت خفاياهم وبدؤوا مسيرة البحث عن المكاسب. فهم يسعون لتدمير ماحولهم ويتحالفون مع عدوهم مادام يملأ جيوبهم، لايتحملون المسؤولية عن أخطائهم وكبائر آثامهم، ومستمرون في الدفاع عن مسيرتهم الفاشلة وعدم وضع الفهم الصحيح للواقع، بغاية تمرير مواقف تخدمهم، وعدم تجديد هذا الواقع بغاية استمرار الانحراف والزيف النافع لهم . ولعل الجهل سبب في انصرافهم عن المنهج الحق والموقف الحق، لكنه جهل مركب بسبب الانحراف والخلل في آليات التكيف النفسية، وكثير من أسبابه ابتلاءات الحياة، ما يجعل الجنوح إلى التطرف الفكري والانكار على الآخرين في وجودهم أو معتقداتهم سمة من سمات هذه الفئة المدعية الثقافة .
ومايهمني هنا والمقام ضيق، هذا الإنكار على الكورد حقوقهم من هذه الفئة، وقد كشفت الأحداث عن عنصرية مختفية وراء الكلمات العاطفية التي تتحدث عن الحقوق ثم تتبعها ب..ولكن .
مثقفون عصابيون يمتلئون عنصرية وهي تظهر كل يوم بلون، يتباكون على حال الكورد ويتهمونهم بالانفصال والتقسيم. والكردي الجيد هو المهادن الخاضع الذليل وكل من يسعى لنيل حقه هو سيء ..أقول هذا عن الفئة التي توسم بالثقافة ولكنها ثقافة مريضة لاعقل لها ولعل هذا المرض ناتج عن الموقف السياسي المتحيز، أو من الجيوب العامرة بأموال الداعمين. فهم في الثورة صار ينطبق عليهم وصف الشاعر الكبير مظفر النواب ” الثوار الكسبة”.
——-
(*) رياض درار هو سياسي ومعارض سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى