ثقافة المعرفة

لقد خرجوا من التاريخ … / د. ممدوح بيطار (*) وربا منصور (**)

بعد سبات نسبي ,ولدت ماتسمى الصحوة الاسلامية في تسعينات القرن الماضي , التي أيقظت بدورهاالصحوة السياسية للاسلام , وليس الصحوة الدينية ,التي عانت عمليامن الصحوة السياسية أشد معاناة ,فالتدين والدين الذي يرافق السياسة يعاني دوما من اشكالياتها على الأرض ,السياسة تتطلب ديناميكية لاتستقيم مع المفاهيم الثابتة للدين , الصحوة جلبت معها اضافة اى ذلك أسماء جديدة لمفاهيم قديمة …كمثال على ذلك مفهوم دولة الصحوة المدنية, التي هي حقيقة نسخة سنية عن دولة الملالي الشيعية ,الصحوة اعتمدت المخاتلة والتزوير في الترويج لهذه الدولة , كالترويج الكاذب للديموقراطية والمساواة بالرغم من وجود “ضدية” مبدئية بين الاسلام كدين وبين الديموقراطية بشكلها المعروف , كذلك أمر المساواة اذ لايسمح الدين بمساواة المؤمن مع الكافر , وهكذا أنتج مكون السياسة في الصحوة حالة تناقض في الدين , فلا الدين بقي دينا ولا السياسة بقيت سياسة , وبالتالي تحول الاسلام السياسي الى حائر وتائه بين ضرورات السياسة ومتطلبات الدين , تناقض كان بمثابة ضربة قاسية للدين والسياسة في آن واحد.
ترافقت الصحوة مع صحوات أخرى ,مثل صحوة الارهاب باسم الاسلام ومن أجل الاسلام ,مما قاد الى تطورات عميقة في نظرة الآخرين للاسلام والاسلاميين , في العديد من الحالات تطور النقد الى نقد للدين الاسلامي بدلا من اقتصاره على نقد الفئات والأفراد الممارسين للارهاب , خاصة بعد التعرف على شروحات وتحليلات حديثة للفعل الارهابي مثل فرضية المسلم الأعلى التي تحمل الخلفية العقائدية المسؤولية الحقيقية عن الارهاب , وتحول الارهابي الى مجرد منفذ للعملية, التي لايتحمل مسؤوليتها بالكامل وانما جزئيا .
على المستوى الشعبي يتحدث البعض بخصوص الاسلام السياسي عن النزاع الأخير قبل الموت , وعن شيئ من الصحوة قبل الموت , أظن بوجود بعض الشبه بين الصحوة الاسلامية وبين حالة المريض في ساعات حياته الأخيرة , علميا تقول فلسفة التاريخ في هذا العصر ان مصير كل شعب مرتبط بمصير العالم أجمع , مع تغلب التأثير الخارجي في العصر الحاضر , فأي مشكلة محلية أصبحت في جوهرها دولية ولو جزئيا , لذلك فان وجود الاسلام السياسي لم يعد حصرا أمرا داخليا , انما ذو علاقة متعاظمة مع الخارج, الذي يرفض الاسلام السياسي ويحاربه ولا يتمكن من العيش معه .
تمر المجتمعات البشرية في تطورها بثلاثة مراحل , أولها مرحلة الخرافة والأساطير , أي اللاعقلانية , ثم مرحلة النهضة والتطوير , أي مرحلة العقلانية , وأخيرا مرحلة العلمية والعولمة التي نعيشها الآن , هذه المراحل تتداخل مع بعضها البعض , واذا سمح لنا بالبحث عن المرحلة التي يتواجد بها الاسلام السياسي فكريا , سنجده في مرحلة الخرافة والأساطير , التي يبتعد العالم عنها باضطراد , بينما يصر الاسلاميون على البقاء بقوقعتها , تعاظم الشرخ بين العالم الذي يقف الآن على أبواب مابعد الحداثة وبين الاسلام السياسي الجامد, رفع حدة التوتر بينهما , على الاسلام السياسي في هذه الحالة أن ينتظم في المنظومة الحضارية العصرية , أي أن يدخل التاريخ , وهذا الأمر يتطلب تطورا جوهريا في كينونتة , تطورا لايقتدر على تحقيقه , لذلك ازدادت غربته الى أن تحول الى معزولا وبائسا فقيرا مريضا وشبه منتحرا , الاسلاميون يحاولون التقرب والتحابب والتآلف مع الغير بممارسة قتلهم وتخويفهم وارهابهم , وكأن البشرية مصابة بعقدة ستوكهولم, أو أن الاسلاميين مصابون بمركب السادومازوخية.
لقد التبس أمر المسلم والاسلامي على رجال الصحوة الاسلامية , أي على الاسلاميين والاخوان , انهم يعتقدون بأن كل مسلم هو بطبيعته اسلامي , واعتقادهم بما يخص نجاحهم المؤكد في انتخابات حرة لايزعزعه الواقع المذل لهم باستحقاق , اذ لاتدعم تجارب انتخابية تلك التنبؤات الاسلاموية , ففي سوريا نال التيار الاسلامي أربعة مقاد من أصل أكثر من مئة مقعد نيابي عام 1954 , وفي الباكستان المسلمة المحافظة نال الاسلاميون في الانتخابات الأخيرة 11% من الأصوات , وفي الأردن تقلص عدد مقاعد الاسلاميين من 17 مقعد الى ستة مقاعد , وفي الكويت دخلت اربعة نساء الى البرلمان بينما تقلص عدد مقاعد الاسلاميين من أربعة مقاد الى مقعدين ,ثم أن الاسلاميين لايحكمون في ماليزيا وفي اندونيسيا وفي سنغافورا , في ليبيا كات حصتهم 17% من الأصوات ,حتى في السودان انهار البشير الشبيه بالبغدادي , كل ذلك مثل مؤشرات تدل بأنه لاحظ لهم في تأسيس دولة خلافة اسلامية في سوريا عن طريق الانتخابات, وبالأخص في هذا العصر بعد أن فضحهم مرسي وفضحتهم الفصائل المقاتلة في سوريا , خاصة داعش ,لايمكن للدولة الاسلامية التي تريدها الصحوة الا أن تكون نسخة عن داعش …. موديل أساطير وسواطير !
اعتمد اسلاميو الصحوة في تكوين الشعور الكاذب بالقوة على مقدرتهم الارهابية وعلى تنفيذ عمليات مخيفة للبشر , الا أن تنفيذ أي عمل ارهبي يختلف بشدة عن عملية النجاح في انتخابات حرة , لابل تمثل الممارسات الارهابية تقويضا لامكانية النجاح انتخابيا , لا نعرف سببا وجيها لاعتقادهم الراسخ بأن المواطن الانسان يريدهم ويريد الحياة تحت اشرافهم , هل امتلاكهم لمفاتيح الجنة هو السبب ؟ , هل يملك الاسلاميون مفاهيم منطقية حديثة تكرس الحداثة والتقدم ؟ , هل هناك من لايدرك بأن اجترار الماضي ضار , وبأن قوانين وأحكام القرون الغابرة غير قادرة على تنظيم أمور الحياة الحديثة المعقدة, يحمل الاسلام السياسي بذور فنائه ولاديا , انه معاكس لقوانين فلسفة وتطور التاريخ !!

——–
(*) د. ممدوح بيطار هو كاتب ومفكر سوري
(**) ربا منصور هي كاتبة وباحثة سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى