الوطن هو الطائفة في وطن الطوائف! / سمير صادق (*)
الطائفة كوطن , والوطن كطائفة …لم يكن للطائفة أن تكون مثقلة بدلالات سياسية , الا أن التطور المعيب والمزمن اتسم في انحسار مفهوم وطن المجتمع لصالح وطن الطائفة , الذي يتميز بالاحتماء بالطائفة كوطن وبتنافس هذا الوطن مع وطن المجتمع ويعاديه ويحرقه اذا تطلب الأمر ذلك , كم تغنينا بفسيفساء الشعب ؟ ,وكم قادت هذه الفسيفساء الى تأسيس البنية التحتية للهيمنة والتسلط , تسلط طائفة على أخرى أو حتى على الجميع , هيمنة من المهد الى اللحد , وكما هو الأسد الى الأبد , كذلك يريد الاسلاميون الأبدية , انهم الغالبية المتغلبة , وهكذا على الغير تقبل شرائعهم وهو صاغر …الى الأبد !
لماذا لم تنجح الحركات القومية في ترجيح كفة الوطن الاجتماعي؟ , واكتفت بنقل نصوص الدساتير من هناك وهناك ,قانون عمل فرنسي وقانون ادارة محلية ألماني , ثم قانون أحوال شخصية اسلامي , والشعب ليس فرنسي وليس ألماني , ولا هو بمعظمه اسلاموي , لأن ممارسات الحركات القومية كانت ولا تزال كممارسات الخلفاء , فمن جلس على الكرسي التصق بها كالخليفة حتى الممات قتلا , ومن النادر طبيعيا , , لايعرف العرب رئيسا الا وكان ملكا أكثر من الملوك وخليفة أكثر من الخلفاء ..
الحركات التي سميت قومية لم تكن قومية الا بالقشرة , القلب كان غيبي وغبي , والحاكم كان نبيا أو حتى الها , لذلك لايمكن القول على أن الحركات القومية فشلت في تدعيم أسس الوطن الاجتماعي , لأنها حقيقة لم تبدأ حتى بالتأسيس الى وطن المجتمع , , بل أنها شاركت في تثبيت دعائم وطن الطائفة , هناك كان الرئيس الورع والتقي النقي والرئيس المؤمن , ولا لزوم للحديث عن الملوك وحماية الحرمين الشريفيين ثم عن سلالة عبد الله والسعيد السعودي والخامس محمد ..الخ , لا عجب والحالة كذلك من تعمق وازدياد تجذر مفهوم الانتماء للمعتقد الديني , وترسيخ مفهوم الدين كوطن الى جانب الوطن الاجتماعي الذي تقزم وتحول الى وطن شكلي .
تميز خاصة العنف هذا الوطن منذ عقود عديدة , فالتخويف هو عنف , ولتسمية سوريا باسم جمهورية الخوف موجبات , ولم يبدأ العنف فجأة عام ٢٠١١ , فالعنف الحالي الذي نجح أخيرا في قتل الناس وتفتيت البنية الشعبية ثم البنية الجغرافية بشكل غير مسبوق , هو استمرار لممارسة العنف ,الذي تمتد جذوره الى الماض السحيق, لقد تربى الانسان السوري على عنف المستعمر خاصة المستعمر العربي والعثماني , الذي دام طويلا جدا.
هل من فائدة من جدول للمفاضلة بين أشكال وألوان المستعمرين ؟ قد يكون التطرق لموضوع التفاضلية بين المستعمرين اشكالي , الا أنه ضروري لفهم واقعنا الحالي وعنف هذا الواقع , هناك أنواع من الاستعمار , نوع مارس الهيمنة الضارة , ولكنه مارس العمران والبنيان ايضا كالاستعمار الروماني , هناك نوعا استغلاليا تجلى في ممارسة النهب ,ونوع آخر مارس الى جانب النهب تطبيع الناس بطباعه ومعتقداته , لقد تأسلم السوريون بعد الاحتلال الاسلامي للبلاد, لربما تفاديا لدفع الجزية , ثم جاء الاسلام العثماني ليكمل الملحمة وليحصل الجزية ماديا وبشريا باصطياده للبشر والشباب لارسالهم قسرا وعنوة الى محرقة الحروب حيث لم يعد منهم أحد , استعمار دام أربعة قرون ,ومن أول ممارساته كان الارهاب والنهب , بالنتيجة تحول الانسان السوري الى مخلوق قلق وخائف ومتطبع بضباع العسكر الذي احتل بلاده بالعنف والسيف , لقد تم تدمير انتماء السوري لسوريته , اذ تحول السوري الى عربي وعثماني ,ولأول مرة في التاريخ قيل عام ١٩٢٠ بوجود وطن اسمه سوريا ووجود شعب اسمه الشعب السوري , الذي فشل للاسف في رعاية مشروع الدولة التي آلت الى الاندثار مؤخرا …ولا عجب في ذلك !
——-
(*) سمير صادق هو كاتب ومفكر سوري
/ عن موقع syrian.net