المناكحة والمجتمع الأبوي الهجين ! ! / ميرا البيطار (*)
بمناسبة يوم المرأة العالمي ٨/٣
تفكيك مفهوم عقد النكاح المشوه لكينونة وكرامة الانسان امرأة ورجلا لايقتقصر على التقزز من مفردة “نكاح” ومن مدلولات تقزيم الزواج ليصبح نكاحا , وبالنتيجة عندما لايوجد نكاح تتوقف حالة الزواج عن الوجود .
ماهي دلالات استمرار توصيف الزواج من الجهات التقليدية بأنه نكاح ,مع العلم بأن الغالبية الساحقة من البشر يعتبرون استخدام هذه المفردة في عنونة الاتفاق حول الزواج بأنه عقد نكاح أمرا شنيعا ومقززا للنفس ؟ وما هي دلالات ذلك الاصرار على استعمال المفردة من قبل العديد من الاسلاميين انصياعا لمبدأ النقل وحذفا للعقل , فلطالما تم استخدام هذه المفردة قديما يجب استخدامها حديثا , هذه هي روح استحضار الماضي ليكون مرشدا وقائدا للحاضر والمستقبل , هذه هي روح الماضوية والتأخرية التي فعلت فعلتها القاتلة في المجتمعات العربية الاسلامية .
المسألة ثقافية اجتماعية ,لا تقتصر على الفشل في الابتعاد عن مفردة سقيمة بمدلولات حيوانية , وانما تشمل كل نواحي الحياة , فالحياة الاسلامية العربية بشكل عام تتصف ببنيتها الثابتة والغير قادرة على التغير , والمجتمع الاسلامي العربي التقليدي الأبوي , الذي فشل في ايجاد ماهو أجمل وأليق من مفردة “نكاح” هو مجتمع “ساكن راكد” وبالتالي فان ثقافة هذه المجتمعات هي ثقافة سكونية معتدة بنفسها نرجسيا ورافضة للثقافات الأخرى عنصريا ,فلولا الشعور بتفوق مفهوم النكاح في تعريف الزواج على المفاهيم الأخرى , لما كان هناك ذلك الاصرار على استخدام المفردة من قبل الجهات المحافظة , المفردة التافهة وغيرها من التوافه تحولوا الى نوع من الانتربولوجيا الثقافية , الى كينونة شبه عضوية بميزة أساسية هي الخضوع الى السكون وانتفاء التطور , الذي ان وجد فهو تطور بمنتهى البطئ , تطور يتنكر للمتغيرات ويتجاهل وجودها .
يعود التخلف الذي يتمظهر حتى في التمسكك باستخدام بمفردة شكلية الى عاملين , الأول هو اللاعقلانية والثاني هو العجز , اللاعقلانية تعني عدم المقدرة على التدبير , والعجز يعني عدم المقدرة على الوصول الى الهدف , وأحد المشاكل الأساسية تكمن في مقدرة الناس على التعايش مع التخلف كما يتعايش المخلوق البشري مع ظاهرة الموت , انها استكانة للزهد على الأرض , هل الوعد بالجنة في الحياة الأخرى هو المسبب الرئيسي لذلك ؟.
احد معالم التخلف التي يتعايش الفرد معها في المجتمعات الاسلامية هي منظومة المجتمع الأبوي وحجره الأساسي هو استعباد المرأة واستبعادها ونفي وجودها الاجتماعي , الذي يأخذ أحيانا شكل الاعدام الاجتماعي , المجتمع الأبوي هو مجتمع ذكوري مسكون بالتسلطية والوصاية ثم التعنت الرافض للنقد والمصر على السيطرة على المرأة واستهلاكها حيوانيا , انها المهدئ لغريزة النكاح والمشبع لهذه الغريزة , العقد هو عقد نكاح , فماهي قيمة هذا العقد عند انتفاء النكاح لسبب ما من الحياة بين أمرأة ورجل ؟؟
من لايقتدر على تحديث مفردة , لايقتدر على تحديث ماهو أهم من هذه المفردة, العنانة التطورية تعود الى عدم المقدرة على خلق وعي جماعي شعبي تجاه الدين والسياسة والظلم والمرأة ..الخ , انعدام وجود وعي جماعي جديد أبقى النظرة للمرأة في اطارها الاستهلاكي النكاحي , وأجهض امكانية نجاح الأنسنة وهيمنة الأنسنة على السلوك البشري .
يتوقف مصير المجتمعات التقليدية الأبوية على مقدرة هذه المجتمعات في التغلب على صيغتها الأبوية واستبدالها بصيغة حديثة تتجلى بالاعتراف نظريا وعمليا بوجود المرأة اجتماعيا , وبالابتعاد عن المجتمع الذكوري المسكون بالذهنية الأبوية , والمهووس في ممارسة التسلط ….هوس ينتقل من الأسرة الى الحارة الى البلدة ثم المدينة وبانهاية يشمل كل المجتمع ,المجتمع المهووس بالذهنية الأبوية هو مجتمع لايقبل النقد ولا يمارسه , انه مجتمع الاملاء والفرض ,
لاشك في كون تركيبة المجتمعات الأوربية قدوة للمجتمعات الشرقية , وهذا يعني أيضا بدون شك السير في طريق التحديث والحداثة والنمو الاقتصادي , المفجع في الأمر كان ذلك القصور في ترتيب الأمور الاجتماعية بشكل يتوافق مع الحالة النفسية والاقتصادية العامة في المنطقة , التحديث اقتصر على أمر الاستهلاك الذي وفرته ينابيع البترول للبعض وحرمت الأغلبية الساحقة منه , وهكذا تم انتاج مجتمعات هجينة …فلا هي حديثة حقا ولا هي تقليدية … مجتمعات “القشرة” الحداثية , التي أوهمت البعض بأنهم حداثيون , وبالتالي تم اجهاض العمل الحقيقي للتوصل الى حالة الحداثة العقلية.
——-
(*) ميرا البيطار هي كاتبة سورية