القمع والمحظورات ومخابرات التواصل الاجتماعي ../ ربا منصور
عاش السوريون قرونا في جو المحظورات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية, سياسيا أطبقت أنظمة الاستبداد طوال قرون على رقاب الناس , من فرض التوحيد ومطلقية الخلافة , الى حالة الطوارئ والمحاكم الميدانية ومحاكم الارهاب , قديما وحديثا لامعارضة للشخص , ان كان خليفة أو ملكا أو رئيسا , لارأي ولا حرية تعبير , والنتيجة كانت نشأة أجيال من الأميين سياسيا واجتماعيا , والمشوهين بما يخص المواطنة وادراك ممارساتها , الانسان السوري لايعرف واجباته كمواطن ولا يعرف حقوقه كمواطن أيضا .
هل كان بامكان العسكر حديثا القيام بكل ذلك بدون الر ديف الديني ؟, واستخدامه في الاخضاع عن طريق الترهيب والترغيب والتجهيل والترويج للجهاد بدلا من الاجتهاد , وللنقل بدلا من العقل , ثم للقدرية والاستكانة وتكفير التمرد على السلطان ؟؟؟
من غير الممكن للعسكر فعل كل ذلك دون تضافر مع العامل الديني , عن طريق بناء جدار فاصل من الممنوعات والمحظورات , التي ابعدت الناس عن الابداع والتطوير ,انتفخت شرنقة الممنوعات وضمر فضاء المسموحات , وبذلك تم دفن الحريات , وتحول الانسان في أحسن الحالات الى المعلف كبقية الحيوانات .
توافق رجال الدين مع العسكر , الذي حقق لهم وأد ديموقراطية البشر ونشر الاستبداد الالهي , وكان لبعض العسكر خواص الخليفة , هناك الرئيس الورع والرئيس التقي وحامي الحرمين والامام الأعظم القذافي ,ومنهم من احتضن القرآن وتاب , ثم لصق على علم البلاد عبارة الله أكبر , ثم اكتشف القرابة مع الرسول , لذلك أطلق على نفسه لقب المجاهد ,المجاهد صدام االمجاهد السادات , والورع أبو سليمان ..الخ , لقد كان الخليفة القديم رجل سياسة ورجل دين بشخصه , أصبح الخلفاء الجدد نصف رجال سياسة ونصف رجال دين , والنصف الآخر غطاه رجال الدين , الذين أصبحوا نصف ساسة ونصف مشايخ , وبالتالي تمت تغطية البلاد دينيا-سياسيا(اسلام سياسي ) على أتم وجه!.
اريد الانتقال الى العالم الافتراضي , الذي قلل الممنوعات بشكل ملحوظ, أي أنه وفر هامشا كبيرا لحرية الرأي, مما أدى الى ولادة حالات تمرد , المجموعات الشبابية تتمرد ضد الخرافات وبول البعير وتحاول تحطيم المحظورات , اغمي على الخوف , وخرج البعض عن الطوع الديني , وارتمى البعض الآخر في مطب الطوع الديني .
لقد مكن التواصل الاجتماعي ممارسة قدرا كبيرا من الحريات , ولكن ماغاب عنا جميعا كان وضع بعض المستهلكين لمادة الحرية , من الذين عاشوا طوال حياتهم أو الجزء الأعظم منها في بيئة المحظورات, التي اعتادوا عليها , وترسبت في لاشعورهم , القسر والفرض تحول الى جزء متجذر في كيانهم , الذي أصبح كيانا مزدوجا انفصاميا , يطالبون بالحرية ويمارسون قمعها , شعوب من أكثر شعوب العالم تحدثا وشغفا بالديموقراطية , ومن أقل شعوب العالم ممارسة لها .
رفض المحظورات والممنوعات التعسفية , لاينفي المقدرة على الاعتياد عليها , ولا ينفي المقدرة على تكريسها وترسيخها , وبالتالي قابلية التواصل الاجتماعي للارتشاح بمادة المحظورات والممنوعات , حتى أن التواصل الاجتماعي قادر نظريا على ممارسة نشر المحظورات والممنوعات التعسفية , فالتعبير الحر عن الرأي تطور في بعض الحالات الى تعبير مقيد للرأي , وحتى في اطار التواصل الأجتماعي , الويل ثم الويل لمن ينتقد الرئيس أو ينتقص من مايسمى هيبة الدولة , وكأنه للدولة السورية هيبة !!!!!, التواصل الاجتماعي مخترق ولو جزئيا من قبل المخابرات وجماعات الترهيب الديني والقمع .
وحتى في سيريانو , يصر البعض على وضع كمامة على أفواه البعض الآخر , بحجة ضرورة احترام المقدسات والرموز , التي يعتبرون المساس بها جريمة لاتغتفر , وحتى في مجال التواصل الاجتماعي أسس السلطويون والاسلاميون منابر القمع والتخوين والتكفير , ثم مواخير الشتيمة والاقصاء والانتقاص من الآخر , ما يؤمنون به مقدس لايجوز نقده , وما لايؤمنون به مدنس يجب بتره , حجم وفضاء مقدساتهم الهلامية المطاطة بلغ حدا وشكلا لايمكن التعايش معه , مقدساتهم عند الحاجة !!!!! , فالرسول مقدس ,والشيخ أيضا , وعن الدين فحدث ولا حرج , الرئيس مقدس أيضا ,والثورة الاسلامية مقدسة والثائر االبغدادي مقدس , وقائمة المقدسات أكبر مما ذكر بدرجات, احيانا يشعر من يريد التعبير عن رأيه بحرية وكأنه أمام جلادين فرع فلسطين أو أحد فروع المخابرات الجوية , أو في رحاب ماخور اعتقال فصائلي داعشي , .
لايختلف القمع ” الافتراضي ” مبدئيا عن أشكال القمع الأخرى , لابل يمكن القول بأن سهولة تحقيق الحرية عن طريق التواصل الاجتماعي , تقابلها سهولة قمعها عن طريق التواصل الاجتماعي أيضا , ولأن بعض الأفكار التي تمكنت من الوصول الى القارئ المستهلك لاتليق بمليار ونصف من البشر , لذلك يتم شتمها بأبشع التعابير السوقية والتبليغ عن طارحها , يجب وأد النقد “الهدام”, واحياء النقد البناء , دون أن نعرف ماهو الهدام وما هو البناء ؟؟؟
يجب احترام المعتقدات , طبعا معتقدات الاسلام فقط , لأن الاسلام خاتم الأديان , اضافة الى كونه دين الله ,الاحترام بمعنى الاستسلام يخص الاسلام فقط , ولا يخص المعتقد الشيوعي أو اليهودي, أي معتقد ابناء القردة , ولا يخص معتقد ابناء الصليب , فدينهم محرف , ولا البوذية وغيرها , ان لم تكن مسلما لايحق لك “التدخل ” بالاسلام ,وان كنت مسلما لايحق لك نقد الاسلام , هنا تتربص بك تهم قد تصل عقوبتها الى الرجم او القتل , وان كنت ملحدا فمن المسموح للشتائم المبتذلة التكفيرية أن تنهمر عليك بعنف لفظي وجهل معرفي غير مسبوق , كذلك حال العلمانية والعلمانيين , الذي تحولوا الى كفرة أدعياء العلمانية.
ان تطرقت الى موضوع مشاكل الشرق الأوسط المتمحورة حول فلسطين واسرائيل , وناديت بالتقارب الى حد التطبيع , فأنت مروج للاحتلال اليهودي وعميل صهيوني , أما حقيقة فأنت منحرف عن سياسة الرسول تجاه يهود بني قريظة , العديد من المشايخ يدعون بأن أهمية مشكلة فلسطين تكمن في العداء لليهود , فالقضاء عليهم هو واجب ديني , ان تطرقت للتاريخ القديم ناقدا فأنت عدو الاسلام والعروبة , وان تطرقت للوضع الحديث ناقدا, فأنت متنكر لأمجاد الماضي ولخير أمة , وان تطرقت للبدوية فأنت حاقد كاره صليبي مسيحاوي …لاتتنفسوا ولا تنبثوا بأي كلمة نقد , تذكروا بأننا حررناكم وأنعمنا عليكم بفتوحاتنا , أطعمناكم وآيواناكم وسامحناكم وتحملناكم وأنتم تنكرون الجميل …ما أقبحكم !