نوروزكم/ نوروزنا مبروك / علي العبدالله (*)
لم تشهد مدينة القامشلي، التي عشت فيها ردحا من طفولتي وبداية شبابي(1955 – 1970 ) احتفالا بعيد النوروز حتى بداية السبعينات، وهو أمر مفهوم ذلك أن الاحتفال بعيد نوروز جاء تعبيرا عن نمو وعي وطني كردي، عن بزوغ وطنية كردية أطلقها عمل دؤوب لرجال مثل الملا مصطفى البارزاني ودكتور علم الاجتماع نورالدين ظاظا والشاعر جكر خون والأستاذ احمد محمود، معلم في المرحلة الابتدائية علمني في ابتدائية صلاح الدين في مدينة القامشلي اعتقلته المخابرات عام 1960، أيام الجمهورية العربية المتحدة، لدوره في نشاط سياسي كردي عاد إلينا بعد أيام وقد فقد حس السمع نتيجة التعذيب الذي لقيه على أيدي عناصر المخابرات، وعبدي تيللو، كاتب العرضحال أمام باب المحكمة الذي كان يضخ في الحضور الكردي مشاعر العزة والأنفة، والطالبان غربي سليمان واحمد حسين أو احمد عزت، زميلاي في الثانوية اعتقلا عام 1969 بعد أن هتفا في مهرجان خطابي في سينما حداد مطالبين بالاعتراف بالحقوق الكردية.
ففي فترة دقيقة وحساسة من تاريخ المنطقة العربية والعالم: الحرب الباردة، سياسة الأحلاف (بغداد والسنتو)، والضغط التركي على سوريا، الوحدة السورية المصرية، نشوء حركة عدم الانحياز، تصاعد حركات التحرر في دول العالم الثالث ونيل الاستقلال، عالم يموج بالحركة والاضطراب، انطلقت حركة سياسية اجتماعية في كردستان العراق أطلقها الملا مصطفى البارزاني وانتشر صداها في سوريا حيث بدأت إرهاصات تشكيل الحزب الديمقراطي الكردي/ البارتي، وبدأت الخلايا بالتشكل لتعلن عن نفسها في تظاهرة في القامشلي 1959 ورفع العلم الكردي في عامودا، لكن الظهور المبكر لم يصمد فقد قمع بشدة وعنف وقيد بأطر “قانونية” عبر الإحصاء الاستثنائي والحزام العربي.
غير أن التحرك السياسي الكردي في سوريا استمر بتأثير تصاعد الحركة الوطنية الكردية في العراق وتحقيقها حضورا ضاغطا في المشهد السياسي العراقي دفع النظام هناك إلى التفاوض معها بحثنا عن حل، واشتد عوده وراح يعلن عن وجوده عبر تنظيم احتفالات عيد النوروز، لقد غدا شبه علني، لكنه انزلق إلى الانقسام والتشرذم على خلفية طموحات شخصية غذاها الانقسام الخطير في كردستان العراق بخروج الطالباني من تحت خيمة مؤسس الحركة الوطنية الكردية المعاصرة الملا مصطفى البارزاني، قبل أن تبدأ أيدي النظام السوري في استغلال الخلافات والنفخ فيها وتشجيع الطامحين على الانشقاق وتأسيس أحزاب جديدة، ناهيك عن دخول حزب العمال الكردستاني التركي على الخط وامتصاصه لأكثر الطاقات الشبابية الكردية ونقلها إلى الساحة التركية ما ساهم في إفقار الساحة السورية وقلص قواعد الأحزاب الكردية فيها وجعلها تصطرع على عدد محدود من المحازبين ينتقلون من حزب إلى آخر.
قال الحاج بدرخان تيللو تعليقا على ظاهرة الانشقاقات وتآكل قواعد الأحزاب الكردية بلهجته الجزراوية المحببة :”كلنا( العرب والأكراد والأتراك والإيرانيون) مطبوخين بطنجرة وحدة”.
المهم أن الكرد حققوا حضورا ملموسا في المشهد السياسي السوري وقد تأكد هذا الحضور عبر التفاعل مع الأحزاب العربية بدأ بشكل فردي وتحول إلى تحرك جماعي منظم دشنته لجان أحياء المجتمع المدني بلقاء في وادي المشاريع أو زورافا كما يطلق عليها الكرد وتشكيل لجنة التنسيق القوى السياسية والحقوقية وزيارة وفد اللجان والجمعية السورية لحقوق الإنسان القامشلي اثر الانتفاضة الكردية يوم 12/3/2004 وتنظيم اعتصامات مشتركة في ذكرى الإحصاء الاستثنائي وفرض حالة الطوارئ أمام مبنى رئاسة الوزارة وأمام القصر العدلي، تلتها مشاركة الأحزاب الكردية في تأسيس إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي 2005 وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي 2011 غدت فيها المطالب الكردية جزءا من برنامج العمل الوطني وغدا عيد النوروز عيدا وطنيا سوريا.
يمر عيد النوروز هذا العام والشعب السوري في خضم معركة تحرير سوريا من الاستبداد والفساد، من الاضطهاد والتمييز، وقد دفع أثمانا باهظة لتحرره وخلاصه، دفعه مواطنون من كل المكونات عربا وكردا وآشوريين/ سريان وتركمان، ومن كل الأديان والمذاهب، فالمعركة معركة كل الشعب السوري من اجل سوريا حرة وديمقراطية، دولة لكل مواطنيها لا تميز بينهم على أساس عرقي أو ديني أو جنسي، دولة المواطنة والعدل والمساواة. وبهذه المناسبة العزيزة على قلوبنا ندعو أبناء الشعب السوري، كل أبناء الشعب السوري، إلى التعاون والتعاضد والعمل معا يدا بيد وكتفا إلى كتف حتى نسقط نظام الاستبداد والفساد.
——-
(*) علي العبدالله هو كاتب وناشط سياسي سوري
/ عن صفحته في فيسبوك بتاريخ 20 آذار 2013