جنين السقوط وجناية الاسقاط…/ سمير صادق (*)
هل تحتاج الأنظمة العربية الى عوامل سقوط خارجية ؟
لاتحتاج الأنظمة العربية الى عوامل سقوط خارجية ,ان كانت اقليمية أو عالمية , وهذا الأمر ينطبق على كل الدول من المحيط الى الخليج جمهوريات ومملكات وجملوكيات , جنين “السقوط” متواجد في رحم تلك الكيانات , وولادة الجنين كانت متأخرة في الكثير من الحالات ,أحيانا كانت هناك ضرورة الى عملية قيصرية دامية , احيانا كانت الولادة سهلة وميسرة , كما كان الحال في تونس , الوليد الجديد اختلف من دولة لأخرى , انثى أو ذكر مشوه أو مريض أو صحيح الجسم,كل ذلك كانت له علاقة بالظروف المحلية الداخلية والخارجية لكل دولة ولكل كيان .
تمتدعوامل سقوط النظام السوري الى الماضي , الى معاكسة حافظ الأسد للتاريخ وتطوره , ومثله فعل أيضا عبد الناصر والقذافي وصدام حسين ,كلهم ادخلوا عبادة “الشخص” في برامج ممارستهم للسلطة , بل كلهم وضعوا ممارسة عبادة “الشخص ” في مقدمة الممارسات وحتى المقدسات , وبذلك تمكنوا من ترسيخ حكم عائلي مطلق لفترات طويلة جدا ,فسوريا تحولت الى مايشبه مملكة يورث بها الحكم من الأب الى الأبن , والهدف كان حكم آل الأسد فقط ,وليس موضوع الدولة الجمهورية وتطورها وتقدمها .
من أجل حكم العائلة كان على البعث أن يضمحل ويندثر ويتلاشى , لقد قتلت ايديولوجية البعث واستبدلت بشخص الرئيس , استبدلت ابدية البعث بأبدية الرئاسة , استبدل ادبيات البعث بأقوال الرئيس, وبالتالي أصبح قدم الرئيس أكبر بكثير من حذاء البعث , البعث أصبح ملحقا كالزائدة الدودية , تحول الحزب الواحد الى الشخص الواحد , وهذا التحول وجد له حاضنا في الدستور الجديد , الذي الغى البعث ووضع الدولة من أقصاها الى ادناها بيد الرئيس , الذي حكم بمساعدة فرق مسلحة يمولها الشعب السوري مجبرا ..الى متى ؟ لا أحد يعرف ! الا أن التجارب المشابهة تشير الى حتمية النهاية ,هكذا كان الأمر في الاتحاد السوفييتي وغيره من دول أوروبا الشرقية, النظام السوري كان المسبب الرئيسي لسقوطه المرتقب .
ظن الأسد الابن عام 2000 على أن الاصلاح ممكن , وظنه هذا تأسس على عدم ادراك وفهم واقعي لبنية السلطة التي تسلم زمام أمورها , ضعف هذا الفهم مستمر الى يومنا هذا , الا أنه يتناقص باضطراد , تحول الأسد من واعد بالاصلاح الى متوعد به , كوالده ..عينك… عينك ! كل شيئ ممكن الا الرحيل , ولتنقرض سوريا عن بكرة أبيها ,لا رحيل مهما كلف الأمر , وعند فشل الخطة A تأتي الخطة B , فمن لايستطيع أن يبقى رئيسا لسوريا , يستطيع أن يصبح رئيسا لدولة العلويين , وأين المشكلة بذلك .؟ ,دولة عاشت من عام 1920 الى عام 1934 , ولم تخرب الدنيا , الكادر القديم الموثوق , الذي عاش متطفلا عند الأسد الأب , تحول الى حاضن للأسد الابن ..لاشيئ جديد في الدولة سوى نظام الجملوكية .
انبثقت وتفرعت كل عوامل السقوط الأخرى من حالة الشخصنة وحالة الخصخصة , فالدولة تحولت الى مزرعة خاصة يسيطر الشخص المزارع الأكبر على كل شيئ بها , مختذلا كل ماله علاقة بالمزرعة بشخصه , انها مزرعة خاصة يملكها شخص ويديرها شخص .
لكي تسير الشخصنة والخصخصة بيسر , كان لابد من التأليه ,الذي تضمن التقديس والتبخير والتملق والانبطاحية وغير ذلك , التأليه حول الشعب من فاعل الى منفعل ومفعول به , ومن فعل به كانت أجهزة الأمن, التي أجهزت على العقل والسياسة والحس بالسيادة , فالشعب الذي لايسود , لايعمل ويصبح سلبيا , وسلبية الشعب اسهمت في القضاء على معظم مرافق الدولة , الشعب تحول الى انتقامي , خرب المرافق العامة ,من زجاج نوافذ المدرسة الى الأملاك العامة ,الى التلفون العام الى القاء القاذورات في الشوارع والى الانخراط في أتون الفساد ,لقد تمدد الفساد ليصبح ظاهرة شعبية معممة , ولم يعد حالة استثنائية , وكيف يمكن لدولة أن تزدهر في ظل ممارسة واحدة هي الفساد ؟ .
لايمكن لدولة أن تزدهرفي ممارسة الفساد ,الا أنه من الممكن لعائلة وزبانيتها أن تزدهر في ظل الفساد , خاصة اذا كان البعد الوحيد لمفهوم “الازدهار ” هو الاثراء , في موضوع الاثراء لم تفشل العائلة , بل حققت أعظم النجاحات , معظم اركان العائلة أصبحوا من مالكي المليارات من الدولارات , اما عن الدولة التي تحولت الى التسول وانتاج المتسولين , فمن تهمه هذه الدولة ؟
نظرا لوفرة عوامل السقوط الداخلية , أصبح الحديث عن مساعي الاسقاط الخارجية ,الاقليمية او العالمية , باهتا , لاشك في ان أعداء السلطة كثر , ولا شك على أن هناك من يريد اسقاط السلطة , كل هذا صحيح ,والأصح من كل ذلك هو ان عوامل السقوط الذاتية الداخلية نضجت وتأزم الوضع بشدة وتأخر السقوط طويلا , الا أن السقوط المدوي آت لامحالة .
لقد كانت رغبة كل مواطن واع , ان يتم السقوط بشكل تغير سلمي تلقائي لايهدم وانما يعمر , الا أن الظروف , التي لايمكن تبرئة السلطة من المشاركة الأساسية في خلقها , لم تسمح بذلك ..الآن تحولت سوريا الى مقبرة كبيرة , ناهيكم عن الكره والانشقاق والضغينة والتخريب والخطف والافقار والاغتيالات والنزوح والطائفية والشبيحة والذبيحة والاخوان السنيين والعلويين , والجيوش الأسدية والحرة والفصائل وفرق الموت والتهريب والمناطق العازلة والمحتلة وغير العازلة والهاربين واللاجئين وقطع العلاقات الديبلوماسية وانخفاض سعر العملة والافلاس وغلاء المعيشة وفقدان النفط والبرد القارس …الخ , لا يوجد في هذا الوطن الآن سوى الساقط والسقوط والانحدار الى الحضيض!
——–
(*) سمير صادق هو كاتب ومفكر سوري
/ عن صفحة “سيريانو جورنال” – فيسبوك