المجتمع

الطائفة الكريمة والاسلام السياسي !/ سمير صادق (*)

تنفرد الطائفة العلوية في قرن اسمها بخاصة تقييمية, أعني مفردة “الكريمة” , فمن المعتاد جدا سماع عبارة ” الطائفة العلوية الكريمة “, أن تعرف نفسك بأنك علوي فهذا شيئ عادي , وكونك علوي لايدل على أنك طائفي اطلاقا , العلوي ذو “المشروع” السياسي هو الطائفي, أي أن تنظيم العلويون لأنفسهم لاحتكار حكم بلاد كما هو حالهم مع الأسد هو المشروع الطائفي,ومن يشارك في المشاريع الطائفية هو طائفي بامتياز .
كون الانسان علوي لايعني أنه طائفي ,وليس بالضرورة (نظريا) أن يصبح الطائفي متعصب , وذلك بالرغم من استناد ظاهرة التعصب عمليا في معظم الحالات على الطائفية والعنصرية , التعصب هو اتخاذ موقف ما تجاه قضية ما , والاصرار على هذا الموقف بالرغم من البرهنة عن خطئه ..انه بذلك قوة عمياء حمقاء تصاب ببلائها كل المجالات المجتمعية ..سياسيا أو مذهبيا أو اقتصاديا أو فكريا أو حربيا ..الخ , فالتعصب الفكري سقيم وعقيم لأنه يلغي فائدة الحوار مع الآخر, أما التعصب المذهبي فله وضعا خاصا , قداسة المذهب هوأحد أسباب التعصب المذهبي ,القداسة تمنع المس بالنص , لذلك فان طبيعة الدين تعصبية والتعصب ليس دخيلا على الدين وانما هو من طبيعته .
الطائفة العلوية متعصبة لكونها مذهبا يقدسه بعض العلويون , ومن هنا لاتختلف هذه الطائفة عن غيرها من الطوائف , اذ لاتوجد طائفة غيبية مذهبية لاتؤمن بقداستها , اضافة بعد تقييمي على جماعة الطائفة العلوية كالقول ان الطائفة كريمة يزيد في الطين بلة , ليس القصد من مفردة “كريمة” هنا المعطائية الحاتمية , المفردة تعني على أن الطائفة تحتكر قيم الخير ومشتقاتها , ولما لم تتكرم هذه الطائفة الكريمة على باقي الطوائف ببعد تقييمي مشابه , هنا يمكن القول على أن هذه الطائفة تحتكر خواص وصفات لاتمتلكها الطوائف الأخرى , التي لاتوصف بأنها “كريمة”, ولم نسمع يوما ما عبارة الطائفة المسيحية أو المارونية او السنية الكريمة , من هنا يجب الاستنتاج بأن الطائفة تعتبر نفسها فوق كل الطوائف الأخرى اذ تتميز عنهم بكونها “كريمة “.
الطائفة متعصبة لكونها طائفة مذهبية , وفوق ذلك متعصبة لكونها “كريمة” , المصطلح قطعي وغير قابل للنقاش لذلك فهو تعصبي , لذلك يمكن القول على أن الطائفة مبتلية بكونها مذهب غيبي أولا , وثانيا مبتلية بمرض الفوقية , ازداوج الامتراض هو سبب لازدواج المصائب ,والطائفة أصلا تعاني , ليس كغيرها من الطوائف , من ازدواج أو تعدد الاشكاليات التي تعاني منها الآن كما عانت منها في الماضي القريب أو البعيد .
لم يسقط الشعور بالفوقية من السماء , بل كان ارتكاسا لما يمكن تسميته الازدراء الرقمي السني , وذلك لكون الرقم السني في مجتمع متكلس ومانع للتداخل بين فئاته, دائما وأبدا ممثلا للأكثرية أي مؤهلا للهيمنة على الأقلية , فما كان من تلك الأقلية الا أن تتبرج بخواص وصفات تؤمن لها نوعا من التوازن الكمي مع الأكثرية, اضافة الى التحايل على الأكثرية لسلب الهيمنة الافتراضية منها , وهذا مافعله حافظ الأسد طوال نصف قرن , لقد سرق الهيمنة المفترضة من السنة بطرق وأساليب مختلفة ومعروفة , والآن تحاول الطائفة الدفاع عن الامتيازات والموارد والسيطرة , وتحاول الاستمرار في وضع جعل بعض أفرادها اقتصاديا في القمة ..أقلية تحكم البلاد بالحديد والنار وفي سبيل الحفاظ على المكتسبات مستعدة لحرق البلاد … !!
لايمكن القول على أن حيل حافظ الأسد انقذت الطائفة , بل بالعكس دمر الأسد الطائفة أكثر من تدمير السلطان سليم لها , واذا كان تصرف الأسد الاحتيالي على السنة قد قاد الى التمكن من احتكار المال والسلطة والامتيازات , الا أن ماحدث من الأسد ومع الأسد لم يكن الا ارتكاسا لوضع رقمي لامسؤولية للانسان السني أو المسيحي عنه , الوضع الرقمي لم يكن نتيجة لمؤامرة أو تزويرة , وانما كان وضعا تلقائيا موضوعيا لم يشعر حتى السنة بأهميته ,بدليل عدم الاكتراث الاجتماعي والسياسي بهذا الوضع الرقمي في الخمسينات , ففي الخمسينات لم يكن معتادا التحدث عن الانتماء الطائفي , يذهب التلاميذ الى المدرسة ولا يعرف غسان ان كان عدنان سني أو علوي أو مسيحي أو غير ذلك , وعندما استلم حافظ الأسد السلطة لم يكن هناك اعتراض سني بل فرحة سنية تلاشت في سياق طيفنة الأسد للسلطة تدريجيا , الى أن وصلت الى حالة التقوقع والانسداد الطائفي المذهبي , مما قاد في النهاية الى انفجار بشكل حرب تطورت الى أهلية ومن ثم الى اقليمية ثم أممية , حرب قوامها ومرتكزاتها ومنفذيها أرقام , رقم 13%يرمز الى الجبهة العلوية , ورقم 60% يرمز الى السنة , حرب أركانها الرقميات التي تم ذكرها لايمكن لها أن تنتهي سريعا , وعندما تنتهي سوف لن ينتصر رقم 13%بالتأكيد, لامصلحة للعلويين بحرب من هذا النوع , ولا يمكن للطائفة العلوية على المدى المتوسط والبعيد أن تستفيد منها , لقد ايقظ الأسد شيطانا كان نائما أو حتى ميتا , وبالتالي أوقع الطائفة في عداء وسجال وتشنج لايمكن لها الا أن تتضرر منه.
لقد كان من الممكن للأسد تجنب الحالة الرقمية التي لاتعمل لصالح الطائفة العلوية , وذلك بالترقي في المجتمع باتجاه مدني يعيد ترتيب انتماء الانسان السوري , الذي يمكنه عندها أن يصبح “سوريا ” أولا ,وبعدها تأتي الانتماءات الأخرى كالسنية والعلوية وغيرهم أو .. ألخ , بدلا من تمدين الطوائف تم تطييف حتى حزب البعث, الذي انتهى عمليا بتحوله الى جناح سياسي لعسكر الطائفة”الكريمة”,لو تم تطوير المجتمع ليصبح مدنيا , لما كان في البلاد أقلية علوية وأكثرية سنية , وانما كان هناك أكثريات وأقليات سياسية ديناميكية متغيرة وغير ثابتة , تسمح لكل انسان مهما كان دينه أن يكون من الأكثرية ,من السهل للشيوعي أن يتحول الى سوري قومي أو بالعكس , من الصعب تحول المسيحي الى علوي أو العلوي الى مسيحي أو المسيحي الى سني والسني الى مسيحي , ولما كانت هناك ضرورة للمعاوضة الاستفزازية بمفردة “الكريمة” , ولما كانت هناك تلك النقمة على من يصف نفسه بأنه أفضل من الآخرين , ولكانت سوريا بلدا اكثر تقدما من كوريا الجنوبية ومن سنغافورة ومن ماليزيا .
بالرغم من كون مديح الذات أمرا مستهجنا, الا أنه من الممكن على مضض تحمله عندما يكون المديح صائبا , كأن يمدح انسان نفسه بأنه كريم ويكون فعلا كريم , تحدث الواقعة الكارثية عندما تدعي العاهرة الشرف ,والكاذب الصدق, والجاهل العلم والتعصب الموضوعية والطائفي المدنية , وبخصوص الطائفة “الكريمة ” لا أجد سببا وجيها لتعميم صفات الخير أو الشر على أي مجموعة بشرية ..التعميم تعتيم , واذا رأى البعض على أن الطائفة العلوية تتميز عن غيرها بصفات الخير ,فليقل لنا لماذا لاينطبق ذلك على الطائفة المسيحية أو السنية أو المرشدية …, ففي كل الطوائف أخيار وأشرار, وبعض التواضع في تمجيد الذات هو أمر حميد .
لو قبلنا شيئا من التعميم استثنائيا ونظرنا الى حالة الطائفة عموما بعد عام ١٩٧٠ لما وجدنا في مسلكية الطائفة الكثير من الحكمة , الأسد خرب البلاد بمشاركة الطائفة وبمساعدة الاسلاميين , أفسد وكانت الطائفة أول من تمادى في الفساد , تطيف العلويون وبذلك ساهموا الى حد ما وبشكل غير مباشر في خلق داعش وفي انهاء الدور المدني لحزب البعث الذي تحول الى فصيل طائفي, من الممكن تعداد المئات من المسلكيات حيث أخفقت الطائفة في تطوير البلاد ايجابيا , لا بل أرجعت الطائفة بقيادة الأسود البلاد الى مرحلة ماقبل الدولة ,وأول الأخطاء وأفدحها كان في تحول العلويين الى “طائفة” ذات مشروع سياسي أي أنهم مارسوا العلوية السياسية , وللمقارنة لم يتحول المسيحيون الى طائفة مسيحية , لأنه ليس لهم مشروع سياسي يخصهم وبذلك يحولهم الى طائفة طائفية ..وكل طائفة هي طائفية بطبيعتها , المسيحبي بقي سوري -مسيحي , بينما العلوي أصبح علوي- سوري , وعن حالة العداوة مع الآخرين فحدث ولا حرج ..هناك كره أسطوري متبادل مع السنة قسم البلاد اجتماعيا وقد يقسمها جغرافيا , سال الدم انهارا من جراء ممارسة أحط أنواع التوحش من قبل الجميع , ولا فرق بين الميليشيات العلوية بقيادة بشار وبين الميليشيات السنية بقيادة أبو بكر أو الزرقاوي ,كل ذلك , ويمكن ذكر الكثير الذي لايسمح موضوعيا بالقول على أن الطائفة العلوية “كريمة” وبالتالي الطائفة السنية لئيمة أو على الأقل ليست كريمة كالطائفة العلوية , وماذا عن المسيحيين ؟؟ هل هم طائفة كريمة أيضا ؟.
———-
(*) سمير صادق هو كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى