حوارات وآراء

سوريا ولعنة العروبة../ سمير صادق (*)

هل سقطت فكرة الوحدة العربية قبل ولادة فكرة القومية العربية في مطلع القرن العشرين , أو بعد ولادة الفكر القومي؟ , أظن بأن فكرة الوحدة العربية والعالم العربي الموحد سقطت قبل ولادة الفكر القومي , ,ثم أن ولادة الفكر القومي العربي لم تترافق مع ولادة فكر وحدوي ناضج وقابل للتحقيق .
فشل الفكر القومي العربي في اقامة الوحدة العربية ,قاد الى ازدياد وتيرة الفكر القطري , خاصة بعد مناسبات مؤلمة كمناسبة غزو العراق للكويت , واستعمار الأسدية للبنان , وبقدر تقزم وفشل الفكري القومي العربي ,تعاظم الفكر القطري والشعور القومي القطري , لقد ثبت بما لايقبل الشك بأن موجة الفكر القومي العربي في النصف الأول من القرن الماضي , لم تكن الا شعارات هدفها تسويق الديكتاتوريات للسيطرة والاستغلال والاستبداد بتوظيف الفكر القومي العربي لتلك الغايات, تقزم الفكر القومي العربي الوحدوي مستمر , اذ لم يعد هناك من وجود للبعثي العقائدي في حزب البعث , تبخرت الرهموجة الناصرية التوحيدية , وللتعرف على المرحلة التي وصلت اليها الممارسات التوحيدية في هذا الشرق , يكفي القاء نظرة عابرة على العلاقات السابقة بين العراق البعثي وسوريا البعثية وعلى العلاقات بين السعودية واليمن ثم الجزائر ومراكش …. الخ , من النادر في تاريخ الدول أن تكون القطيعة بين دولتين يحكمهما حزب واحد كالعراق وسوريا كما كانت القطيعة بين هاتين الدولتين.
لم يكن تعاظم الدور القطري وضمور الفكر القومي العربي هواية أوغواية ,انما مصلحة مبررة واعادة الاعتبار الضروري للاوطان , فالاستعمار السوري للبنان قاد الى حذف نموذج العلاقات الأخوية بين الدولتين , وبالتالي تم افتتاح السفارا ت ,الكويت بتجربته المريرة مع عراق صدام حصن نفسه بالمزيد من اتفاقيات الحماية مع الغرب والمزيد من القواعد العسكرية الغربية , وهكذا سعت الدولة القطرية بوسائلها الذاتية للدفاع عن نفسها وعن قطريتها واستقلالها بالشكل الموجودة به وليس بالشكل الذي يريد البعض لها أن تكون به.
لقد كان القرن العشرين القرن الذهبي للفكر القومي العربي , ويبدو وكأن القرن الحادي والعشرين سيكون القرن الذي عليه حل المشاكل التي نتجت عن انتفاخ وفشل الفكر القومي العربي في القرن العشرين , انكمش هذا الفكر وبلغ درجة عالية من الانكماش حتى في أوائل هذا القرن, تصوروا حال هذا الفكر لولا بقاء المشكلة الفلسطينية بدون حل , ولولا سياسة اسرائيل التي لم تتوقف عن الاستفزاز والابتزاز , هل سيكون هناك فكر قومي عربي ؟ وحتى مقدرة مشكلة فلسطين على الابقاء على شيئ من حيوية الفكر القومي في طريقها الى التلاشي , يقال بأن الاشكالية التي لاحل لها لاتعتبر مشكلة , وهكذا فان عدم مقدرة القومية العربية على حل مشكلة فلسطين , حول هذه الاشكالية الى “لامشكلة” , أي الى حالة لامفر من التعايش معها بشكلها الحالي أو بالشكل الذي تريده اسرائيل لها, وليس بالشكل الذي يروج له القوميون العرب ,لقد أساءت القومية العربية للقضية الفلسطينية بشكل غير مباشر وبشكل مباشر ايضا , مارفضه القوميون العرب بخصوص التقسيم على سبيل المثال كان خاطئا , وعدم التمكن من تجنب الحروب كان ضعفا سياسيا وعسكريا , وخداع الناس بادعاء الانتصار كان جريمة , وأكبر الجرائم كانت جريمة التكاذب والتنافق التي حولت الهزائم المنكرة والمتكررة الى انتصارات اسطورية وهمية .
سيان ان كان الهدف قوميا عربيا أي اقامة الدولة العربية الكبرى , أو قطريا استقلاليا, لايمكن في كلا الحالتين تجاهل أهمية التنمية البشرية وتطوير كل بلد عربي الى ماهو أرقى وأفضل , فرص نجاح أي اتحاد أو وحدة مستقبلية يتناسب طردا مع تقدم وتطور الدولة المعنية بأمر الاتحاد أو الوحدة , بالنسسبة لسوريا , لقد أتعبتها العروبة الى حد الهلاك… أنا ياصديقي متعب بعروبتي , فهل العروبة لعنة وعقاب(نزار قباني ), بالنسبة لسوريا انخدع السوريون بكذبة العروبة وأهملوا مشروع الدولة السورية القطرية من عام ١٩٢٠ , وحولوا جهودهم باتجاه الاطار القومي العربي, حمل السوريون الهم العربي قبل الهم الوطني السوري القطري , لذلك فشلت تجربة الدولة السورية , وتجربة الوحدة الفاشلة زادت من ارتفاع جبل الفشل المتراكم , أي خطوة مهما كانت جيدة تتحول الى سيئة عندما لاتوضع في الزمن المناسب وبالشكل المناسب, وهكذا تحولت الوحدة بشكلها الاندماجي وفي ذاك الوقت الغير مناسب الى كارثة مستقبلية.
من استفاد من الممانعة والمقاومة ومن تدخل سوريا في الشأن الفلسطيني , هل استفاد الفلسطينيون ؟ أو هل استفاد السوريون, وهل عادت فلسطين وهل ازدهرت سور يا ؟,لقد تضررت القضية الفلسطينية وتضررت سوريا , وعن لبنان والعراق ومصر وغيرهم يمكن طرح نفس الأسئلة , لو لم يتم توظيف القضية الفلسطينية لأغراض تهم مصالح الديكتاتوريات, لكان بامكان الفلسطينيين أحراز قدرا أكبر من النجاح في الحصول على حقوقهم ,الديكتاتوريات وظفت العروبة والفكر القومي العربي ثم المقاومة والممانعة في التغطية على الدجل , تمكن الفكر القومي العربي من اطالة عمر الديكتاتوريات وحتى من اقامة الديكتاتوريات , وهو الذي تشارك مع الاسلاميين تارة , وتارة أخرى تقاتل معهم , ذلك القتال الذي أودى بحياة ملاين السوريين والفلسطينيين , وقاد الى الخراب السوري شبه الكامل , لولا العروبة والفكر القومي العربي لما حدث للفلسطينيين ماحدث, ولما حدث للسوريين ماحدث!
——–
(*) سمير صادق هو كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى