حوارات وآراء

الضديات المتشابهة:القومية العربية والقومية الصهيونية ! / سمير صادق وربا منصور (*)

يمكن للمتشابهات أحيانا تفسير وانتاج الخلافات , فأمراض شعوب هذه المنطقة متشابهة من حيث الخلفيات الفكرية , وأكثر الأمراض انتشارا هو التجرثم بالفكر القومي والطائفي والعشائري, الرئيسي من الأمراض هو مرض القوميات , هناك القومية العربية وهناك القومية الصهيونية , وغيرهم من القوميات الصغيرة نسبيا , الا أن القومية العربية والقومية الصهيونية هم الأكثر تشابها بالنسبة للقاعدة الفكرية , والأكثر عداء واقتتالا , توأم مستنسخ ومتصارع بآن واحد , فكلاهما يرضع من الثدي الايديولوجي العرقي الاثني .
ماهي معالم الفكر القومي العربي , وما هي معالم الفكر القومي الصهيوني؟
نشأ الفكر القومي العربي في مطلع القرن العشرين بهدف التخلص من العثمانيين , وقد وجد القوميون بأن هناك مايجمعهم مثل اللغة والثقافة والحياة المشتركة(النظرة الألمانية) , الا أن عامل الجمع الأهم كان حقيقة العامل الاثني العرقي العربي, وحتى التفكير الوحدوي العربي في اطار القومية العربية ارتكز على العامل الاثني العرقي , الذي ساهم من جهة أخرى بشكل كبير في اندلاع الأزمات الداخلية, كما هو في العراق وسوريا مع القومية الكردية ومع جنوب السودان ومع اقباط مصر ومع القومية السورية والأمازيغية , تارة بسبب رفض هيمنة القومية العروبية , وتارة بسبب رفض القومية العروبية لبقية القوميات واعتبارها لاغية أو غير موجودة .
امتداد العامل العرقي العربي على الشعوب والأوطان انعكس على امتداد العامل الجغرافي , الذي تسكنه هذه الشعوب , والذي تمثل تقليديا باسم الوطن العربي , فالوطن العربي هو وطن القومية العربية العرقية والتي تتربع على جغرافيا , هي الجغرافيا العربية.
تتميز القومية العروبية بميزة الميل الى التعريب الموروثة من سياسة الفتوحات العربية, التي عربت الناس دينيا ولغويا بعد احتلال ارضهم وأوطانهم , كما هو حال بلاد الشام وشمال أفريقيا , هذا الأمر جعل من الفكر القومي العربي فكرا احتلاليا مفعما بعنف تمتد جذوره الى قبل ١٤٠٠ سنة , وما حدث في أوائل القرن العشرين ليس أكثر من اعطاء هذه الاحتلالية أو الفتوحية , كما يريد العروبيون تسميتها , صيغة نظرية, بلورتها بشكل دولة او دولا , عليها أن تكون متحدة , بغض النظر عن كونها مؤهلة للوحدة أو غير مؤهلة , اذ أن العامل العرقي كاف لاحتضان هذه الوحدة , واعطائها الدفع الضروري للبقاء والتطور , وذلك بعكس مانعرفه عن بقية الوحدات أو الاتحادات كالاتحاد الأوروبي , الذي ولد على ركائز اقتصادية وسياسية, بعد أن تم القضاء أو الحد من المفاهيم القومية الاوروبية المتعددة الخاصة بكل دولة أوروبية ,
ظهرت الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بشكل قومية , أهملت وتجاهلت الأرض التي عاش عليها يهود العالم بشكل مواطنين في مختلف الدول والمجتمعات, وأيقظت المفاهيم العرقية اليهودية , العرق هو الأساس وليس الجغرافيا ,الدم الذي يسيل في العروق هو دم يهودي بخصائص يهودية , فهوية اليهودي استقالت من هوية البلدان التي عاشوا بها , وجغرافيته ابتعدت عن جغرافيا الدول والمجتمعات التي عاش اليهود بها , استقر الأمر على البديل الجغراقي فلسطين , المحدد للهوية الصهيونية , اصبح الأصل العرقي والاثني القاسم المشترك الذي ينحد ر اليهود منه , الذين ينحدرون بدورهم من أجدادهم في فلسطين , فعرقية الانتماء هي ماجمع بين أسس الفكر القومي العربي والفكر القومي الصهيوني .
فكرة الوطن القومي المبنية على اسس عرقية كانت شكلا من أشكال التشابه بين القومية العربيىة والقومية الصهيونية , فالوطن العربي جغرافيا هو الرقعة من الارض التي يسكنها العرق العربي, والتي تمتد من المحيط الى الخليج , أي الوطن الأصلي للعرب في الجزيرة مضافا اليه الشعوب التي تعربت كحال سوريا ومصر والمفرب , العرق والدين كانوا العامل الأساسي في رسم الحدود , كما يرى الاسلاميون , فحدود دولتهم تتعلق بوجود المسلمين , ان وجدوا في روسيا, فروسيا جزء من الدولة الاسلامية , ولايختلف ذلك عن التفكير القومي الصهيوني , اذ أن وجود الصهاينة في منطقة ما , ولو محتلة عن طريق الحرب , يعني أن هذه المنطقة تحولت الى جزء من اسرائيل , بحيث يمكن القول, بأن اسرائيل تشكل وتكون وتجمع الشعب أولا , ثم تبحث له عن الأرض ثانيا , ولو ازداد عدد الصهاينة فجأة بحوالي مليونين , لاشتعلت نار حرب يتم من خلالها تأمين المكان المناسب لهم تحت الشمس , الخلل في القوميتين هو تبعية الأرض للعرق, بينما الأصح كان تبعية العرق أو الاعراق للأرض , فالمهم أصلا هو العامل الجغرافي مبدئيا ومن يسكنه ثانويا ,
علاقة الدولة وبالتالي القومية بالدين متشابهة في حال القومية الصهيونية وحال القومية العربية, هنا يحب محاولة فهم ولادة الفكر القومي العربي في أوائل القرن العشرين على يد مجموعات معظمها مسيحية , فللقومية العربية طوران , طور البداية وطور النهاية , ففي البداية كانت المبادرة بمعظمها من قبل شخصيات مسيحية , وفي النهاية أصبحت بمعظمها اسلامية , البداية تأثرت بالأديان , فحماسة المسيحيون للفكر القومي العربي لربما كانت مدفوعة ولو لاشعوريا من الحرص على الأقلية المسيحية , التي شعرت بالتهديد من قبل الاسلاميين, لربما كان الأمر مجرد محاولة احتماء .
الفكر القومي عنصري أيضا , ألا أن عنصريته ليست دينية, لذلك روجوا للقومية العربية العنصرية حماية لهم من العنصرية الدينية , أما في مرحلة البلوغ أو النهاية ,خاصة بعد عام ١٩٢٨ , فقد امتزجت العنصرية القومية مع العنصرية الدينية , وتحولت العروبة الى اسلام والاسلام الى عروبة , وهكذا انقلب الوضع بالنسبة للمسيحيين الى تهديد أكبر , لم ينفع في علاجه اعتراف انطون سعادة بأننا كلنا مسلمون , هناك من أسلم بالله عن طريق محمد وهناك من أسلم عن طريق المسيح , اما عفلق فقد أعلن الاستسلام النهائي معتبرا ان العروبة اسلام والاسلام عروبة , الهدف من هذه الخطوة كان سحب البساط من تحت أقدام الاسلام السياسي الذي بدأ حديثا عام ١٩٢٨ على يد البنا وقطب, وهكذا ولد في هذه المرحلة استغلال متبادل وابتزاز للعروبة من قبل الدين وللدين من قبل العروب, فالدفاع عن العروبة العرقية هو دفاع عن الاسلام , والدفاع عن الاسلام تحول الى دفاع عن العروبة , وبذلك انصاع الأسلام ذو الجوهر الأممي للعروبة ذات الجوهر القومي , وانصاعت العروبة للاسلام في تقارب مؤسس على المصلحة المشتركة في تقاسم السلطة , هذا التقارب اختل عدة مرات, وسبب الاختلال كان دوما محاولة جهة تضخيم حصتها من السلطة , وبالتالي نقض اتفاق التراضي بتقسيم السلطة.

الحركة الصهيونية هي حركة احتلالية استيطانية ابتزت الدين , كما ابتزته القومية العربية , وذلك لتحقيق تجميع اليهود في فلسطين , الصهيونية أصلا ليست حركة دينية كالقومية العربية, التي لم تكن أصلا حركة دينية , وحال الصهاينة الأوائل كان بعيدا عن اليهودية كدين , كحال القوميين العرب الأوائل ببعدهم عن الاسلام, تفاعل القومية الصهيونية السلبي مع اليهودية شبيه بتفاعل الفكر القومي العربي مع الاسلام، التناقض تحول الى تفاهم , وهكذا ولدت في النهاية الصهيونية الدينية وولدت العروبية الدينية وتأجج العداء بين القوميتين وبين الدينين, وذلك بالرغم من التشابه الفكري القومي وحتى التشابه الديني .
لقد كانت الايديولوجيات العرقية دائما سببا مهما من أسباب الحروب , ومبررا لانتهاك حقوق الانسان ,كما فعلت العرقية النازية القومية , لم يجد القوميون العرب والقوميون الصهاينة من حل لمشكلة فلسطين الا حل الحرب والاقتتال , ربط الهوية بالعرق والدم لايؤدي الا الى هدر المزيد من الدم , تجاوز العالم المتحضر المفهوم البيولوجي العرقي للهوية , فالهوية أصبحت ترابية مصدرها الأرض , الذي يعيش الانسان عليها , كان من كان وبغض النظر عن أصله وفصله العرقي , التحديد الترابي للهوية هو القادر على تجاوز النزاعات التي تحركها النزعات العرقية , الاستمرار في الاتكال على العروبة القومية العرقية ثم القومية الصهيونية العرقية سيكون كافيا للاستمرار في الحروب العبثية , من يريد الانتصار على القومية الصهيونية الدينية , عليه الانتصار أولا على القومية العربية الدينية , ومن يريد الانتصار على القومية العربية الدينية عليه بالانتصار أولا القومية الصهيونية الدينية , اذ لاتختلف العروبية عن الصهيونية بشيء من حيث مبادئها وأصولها الفكرية ونزعتها العرقية الدينية وبالتالي شرورها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى