الطاغية لم يمت بعد / خالد قنوت
عام 2015, مع ذكرى رحيل الطاغية حافظ الأسد قبل خمسة عشر سنة, تستعيد ذاكرة كل سوري اللحظات الاولى لتناقل الخبر و قد لا تغيب أي من تفاصيل مشاعره و مشاهداته للجو العام المحيط بكل فرد منا.
عام 2000, لم تكن مكرمة بشار الأسد قد حلت علينا بعد بوجود الهواتف الجوالة بأيدينا لأتصل بزوجتي التي أخذت الاولاد إلى حديقة السبكي (في حين أن الهواتف الجوالة كانت بأيدي اللبنانيين قبل سنوات). كنت في الجمعية المعلوماتية الكائن مبناها داخل حديقة تشرين, عندما دخل المسؤول الفظ على قاعة التدريس و طلب من المحاضر التوقف دون أن يفصح عن السبب. حاول المحاضر بلطف أن يستأذن الموظف الفظ ببضعة دقائق حتى ينهي فكرته, لكن الوجه الحيواني أمره بأن يتوقف دون أي تأخير ليخبر الجميع أن السيد الرئيس قد مات. شهقت الأنسة التي كانت بجانبي بينما خطر ببالي أن هذه إحدى ألاعيب الطاغية في اكتشاف خصومه و حتى رفاقه الطامحين للسلطة من بعده ليطيح بهم دفعة واحدة كما فعل مع شقيقه رفعت الأسد ثم رئيس اركانه العماد حكمت الشهابي ثم قائد قواته الخاصة اللواء علي حيدر ثم رئيس جهاز أمنه العسكري العماد علي دوبا. كان على استعداد أن يسحق الجميع حتى تبقى الطريق ممهدة لابنه المدلل بشار الأسد بعد أن قتل بكره باسل الأسد في حادث سيارة و كان على استعداد أن يمهد الطريق لابنه المعتوه مجد الأسد إذا مات بشار.
مع جدية الخبر أدركت أنها الثالثة الثباتة, لقد رحل الطاغية حافظ الأسد. خرجت من مبنى الجمعية و في حلقي صرخة مكبوتة لم استطع التعبير عنها سوى أن وجدت رجل على باب الحديقة و امامه بسطة و عادة هؤلاء عناصر من الأمن أو الحرس الجمهوري الذين يراقبون منطقة القصر الجمهوري في الربوة, سالته: (كيف لك أن تجلس هنا؟؟ ألم تسمع بالخبر؟؟) جاوبني بدهشة (أي خبر؟؟) قلت له: (الرئيس مات) قفز الرجل من وراء البسطة و ركض بعيداً. لم استطع أن اكبت ضحكتي و ركضت بالاتجاه المعاكس.
عندما مررت بجانب جسر الرئيس, كان هناك عناصر منتشرة للحرس الجمهوري كقطيع من الذئاب الجائعة و كان أحد الضباط يحاول السيطرة عليهم و إعادتهم لداخل الثكنة التي كانت حديقة نلعب فيها ايام الطفولة. كانوا من الضخامة و الشراسة ما جعل الضابط ليحمل كبل كهرباء و يبدأ بضربهم كما يفعل رجل السيرك في ترويض الحيوانات المفترسة, عندها قلت في نفسي: (سيدمرون دمشق.. سيدمرون سورية).
عام 2005, و قبل أن اغادر سورية إلى بلد الاغتراب, جلست قبالة تمثال الطاغية حافظ الأسد في ساحة عرنوس و كنت أتأمل ذاك القبح الفني قبل القبح الحقيقي للطاغية. كم راودتني احلام أن اشارك في تحطيم هذا الثمثال و سحل رأسه الضخم من حي الصالحية و حتى الجسر الأبيض امام عشرات السوريين الذين يبصقون عليه و ينهالون عليه بالأحذية. لم يكن يساورني أدنى شك أن الطاغية لم يمت و أنه مازال يحكمنا بالحديد و النار حتى و لو بصورة ولده المختل. كان إحساسي أن الطاغية صار ورم خبيث في اعماق كل سوري و أن اجتثاث هذا الورم سيكلف الكثير من الدم و الألم و العذاب لكن حيادية الناس من حولي إلى حد التخدير جعلني أجزم أن الهاوية قادمة و أن هذه الهاوية ستكون عميقة.
في 2011, فاجأتني ثورة السوريين و خروجهم بوجه نظام الطاغية و تفانيهم في تلاحمهم و في سلميتهم و شعاراتهم الوطنية, ندمت كثيراً أني لم أكن بينهم فهذا هو مكاني و موقعي الطبيعي. احسست بأني خنت ما آمنت به طوال أكثر من عشرين عاماً من أن الثورة ضرورة وطنية لاستعادة انسانيتنا التي سحقت من أجهزة الطاغية.
بعد اربع سنوات و نيف, و رغم كل ما حصل و يحصل فإن الطاغية حافظ الأسد لم يمت بعد, فمازال الورم الخبيث لم يستأصل بعد من أعماقنا و لا يتوانى ذاك الورم عن إلامنا و تعذيبنا و تخريب ذواتنا, كل يوم.
الطاغية حافظ الأسد لم يمت بعد, فمازالت تماثيله هناك في ساحة عرنوس و في مدخل دار الثقافة و المكتبة الوطنية بساحة الامويين و على مشارف مدينة دير عطية و على الطريق العام لمدينة بانياس. لن يستأصل الورم الأسدي من أعماقنا ما لم تحطم كل تماثل الطاغية على كامل تراب سورية و تعقبها تحطيم كل اشكال الاستبداد و كل الأصنام و التماثيل الجديدة لطغاة جدد أضحى ورم الأسدية في عقولهم و نفوسهم, حالة مستعصية .
10 حزيران 2015
——–
/ عن صفحته على فيسبوك