الوطن

الوحدة العربية … شهر عسل فقط ! / سمير صادق

فشلت الهوية العربية , والقومية العربية في تحقيق أهم الأهداف الخاصة بالوحدة العربية , طبعا للفشل مسببات عديدة , منها الاعتماد على مفهوم القومية -الهوية الألماني , الذي يعطي لللغة وللروح اي المعنويات ثم التراث التاريخي الخ أهمية كبيرة , لقد اعتمدت الهوية العربية اي القومية العربية في تعريفها لنفسها على منظور عقائدي خلاصي قديم عتيق لم يعد يجدي , عصريا يتم اشتقاق الهوية وضرورة تحقيق وحدة او اتحاد على أسس سياسية وحاجات مادية واجتماعية وعلى موضوعية ضرورة شكل من اشكال التكافل والتضامن , الذي تفرضه ظروف موضوعية , يجب على كل خطوة سياسية بخلفية عقائدية ان تكون مفيدة والا تفشل , الهوية والوحدة ليسوا احلام وتمنيات وشغف فحسب , انما مصلحة وفائدة , لاتنجح الوحدة التي تقام في غير زمانها وغير مكانها , عندها قد تتحول الى ضارة ومعيقة للتقدم والرخاء , عندما تكون الأسس التي تقام الوحدة عليها واهية يصبح انهيارها حتميا , الوحدة ليس شهر عسل فقط , ليست نزوة ,

ولو عدت الى تجربة الوحدة السورية – المصرية , وسألت كيف ستنجح وتستمر وحدة تنكصت منذ بدايتها الى حالة استعمار وهيمنة القطر الجنوبي على القطر الشمالي , فالسوريون شعروا فور اعلان قيام الوحدة بأنه تم الحاقهم بالقطر الآخر , واستعمار القطر الآخر لهم , شعروا بفقدان الاستقلال , لقد كان ينتظر من الوحدة مزيدا من ” استقلال ” الدولة التي قامت واتحدت , استقلال الدولة لايعني الامعان في القطرية في ظل وحدة شكلية , الاستقلال هو استقلال الدولة الجديدة المتحدة ككل وليس استقلال جزء من هذه الدولة المتحدة بمعنى المزيد من الذاتية القطرية , ينتظر من الدولة المتحدة الجديدة أن تكون أقوى من اقطارها , وبالتالي أقدر على فرض وجودها واحترامها داخليا وخارجيا , وهذا يعني بالنتيجة مزيدا من الاستقلال للجميع .

كان الهدف من الوحدة , التي احتضنتها القومية العربية وشكلت مضمون هويتها , تحقيق مستوى مادي أعلى , واذ بالوحدة الاعتباطية تحقق مستوى مادي ادنى وبالتالي مستوى معيشي ادنى , الوحدة كانت من أجل المزيد من المشاركة السياسية , واذ بسلطات الدولة المتحدة تحت اشراف البكباشي تأمر بحل الاحزاب وتمنع كل نشاط سياسي , والدوافع هنا كانت نزواتية لاموضوعية , هناك العديد من السلبيات , التي قادت بالنهاية الى الانفصال وموت الفكر الوحدوي , لايفكر الانسان العربي الآن بأي وحدة بين الدول , انما يفكر بطرق لتفادي الشرذمة الداخلية في كل من هذه الدول .

الهوية العربية والقومية العربية مصابة بالكثير من الخلل البنيوي , ولو لم يكن هناك خللا كبيرا لما فشلت كل مشاريع الوحدة المؤسسة على الهوية العربية وعلى الفكر القومي العربي , من معالم الخلل كان تنكص البدايات الديموقراطية , على سبيل المثال تحول تجربة انتخابات عام ١٩٥٤ الشفافة الديموقراطية الى نموذج استفتاء عام ١٩٥٨ ,فنتائج انتخابات ١٩٥٤ كانت منطقية ومترجمة للتعددية , اما نتائج استفاء ١٩٥٨ فلم تكن منطقية وبالتالي مزورة , والاستفتاء لم يكن شفافا , والنتيجة كانت حصول رئيس هذه الجمهورية الجديدة على ١٠٠٪ من الأصوات تقريبا , لقد تم حفر قبرا للنزاهة الانتخابية رميت به بعد ان قتلت .

منظومة حصول الزعامات على ١٠٠٪ من اصوات الناخبين من الشعب تحول الى منهج او موضة هيمنت على معظم نتائج الانتخابات في جميع انحاء العالم العربي , اول الغيث كان في سوريا واستمر لعقود وحتى الآن , لقد كان عام ١٩٥٨ عام القضاء النهائي على روح البدايات الديموقراطية , التي تركتها فرنسا بعد رحيلها , فرنسا تركت قشرة ديموقراطية تصدعت بالعديد من الانقلابات , التي لم تكن قاتلة , الى ان جاء عام ١٩٥٨ , وتم الفتك بالقشرة وقتلها وازالتها عن بكرة ابيها.

الهوية العربية المحتضنة لعنصر الوحدة العربية الوحيد , كانت فكرة للتقدم , ليس المادي فقط انما تقدم بما يخص الحريات والضمانات الاجتماعية والحقوق المدنية والسياسية ,كانت حلمية بشكل رئيسسي , لذلك انبرت لتحقيق الأحلام والرغبات والنزوات بدون اساس موضوعي مادي علمي … زواج شهر العسل فقط .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى